إنذار شديد للثقافة.. ملك السعودية مثقفاً!

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: فيما ما يزال المثقفون حائرون بما يوحدهم او يجمعهم على تعريف واحد او عدة تعريفات متشابهة لمفردة "الثقافة".. وهل تطلق على المتعلّم والأكاديمي؟، أم على الرسام والنحات والخطاط؟، أم على الأديب والشاعر؟، نتفاجأ بمبادرة إماراتية تمنح الملك السعودي عبد الله عبد العزيز، جائزة "شخصية العام الثقافية"!.

يقول رئيس مجلس أمناء "جائزة الشيخ زايد للكتاب" الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان إن "فوز خادم الحرمين الشريفين... بهذه الجائزة، هو فخر ووسام تحمله الجائزة وتعتز به، فشخصية "ملك السعودية الاستثنائية طبعت عصراً بأكمله، وسجّلت إنجازاته الإنسانية والثقافية، بحروف من نور، ولا تزال إسهامات الملك عبد الله، في العالم أجمع، مصدر إلهام واقتداء دائمين لكافة الشعوب العربية والإسلامية"!

ومما أضافه بن طحنون من إطراء استثنائي اشادته "بالدور الحضاري لملك في إشاعة ثقافة التسامح والاعتدال والحوار بين أتباع الديانات والثقافات، وتشجيعه على العلم والمعرفة، وتدشينه المبادرات الثقافية والعلمية البارزة التي أصبحت منارات يستضاء بها في أكثر من مجال.."!.

رغم ان هذه الجائزة لا تحمل القيمة الحقيقية لمفهوم الثقافة، وأن المجاملة بين الاشقاء الخليجيين، طافحة على الاجواء، لكن لمعرفتنا بحال الثقافة في بلادنا، ومكانتها التي لا تعدو أن تكون "سلعة" للتسويق لدى الكثير، من حقنا القول: ان جرس الانذار يرن بقوة هذه المرة في اسماعنا، عندما يتحول شخص مثل الملك السعودي، الى نموذج وتجسيد للثقافة، لان كل التعريفات للثقافة، كمفردة لغوية وللمثقف، لم تقترب يوماً الى حاكم من نمط الملك السعودي، الذي يقود بلد هو الوحيد في العالم، يسمى باسم عائلته، إنما انصرفت الى الاستاذ الجامعي او الاديب او عالم الدين وحتى الرسام والخطاط والمصور والممثل وغيرهم من الفنانين، بغض النظر عن مدى تطابق مفهوم "المثقف" على هؤلاء.

يقول الكاتب المعروف "ادوارد سعيد"، أن المثقف هو الشخص الذي امتلك الموهبة الخاصة التي تمكنه من حمل رسالة أو وجهة نظر أو رأي وإسقاط ذلك على المجتمع الذي يعيش فيه دون ان ينفصل عنه". وهذا ربما يكون التعريف الذي يجمع ما تشابه من التعريفات الكثيرة. فيما بين آخرون أحد معاني ومصاديق الثقافة، بانها تهذيب النفوس والسمو بها نحو الرفعة والرقي الانساني، وهي سلوك حضاري ومعرفي راق متوج بفعل انساني.

أما عن نتاج المثقف على صعيد الواقع، فهي كثيرة ومتشعبة بحجم تشعب المجالات التي يضطلع بها المثقف، ربما تكون في جميع مجالات الحياة دون استثناء، فان المفترض ان نشهد حالة الوعي والاخلاق والتطلع نحو التقدم والتطور، بعيداً عن التمييز والكراهية والظلم والعدوان، وجميع المفردات الخاصة بالتخلف والعودة الى الجاهلية.

فهل كل ذلك انطبق على شخص الملك السعودي؟!

ان الشعب الذي يحكمه آل سعود، وايضاً شعوب المنطقة وكذلك الشعوب الاسلامية، لا تريد من الملك السعودي ان يكون ذو سلوك حضاري وأنساني ومعرفي، وان يرتقي بهم الى حيث النمو والتطور في المجالات كافة، إنما يريدون ان يعيد النظر في سياساته الداخلية والخارجية، وتجييره كل شيء من لتحقيق مصالح ضيقة لفئة محدودة في المجتمع، هي فئة الأمراء. وكان آخر شيء هو الثقافة.

فقبل شهرين تقريباً توفي المصور الصحفي "حسين علي مدن الفرج"، من محافظة القطيف - شرق السعودية- بعد تلقيه (11) رصاصة على يد قوات الأمن أثناء اقتحامها بلدة العوامية بحثاً عن أشخاص شاركوا في مظاهرات ضد النظام. ومعروفاً عن الشهيد أنه عمل على تغطية جميع المسيرات ومراسم تشييع جنازات المتظاهرين الذين لقوا حتفهم على أيدي قوات الأمن منذ عام 2011، لذا حمل اسم "مصور الثورة".

هذا المواطن الذي التحق بقافلة الشهداء، كان يحمل احد أدوات التثقيف، وكان يحرص على نقل الحقائق كما هي، وإماطة اللثام عن الممارسات القمعية التي تمارسها السلطات الأمنية بحق المواطنين المطالبين بحقوقهم العادلة. لذا كان يحمل صفة "المعارض للنظام" والتي تعدها السلطات هناك بمنزلة المبرر لتطويق منزله بالمدرعات والجنود المدججين بالسلاح واقتحام داره من خلال إطلاق كثيف وعشوائي للرصاص. ورغم انه كان "مطلوباً للسلطات الأمنية"، حسب الداخلية السعودية، ضمن (23) آخرين، بتهمة التظاهر ضد السلطة، فان "حسين"، لم يؤجل مهمته الإعلامية، فقد كان حاضراً في المكان لحظة المحاصرة والاقتحام – حسب رواية الجيران- لتغطية عملية المداهمة، حيث حاول جاهداً أن يُظهر للشرطة أنه لم يكن مسلحاً. وقد تم العثور على كاميرته ملطخة بالدماء بجوار جثته يوم 20 شباط 2014.

وفي الآونة الاخيرة حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض على الناشط زاهر الزاهر بالسجن ثمان سنوات والمنع من السفر مثلها وغرامة قدرها (٣٠) ألف ريال، على خلفية المسيرات الاحتجاجية التي شهدتها مدينة القطيف، علماً أن السلطات السعودية كانت اعتقلت الناشط الزاهر الذي يعمل مشرفا صحيا بإحدى مدارس مدينة الجبيل في شهر يناير 2012. وحسب ناشطون حقوقيون، ان من التهم الموجهة للزاهر معالجة المصابين برصاص عناصر الأمن خلال المسيرات الاحتجاجية التي شهدتها المنطقة.

ويجب ان نتذكر دائماً ان النظام الحاكم في الرياض يعد نفسه صاحب فضل كبير على الشعب لأنه أعطى حقوقهم وأكثر، كما صرّح بذلك احد أركان الحكم السعودي مؤخراً، وكان يوجه كلامه تحديداً الى الاكثرية الشيعية في المنطقة الشرقية من البلاد، بمعنى؛ من يروج لثقافة الحق والحقيقة والعدل، إنما يحرّض على المعارضة والرفض والانتفاضة.

ولنسلّم بعدم وجود ذلك الصوت الهادر والمريع المحرّض على الظلم والطغيان، كما تجسد في شخص الشيخ نمر باقر النمر الذي ما يزال مغيباً في السجون، فان السلطات الحاكمة في الرياض، بل وشخص الملك غير قادر على مواكبة او حتى تفهّم المشاريع والفعاليات الاجتماعية ذات البعد الانساني والحضاري، التي تقام بين فترة واخرى في مدن محافظتي القطيف والاحساء.. فما أكثر البرامج التربوية والتعليمية والتثقيفية التي تقام هنا وهناك، مثل دوحة القرآن الكريم في سيهات، أو "منتدى المنى" للتنمية البشرية في القطيف او ملتقى الشباب بسيهات او مهرجان القطيف، وغيرها كثير من البرامج التي تدعو الى التعايش والابداع والعمل للبناء والتطور في المجالات كافة. مثل "منتدى بوخمسين" الثقافي الذي سلّط الضوء مؤخراً على الزراعة في الأحساء، وقد تحدث الخبراء بان الأحساء سلة غذاء متكاملة وهي مجموعة من القرى يحتوي على ثلاثة ملايين نخلة وهذا العدد ليس في تناقص فقد تم منح العديد من الاراضي الزراعية في "هجرة غويبة"، وتحتوي غويبة وحدها على خمس مائة ألف نخلة بما في ذلك المنطقة المزروعة في الاحساء بمساحة 700.000 هكتار.

وهنا نتسائل؛ هل منحت الحكومة السعودية يوماً، جائزة تشجيعية على الجهد الثقافي المتنوع والمتعاظم في المنطقة الشرقية؟. فالاخبار التي نتابعها من هناك، تشير الى جهود عظيمة لتكريس الثقافة ونشر الوعي بين اوساط المجتمع، سواء على الصعيد الاجتماعي، من الطفل والمرأة والأسرة، والمسائل المتعلقة بالجوانب الانسانية مثل تكريس مفاهيم التعاون والتكافل والتعايش واحترام النظام والقانون، الى جانب الفعاليات التربوية والتعليمية للاطفال والشباب.

مع التجاهل المقصود لهكذا مسار في النشاط الثقافي، فان السعي الملحوظ من قبل النظام الحاكم في الرياض ومعه المنظومة السياسية الحاكمة في الخليج، هو ايجاد أطر جديدة تضفي المشروعية لهؤلاء في قمة السلطة. وهذا تكرار واضح لتجارب مضت في بلادنا، ابرزها تجربة "صدام" في العراق، عندما استفاد بشكل كبير من الثقافة ومفرداتها لتكريس منطق القوة والعنف في المجتمع، وهو الذي أعطاه الثلاثين عاماً، وبحجم جيل كامل، لأن يتربع آمناً في قمة السلطة، فقد كان "القائد الضرورة" وكان "البطل المنقذ" وغيرها من المفردات التي ساعدت ثقافة السلطة على ترويجها ثم تكريسها بين افراد المجتمع العراقي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/نيسان/2014 - 26/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م