العنف وهواجس السلم المجتمعي

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: يتفق معظم العلماء والخبراء على أن "العنف"، كمفهوم وممارسة عملية، تعبير عن حالة الفشل والضعة والخوف من الآخر، فهو الخيار الأسهل والأسرع تأثيراً، رغم سلبيته وآثاره السيئة بدرجات واشكال متفاوتة، لذا نرى على طول الخط، أن هذه النزعة النفسية الخطيرة، شكلت أبرز أدوات تحقيق مصالح أنظمة حكم أو مصالح زعماء او جماعات سياسية. وبمقدار سرعة النتائج والثمار المرجوة، ربما أبرزها الوصول الى السلطة وتكريس الوجود في القمة بلا منازع، كان حجم الثمن الباهظ الذي يدفعه بكل تأكيد، الشعب وعامة الناس، عندما تكون الشوارع والاسواق والاماكن العامة عبارة عن مسارح للقتل والاختطاف والابتزاز والاغتصاب.

وقد رصد العلماء اسباب عديدة لهذه النزعة، كلها تؤشر الى حالة الاضطراب وعدم استقامة الوضع النفسي لدى صاحبها. وفي كتابه "اللاعنف في الاسلام"، ذكر سماحة الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي –قدس سره- ثلاثة اسباب:

 الاول: "الغضب والانفعال الشديد الذي غالباً ما يسوق الإنسان إلى اُمور لا تحمد عقباها..".

والثاني: العصبية والحمية الجاهلية، التي قال ان الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، حاربها مع جملة من منظومة الاخلاق والطباع السائدة آنذاك.

والثالث: حالة النفاق، حيث يعد العنف من "العلائم الواضحة التي تميّز شخصيات المنافقين على مرّ التاريخ هو ميلهم الشديد إلى العنف، ودأبهم المستمرّ على خلق الفتن وإشعال نيران الحروب الطاحنة التي عادة ما كان يذهب ضحيتها العديد من الأبرياء ".

وعندما يكون العنف "مجتمعياً"، فانه بكل تأكيد سيهدد الحالة المغايرة له، وهي حالة السلم المجتمعي والتعايش، فبدلاً من أن يكون التعايش السلمي بين افراد المجتمع، هي القاعدة العريضة والصلبة التي يقف عليها الجميع، وعليها تتم تسوية جميع الخلافات، يكون العنف، لغة الحوار والتخاطب، والوسيلة المفضلة لتحقيق المصالح او حتى الوصول الى الحق الذي يراه البعض مشروعاً.

من هنا يدعو العلماء والمعنيون بالشأن الاجتماعي الى ضرورة تكريس حالة التعايش السلمي بين افراد المجتمع الواحد، لاسيما في بلاد تشقّ طريقها نحو الإعمار والبناء بعد سنوات طويلة من الحروب الكارثية والسياسات المدمرة للبنية التحتية.

وحتى يكون هنالك تعايش سلمي حقيقي، ينبغي توفير الشروط الموضوعية لهذا التعايش لتحقيق السلم المجتمعي المأمول، أبرزها؛ نشر ثقافة احترام النظام والالتزام بالقانون، بما يعني احترام الآخر وعدم الجنوح الى الفوضى والشغب مهما كانت الاسباب والدوافع. والامر الآخر؛ إزالة كل ما يرمز الى التمييز الطبقي والمناطقي على وجه التحديد، وهو من اكثر ما تعانيه بلادنا، والذي يعد من اهم عوامل تهديد السلم المجتمعي، حيث ان الشعور بالغبن والتهميش او حتى التحقير، من شأنه ان يذكي نار الغضب والحقد في النفوس، ويدفع لممارسة كل اشكال العنف في المجتمع.

ان المسؤولية هنا تقع بالدرجة الاولى على النخبة المثقفة، متمثلة في منظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الثقافية والدينية والاكاديمية في تنظيم ندوات جماهيرية تناقش سبل تحقيق السلم المجتمعي، بحضور علماء وخبراء واكاديميين مختصين يناقشون بداية ظاهرة العنف المجتمعي، وطريقة معالجتها، والدعوة الى تحويل التنوع والاختلاف الى مناسبة للتعايش والقبول بالآخر.

وهنا لابد من الاشارة الى، ان الحديث عن هكذا موضوعات ليس بالامر الجديد، فقد تحدث العلماء والخبراء، وكتبت الدراسات والبحوث، بيد ان المطلوب تحويل النظرية الى افكار عملية تلامس ارض الواقع، وهذا يتم من خلال اشراك المواطن، ممثلاً بالشاب والمرأة والرجل والطالب والكاسب وغيرهم، في إبداء وجهة نظره أزاء هذه الطريقة او تلك لمعالجة العنف، أو السبل الكفيلة والناجعة لتحقيق السلم المجتمعي، نظراً الى أن القضية تتعلق بالأساس بهؤلاء الافراد، والقضية تتعلق بمن يمتلك محلاً تجارياً او من يحتاج الى الطريق الآمن من البيت الى المدرسة، وعموم مرافق و زوايا المجتمع.

ومن الخطوات الاخرى على هذا الطريق، ترويج ثقافة الحوار ولغة المنطق بين مختلف افراد المجتمع بعيداً عن صفات ومميزات المتحاورين، مثال ذلك؛ من المفترض ان يكون بإمكان الأب الذي يحمل صفة الكاسب في المجتمع ان يتحاور مع المدرس الذي يحمل صفة الأكاديمي، وحامل الشهادة الجامعية، حول طريقة التعامل مع الطالب، والوصول الى صيغة مقبولة تبتعد عن التوتر التي يدفع ثمنها الطالب دائماً، وتكون النتيجة وصول الطرفان الى نقطة تحمل المسؤولية المشتركة في أمر التربية والتعليم.

كل ذلك؛ ليس بالامر الهيّن لاسيما في مجتمعاتنا التي تجذرت فيها حالة العنف المجتمعي بسبب عنف الانظمة الحاكمة وما سببته من ظروف سياسية واقتصادية قاسية. لكن لا يعني هذا ان تعيش هذه المجتمعات هواجس العنف والفوضى على طول الخط، او ان تقبل بالأمر الواقع، اذا كانت حقاً ترنو الى التغيير والتطور في المجالات كافة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 26/نيسان/2014 - 24/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م