الشهيد الشيرازي.. تأسيس حوزة، استشراف مستقبل

موقع الامام الشيرازي

 

في هذا العام، لابد أن الاحتفاء بالذكرى السنوية لشهادة المفكر الإسلامي آية الله السيد حسن الحسيني الشيرازي (رضوان الله تعالى عليه) سيكون مختلفاً، فبعد أن بدأت التنظيمات التكفيرية بالإنكسار والتشتت بعيداً عن ربوع الشام، أخذت مدينة السيدة زينب (عليها السلام) بإسترجاع ذاكرتها. وفي ذكرى رحيل الشهيد الشيرازي، فإن ذاكرة أهالي مدينة السيدة زينب(عليها السلام) وكثير من أهل الشام، ستقف عند مرحلة تاريخية فريدة ومفصلية، كتبها صاحب الذكرى بمداد علمه ودماء شهادته، الذي أشار – برؤية مستقبلية – إلى أفق التهديدات الظلامية التي تعيشها الشام اليوم، فحين قدومه إلى الشام قبل نصف قرن، رسم(قده) استراتيجية بمديات قريبة وبعيدة من أجل إحداث التغيير في مدينة الحوراء (عليها السلام) والنهوض بها، وتحصينها من تسرب الأفكار التكفيرية إليها، وقد دأب على تذكير الناس بوجوب الإرتقاء بهذه المدينة المشرفة، تنفيذاً لوصية الرسول الأعظم في يوم ولادتها(عليها السلام) حيث قال (صلى الله عليه وآله): (أوصي الحاضرين والغائبين أن يحفظوا هذه البنت من أجلي).

حينها، كانت مدينة السيدة زينب(عليها السلام) خاوية ومهجورة، والمرقد الشريف لم يكن إلا بناء بسيطاً بالياً، ومع أول وصوله إلى الشام، أطلق الشهيد الشيرازي في هذه المدينة الشامية المقدسة، نهضة تطويرية شملت مختلف مجالات الثقافة والحياة، وكانت البداية في إيجاد أرضية تفاهم ثم تقارب مع مكونات إجتماعية فاعلة، وأول ثمار ذلك، أسس (الحوزة العلمية الزينبية)، وهي أول مؤسسة دينية تزهر بربيع إيماني في الشام، وعبرها، جمع(قده) شتات جاليات الشيعة القادمين من بلدان إسلامية شتى، وما انكفأ(قده) عن سعيه في التقريب بين أفكار عموم مكونات المجتمع الشامي، من أجل التعاون على خدمة الإنسان والمبدأ، حتى رحل(قده) مضرجاً بدماء الشهادة، تاركاً تاريخاً مجيداً في الفكر والجهاد والإبداع والإنجاز.

اليوم، وفي أثناء تفجر الحرب في سوريا، تجددت دعوات "حركات إسلامية" إلى هدم ضريح السيدة زينب (عليها السلام) في الشام، وهي دعوات كانت قد انطلقت بعد التفجير الإرهابي الثاني بمرقد الإمامين العسكريين (سلام الله عليهما) في العام (1429هـ - 2007م) حيث شهدت مدن خليجية حملة مسعورة لترويج فتاوى هدم الأضرحة لـ"ازالة معالم الشرك من بلاد المسلمين" على حد زعمهم. ودعت تلك الفتاوى "المؤمنين" إلى هدم الأضرحة في العراق وخاصة ضريح سيد الشهداء(عليه السلام)، لأنه بحسب رأيهم "ضريح الشرك الأكبر"، وضريح السيدة زينب(عليها السلام) باعتباره "ضريح الشرك الأصغر"، حينها واليوم "بارك علماء" هذه التوجهات الإجرامية علنا (جهاراً نهاراً). وهو ما دفع الآلاف الإرهابيين من شتى بقاع العالم، مع أول إندلاع الحرب في سوريا، ليتجمعوا حول مدينة السيدة زينب (عليها السلام)، يترقبون فرصة إنقضاض غادرة، وهذا الواقع التكفيري المفجع بأعماله الإرهابية اليوم، كان الشهيد الشيرازي يراه ويحذر منه، فطالما كان يتحدث إلى أصحابه فيقول(قده): (يجب أن تظل عيوننا على المقام المقدس حباً ورعاية وحرصاً وحفظاً، فإن أعين الأعداء ما زالت على المقام حقداً ولؤماً وغدرا).

في ذكرى الشهيد الشيرازي، هذا العام، تتجدد ذاكرة المؤمنين، فإن أكثر من ثمانية آلاف أسرة شيعية هربت من مدن سورية، بعد أن تعرضت للقتل والنهب والتشريد، ولم يكن لها إلا أن تلجأ إلى جوار المرقد الزيني، وقد وجدت هذه الأسر الممتحنة في (الحوزة العلمية الزينبية) كنفاً وعوناً وسنداً.

إنجاز الحوزة العلمية الزينبية بجوار المرقد الطاهر، في العام 1975م ـ 1395هـ، لم يكن عملاً عادياً، ولم يكن مجرد بناء جدران، فقد مر بمراحل صعبة ومريرة، إذ سعت أطراف شتى من انتماءات شتى ولغايات شتى، للحؤول دون إنجاز هذا الصرح المبارك، لكن السيد الشهيد ذلل الصعوبات وأزال العوائق، وذلك لأنه(قده) تعامل مع الواقع - كما هو - بصبر وحكمة ومداراة وسعة صدر، فضلاً عن أن المعوقات المادية التي لم تكن متوفرة، وكل ذلك في ظل واقع سياسي ملتهب في عموم المنطقة آنذاك. لكنه ظل يعمل حتى رحل شهيداً وأهم وصاياه، الاحتماء بالمقام الزينبي المطهر ومرقد الشهيدة رقية(عليها السلام) والحفاظ عليهما، وقد حفظ المحبون الوصية، فهم اليوم يقفون مخلصين دفاعاً عن المقدسات بأنفسهم وأموالهم، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً.

* أجوبة المسائل الشرعية العدد (199)

http://alshirazi.com/rflo/ajowbeh/ajowbeh.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 24/نيسان/2014 - 22/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م