سبل رفع الحيف عن المسلمين

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

 

شبكة النبأ: يقارب عدد المسلمين في العالم المليارين من بين سكان الأرض، يتوزعون على دول وقارات مختلفة جغرافيا، ولا يزال عدد كبير من المسلمين يعاني من شظف العيش، ولم يحصلوا بعد على الحياة الكريمة التي يستحقها الإنسان عموما، حيث التخلف والجهل وتدني مستويات الوعي تبطش بملايين المسلمين، لأسباب مختلفة، منها غياب العدالة الاجتماعية، وعدم تطبيق القوانين السليمة في الدول التي يقطنها المسلمون بصورة فعلية، فضلا عن حالات انتهاك الحقوق المتواصلة، من لدن الحكومات الاسلامية نفسها، أو من لدن الجماعات المتطرفة وما شابه، وقد طالت الكثير من المسلمين في العالم، حتى المتقدم منه في الغرب، مظاهر الاقصاء والعنصرية كما حدث ذلك مثلا في فرنسا وغيرها من الدول الاوربية.

وازاء هذا الواقع المؤسف، والماثل أمام العين، لابد من خطوات وسياسات تؤدي الى رفع الحيف والظلم عن المسلمين، وتساعدهم على استعادة مكانتهم الريادية في العالم، فقد قدم الاسلام للعالم أروع القيم وأكثرها قدرة على تنوير النفس البشرية وتشذيبها من الاخطاء، ورفدها بالافكار والافعال السليمة، لهذا يستحق المسلمون حياة افضل، عبر سلسلة أفضل من التعامل، على الصعيدين الداخلي (أي داخل البلدان الاسلامية)، والخارجي (أي يتعلق بالمسلمين المقيمين في الخارج)، لذلك هناك بعض المعالجات الممكنة، وهناك بعض الامور التي لابد من اتخاذها من اجل رفع الحيف عن المسلمين.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (ثقافة التحرير)، حول هذا الموضوع المهم: (لكي يتم رفع الحيف عن بلاد الإسلام، فإننا نحتاج إلى أمرين، الأول: يقع خارج بلاد الإسلام، أي في الدول التي توجد فيها بعض الحريات، كالبلاد الغربية ــ الأعم من الأوربية والأمريكية وأمثال اليابان ــ حيث تتم المباشرة بنشر الوعي الإسلامي الحضاري للغربيين وللمسلمين المقيمين هناك، عبر وسائل الإعلام الحديثة، حتى يخفف الغرب من عدائه للمسلمين، وحتى يعي المسلمون الدور الحضاري الذي يمكن أن يؤدوه هناك، لإنقاذ بلاد الإسلام من التخلّف والفوضى).

المؤتمرات ومراكز الدراسات

من بين السبل التي تساعد على إنصاف المسلمين، وإعادة النظر فيما يتعرضون له من انتهاكات، على ايدي حكوماتهم، أو على ايدي حكومات خارجية في دول اخرى، إقامة المؤتمرات التي تدعم حقوق المسلمين، وتدعو الى حمايتهم، وانصافهم، خاصة اذا علمنا أن هدر حقوق المسلمين في البلدان الاسلامية والعربية يشكل ظاهرة شبه دائمة، فضلا عما يتعرض له المسلمون المقيمون في الخارج، من قوانين ذات صبغة عنصرية واضحة، تفرق في التعامل بين المسلم وغيره، حتى لو كان يتمتع بحقوق المواطنة في تلك الدول.

كذلك هناك حاجة أساسية لإنشاء مراكز الدراسات التي تعمل على مساعدة المسلمين في التصدي لبعض الظواهر، بالاضافة الى نشر الفكر والعلم لزيادة وعي المسلمين، على الصعيدين الداخلي والخارجي، حيث تقوم هذه المراكز بتقديم الدراسات والبحوث والاستطلاعات والاستبيانات التي تتعلق بالمسلمين وحياتهم.

لذلك يقول الامام الشيرازي في كتابه نفسه، عن هذا الموضوع: لكي يتم رفع الحيف عن المسلمين، فإننا (نحتاج إلى المؤتمرات الكثيرة، ومراكز الدراسات المتعددة، ثم الإضرابات والمظاهرات السلمية، ومن دون هذه الأمور الثلاثة –الوعي، والمؤتمرات، والإضرابات والمظاهرات السلمية- لا يمكن حسب الموازين الطبيعية، نجاة المسلمين من التخلّف الذي يغوصون حتى رؤوسهم).

وهناك عامل آخر مساعد على حماية حقوق المسلمين، متمثلا بأهمية الاضرابات، فهي وسيلة ضغط ناجحة على الحكومات، كما انها تلفت انتباه المعنيين بحقوق الانسان الى الظلم الذي يطال المسلمين، كالمنظمات الانسانية عموما، خاصة ان عالمنا اليوم يتميز بشبكة اعلام حديثة لا يمكن معها اخفاء حالات الانتهاك التي تقوم بها الحكومات الدكتاتورية ضد شعوبها.

يقول الامام الشيرازي عن هذا الجانب في كتابه المذكور نفسه: (نحتاج في داخل بلاد الإسلام أيضاً إلى -الوعي الحضاري، والمؤتمرات، والإضرابات- وينبغي أن نبدأ أولا بهذه الامور الثلاثة في البلاد الإسلامية التي توجد فيها بعض الحريّات كلبنان وباكستان ونحوهما، لأنّ قوّة الأمور الثلاثة يخفف من قبضة الحكام الديكتاتوريين في بلاد الإسلام).

المسلمون ومظلة الحضارة

هل يقع المسلمون خارج مظلة الحضارة الراهنة؟، واذا كان الامر كذلك ما هي الاسباب التي أقضتهم خارج هذه المظلة؟، وأخيرا أليس من الافضل أن يكون المسلمون ضمن الركب الانساني المتحضّر، لاسيما أنهم أسهموا في السابق بنقل العالم من الظلام الى النور عبر الرسالة النبوية المباركة؟. بخصوص الاجابة عن الشطر الاول من السؤال، نعم لا يزال نسبة كبيرة من المسلمين يقبعون خارج مظلة الحضارة المعاصرة، بسبب حكوماتهم الفاشلة، مع وجود اسباب أخرى تتعلق بضعف الوعي، ومجافاة المدنية وما شابه، هذه الاسباب مجتمعة وقفت بوجه المسلمين وحالت دون تسلمهم موقعهم الريادي في قيادة العالم نحو التقدم.

ثمة شروط لابد من توافرها لكي يقوى عود المسلمين، ويتضاعف وعيهم، وتتطور افكارهم وثقافتهم، وفي المقدمة منها الجانب الاقتصادي، والاموال اللازمة للتطوير، كما يؤكد ذلك سماحة الامام الشيرازي في قوله بهذا المجال: (من دون بذل المال الوفير لا يمكن تحقيق الحريات، وقوة الجانب الاقتصادي، فمثلاً يمكن استثمار الأراضي السودانية بالأموال الخليجية والأيادي المصرية ـ كما قرّر الخبراء ـ لتحقيق الاكتفاء الذاتي الزراعي للبلاد العربية كافة، من الحبوب والفواكه واللحوم وما إلى ذلك).

ولأن المسلمين هم أصحاب مبادئ وتعاليم إنسانية كبيرة، فإن دخولهم تحت مظلة الحضارة الراهنة، سوف يشكل مكسبا للبشرية جمعاء، فما أحوج عالمنا اليوم الى نهضة انسانية شاملة، تخص منظومة القيم العالمية التي ترفع الغبن والظلم والحيف، عن الفقراء الذين سحقتهم عجلة الرأسمالية، وهمشتهم سياسات الاقتصاد الربحية ذات الطابع المادي، لذلك يحتاج العالم الى منظومة قيم منصفة، وهذا الدور يتقنه المسلمون فيما لو أتيحت لهم فرصة في هذا الاتجاه.

لذا يقول الامام الشيرازي، حول هذا الجانب: (من المعلوم أنّ المسلمين إذا دخلوا تحت المظلة الحضارية الحديثة ـ بمبادئهم السماوية ـ يكون ذلك في نفع الغرب والشرق وأمثالهما من البلاد غير الإسلامية).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/نيسان/2014 - 26/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م