تعددية وتنوع

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: عالمنا شديد التنوع والاختلاف، في كل مخلوقاته ومصنوعاته.

تندرج ضمن مفاهيم التعدد والتنوع، مفهومات اخرى لعل اقربها هي الاختلاف والاعتراف بالأخر والتعايش. 

تحيل كلمة التنوع الى التنوع الاحيائي او الايكولوجي، والذي له علاقة بتنوع المخلوقات ضمن المحيط الواحد.

اضافة الى الاختلاف التي يحيل اليه التنوع، فهو يعني ايضا (تصنيف - تَحَرَّكَ – تَمَايَلَ – تَقَدَّمَ).

تتجلى معاني التعدد والتنوع بين المختلفين، في الهويات الثقافية والبرامج الاقتصادية والاعتقادات الدينية والتجمعات الاثنية والأنظمة السياسية وغيرها.

ولا يعد التنوع والتعدد مصدرا للمشاكل داخل اي مجتمع، الا بمقدار اقترانه بعدم احترام تنوع الاخرين وتعددهم واختلافاتهم عنا، ومحاولة جعلهم يتماهون ويتشابهون معنا. من هنا تبرز مشكلة التنوع والتعدد، وهي مشكلة تحولت الى ظاهرة وازمة، لم تستطع السياسة ان تجد لها حلولا، بل ربما ساهمت السياسة بتكريس الصراع المدمر للتنوع والاختلاف، ولم يستطع الدين، كسلوك وممارسات للمتدينين به ان يفعل ذلك، ولا حتى الاقتصاد او الثقافة.

يعود أصل التعددية للدلالة إلى "عدَ" وتعني حسب وأحصى و"عادًهُ: فاخره في العدد وناهضه في الحرب، و"عَددَّ" الشيء وأحصاه جعله ذا عدد" .

ويتضح من المعاني السابقة أن الكلمة تعني عدم التفرد، كما تحمل مضامين نفسية ممثلة في التفاخر والمعادة، وكذلك تتضمن معنى القدم والاستمرارية حتى يعتد بها.   

المعني اللغوي يحمل في طياته بعض الملامح الوصفية لحقيقة التعددية من حيث أنها تعني عدم الواحدية، أو التفرد، وذلك لأن أصل العد وجود الشيئ القابل للإحصاء قل أو كثر، بما يعني أن هذا الشيء ليس منفرداً، أو وحيداً، وإلا ما قبل العد والإحصاء وتحمل مشتقات الجذر اللغوي بعض المضامين النفسية ممثلة في عمليات التفاخر والمعاداة التي تتسم بها المجتمعات البشرية التعددية لأسباب عديدة نذكرها فيما بعد.  

على الصعيد الاصطلاحي، تتعدد التعريفات المقدمة لمفهوم التعددية، فيذهب معجم المصطلحات الاجتماعية إلى أن التعددية تعني: "تعدد أشكال الروح الاجتماعية في نطاق كل جماعة، وتعدد الجماعات داخل المجتمع وتعدد الجماعات نفسها.   

أما معجم المصطلحات السياسية فيعرف التعددية على أنها" من الناحية الاجتماعية تعني وجود مؤسسات وجماعات غير متجانسة في المجتمع المعاصر يكون لها اهتمامات دينية واقتصادية وإثنية وثقافية متنوعة).

وتعرف الموسوعة البريطانية التعددية بأنها "الاستقلالية التي تحظى بها جماعات معينة في إطار المجتمع مثل الكنيسة والنقابات المهنية والاتحادات العمالية والأقليات العرقية".   

أما قاموس المصطلحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيعرف التعددية على أنها عبارة عن" تنظيم حياة المجتمع وفق قواعد عامة مشتركة تحترم وجود التنوع والاختلاف في اجاهات السكان في المجتمعات ذات الأطر الواسعة، وخاصة المجتمعات الحديثة حيث تختلط الاتجاهات الأيديولوجية والفلسفية والدينية".  

 وهناك التعريف الفلسفي للتعددية، كما يرى "دنليفي وأوليري"، الذي يستند أساسا إلى استحالة فهم الحقيقة عن طريق جوهر واحد أو مبدأ واحد. ومن ثم فإن التعددية هنا هي الاعتقاد السائد بأن هناك أو ينبغي أن يكون هناك تعدد في المعتقدات والمؤسسات والمجتمعات. أي انها على النقيض من الواحدية.  

ويعتبر الاقتصادي "فيرنيفال" هو أول من صاغ مفهوم التعددية والمجتمع المتعدد في النصف الأول من القرن العشرين. ثم طور عالم الاجتماع م.ج. سميث ما بدأه "فيرنيفال" وحاول صياغة نظرية عامة عن " التعددية الثقافية.

ويعتقد البعض أن التعددية تختلف فيما لو كانت مفهوما، عنها لو كانت مصطلحا. ويرى البعض في التعددية كمفهوم أنها ترادف التنوع والاختلاف. أما كمصطلح فيعتقد بعض آخر بأنها تمثل النظام السياسي الذي له خلفية فلسفية ترتبط بإدراك دور الدولة وطبيعة المواطنة بل وطبيعة الإنسان، ولها ملامح مؤسسية ثابتة مستقر عليها، وتقترن بتطور اقتصادي واجتماعي محدد ومناخ ثقافي يقوم على الفصل بين الدين والدولة، وتهدف إلى إدارة الصراع الاجتماعي. بمعنى أن التعددية كمصطلح تعبر عن أحد أشكال الممارسة الديموقراطية.  

وتجدر في هذا السياق التفرقة بين التعدد والاختلاف كمفاهيم، وبين "التعددية" كمصطلح سياسي في علم السياسة الغربي الليبرالي السائد تحديدًا؛ فالتعدد –كمفهوم- يرادف التنوع والتفاوت والاختلاف، في حين أن "التعددية" كمصطلح هي نظامٌ سياسيٌّ له خلفية تاريخية وفلسفية ترتبط بإدراك دور الدولة وطبيعة المواطنة، بل وطبيعة الإنسان، وصيغ العقد الاجتماعي وقضاياه ونظامه الاقتصادي.  

ما هي مكونات الحضارة الإنسانية حسب الفيلسوف الالماني إرنست كاسيرر؟ يطرح ذلك من خلال احد نصوصه، ويرى ان الحضارة الإنسانية هي تعدد وتنوع من الإنتاجات البشرية والتي لا حصر لها إلى درجة تجعل المتأمل لها يعتقد أنه من المستحيل ردها إلى مقام مشترك غير أن التركيب الفلسفي هو وحدة من يعمل على توحيد هذا الغنا وهذا التعدد والتنوع الثقافي. الفكرة التي ينطلق منها النص وتثبت تنوع الإنتاجات الثقافية في الحضارة الإنسانية هي: لا ريب في أن الحضارة الإنسانية متقسمة في فعاليات متنوعة تتجه اتجاهات مختلفة.

ويصل الى استنتاج وهو: ان الحضارة الإنسانية تحكمها اتجاهات مختلفة ومتعددة ومتنوعة من الثقافة, والنص يبرز لنا دور الفلسفة في تناول هذا التنوع الثقافي وتوحيده لتحقيق غاية الإنسانية والتي هي وحدة الحضارة, ليقف صاحب النص في الأخير عند أهمية الفعل الفلسفي في إبراز الوحدة داخل التعدد أسئلة الفهم.

الحل الذي يقترحه صاحب النص لتجاوز مسألة تعدد الثقافة وانقسامها: هو ردها إلى مقام مشترك أو طابع عام تتفق فيه جميعا وتنسجم.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 26/نيسان/2014 - 24/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م