غابرييل غارسيا ماركيز.. رحيل عميد أدب أمريكا اللاتينية

 

شبكة النبأ: لا يزال عالمنا الثقافي زاخرا بالإحداث والمناسبات الثقافية والفكرية والأدبية عموما، منها وفيات كتاب مهمين في دول مختلفة من العالم، كالروائي الكولومبي العالمي الراحل غابرييل غارسيا ماركيز صاحب "مائة عام من العزلة" والحائز على جائزة نوبل الذي لا يزال محط اهتمام عالمي، حيث يقول المتخصصون في الشأن الثقافي والادبي ربما يكون الكاتب الكولومبي ماركيز، هو الأكثر شهرة وقراءة في أرجاء العالم كافة،  وغابرييل كاتب كبير وصحفي وناشر وناشط سياسي كولومبي ولد في أراكاتاكا، وكما يقول بعض المتخصصين في الشأن الثقافي والادبي أدخل القراء عبر أعماله الروائية في عالم مترع بسحر الأدب والخيال المدهش، فنصوصه فنصوص غابرييل كانت حبلى بعجائب الأحداث وغرائب الواقع والمشاعر المتدفقة والمفاجآت الكثيرة والشخصيات المتنوعة.

بينما يرى بعض منتقدوه ان أغلب مؤلفاته وكتاباته تأخذ طابع التشاؤم والسلبية في الطرح والتفكير مما قد يغرز في ذهن القارئ أفكار ورؤى ذات طابع سلبي على الرغم من قوة اسلوبه الادبي وقدرته التعبيرية في معظم كتاباته الادبية والصحفية.

نشر غارثيا ماركيث وكما تشير بعض المصادر قصته الأولى الإذعان الثالث في صحيفة الإسبكتادور بتاريخ 13 سبتمبر عام 1947. وبعدها بعام، بدأ عمله في الصحافة في نفس الصحيفة. وكانت باكورة أعماله مجموعة قصصية قام بنشرها في الصحيفة نفسها فيما بين عامي 1947 و1952. وخلال هذه الفترة، قام بنشر خمسة عشر قصة قصيرة. وبحث ماركيث لعدة سنوات عن ناشر لروايته الأولي الأوراق الذابلة، إلى أن نشرها عام 1955. وعلى الرغم من أن الرواية لاقت نقدًا واسعًا، إلا أن عددًا كبيرًا من الطبعات ظل بالمخازن، ولم يحصل الكاتب وقتها على أي شيء. وأشار غارثيا ماركيث إلى أنه "من بين كل ما كتبه، تظل الأوراق الذابلة هي المفضلة لأنها تعتبر من أكثر الأعمال صدقًا وتلقائية".

بدأت شهرة غارثيا ماركيث العالمية عند نشره لروايته مئة عام من العزلة في يونيو عام 1967، وفي أسبوع واحد، بِيعت ثمانية آلاف نسخة. ومن هذا المنطلق، بدأ نجاحه على نطاق أكبر وكان يتم بيع طبعة جديدة من الرواية كل أسبوع، وصولًا ببيع نصف مليون نسخة خلال ثلاث سنوات. كما تم ترجمتها إلى أكثر من عشرين لغة وحازت أربع جوائز دولية. ووصل ماركيث لقمة النجاح وعرفه الجمهور عندما كان بعمر الأربعين.

وأدت شعبية كتاباته أيضًا إلى تكوينه صداقات عدة مع الزعماء، ومنها الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو، وبالمثل مع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات وغيرهم من الزعماء، وإضافة إلى شهرته الواسعة التي اكتسبها من مؤلفاته، فإن وجهة نظره تجاه الإمبريالية الأمريكية أدت إلى اعتباره شخصًا مخربًا، ولسنوات عدة تم رفض إعطاءه تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة من قبل سلطات الهجرة. وبالرغم من ذلك، وبعد انتخاب بيل كلينتون رئيسًا للولايات المتحدة، تم رفع الحظر المفروض عليه للسفرإلى بلاده، وأكد كلينتون أن مئة عام من العزلة «هي روايته المفضلة».

حصل غارثيا ماركيث على جائزة نوبل للآداب عام 1982 وذلك تقديرًا للقصص القصيرة والرويات التي كتبها، والتي يتشكل بها الجمع بين الخيال والواقع في عالم هادئ من الخيال المثمر، والذي بدوره يعكس حياة وصراعات القارة. نال ماركيث بالعديد من الجوائز والأوسمة طوال مسيرته الأدبية مثل وسام النسر الأزتيك في عام 1982، وجائزة رومولو جايجوس في عام 1972، ووسام جوقة الشرف الفرنسية عام 1981. وعلى الرغم من النجاح المهم الذي حققه فقد انتقده الكثير من الكتاب الذين اعتبروا ان كتاباته تفتقر الى الخبرة الكافية وأنه فقط يكتب عن تجاربه الشخصية والخيال.

حداد وطني

وفي هذا الشأن أعلن الرئيس الكولومبي في خطاب رسمي متلفز الحداد الوطني لمدة ثلاثة أيام حدادا على رحيل غابرييل غارسيا ماركيز، وقال خوان مانويل سانتوس إن "كولومبيا برمتها هي في حداد بعد رحيل مواطنها الذي شكل أكبر مصدر إعجاب في تاريخ البلاد ... وهو كان، وأنا لا أبالغ في القول، الكولومبي الذي رفع اسم البلاد إلى أعلى المستويات وعلى أوسع نطاق".

وأمام منزل الكاتب في دي بيدريغال الراقي، جنوب مكسيكو، لم يشاهد أي زائر يدخل إلى المنزل الذي تمركزت أمامه دورية للشرطة. وكانت الأسرة استقبلت بضعة كتاب مكسيكيين مثل هكتور اغيلار كامين وانخيليس ماستريتا وخافيير فيلاسكو إضافة إلى عدد من الأقارب والأصدقاء. وقررت أرملة غارسيا ماركيز، مرسيدس بارشا، ونجلاه رودريغو وغونزالو عدم إقامة أي شعائر حداد في المنزل الذي نقل إليه الجثمان بمواكبة فرقة من الشرطة.

دوريس فيداليس، ربة منزل في الثامنة والخمسين، قالت وقد احمرت عيناها من البكاء "بالتأكيد ساصلي من اجله. وسأطلب من المسيح ان يضعه إلى جانبه كما يستحق. كان رجلا عظيما" قبل أن تذهب للركوع تحت قدمي تمثال عذراء مونتسيراتي على تلال بوغوتا. والرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس عرض على أسرة غارسيا ماركيز كل الدعم اللازم لإقامة مراسم تأبين وتكريم "لأعظم كولومبي في التاريخ".

المكسيك، البلد الذي عاش فيه غارسيا ماركيز منذ ستينات القرن الماضي، تستعد لإقامة مراسم تأبين وطنية في قصر الفنون الجميلة في العاصمة. وكان غارسيا ماركيز تحت الرقابة الطبية في منزله عندما غادر المستشفى بعد ثمانية أيام لإصابته بالتهاب رئوي. صحيفة ايل يونيفرسال أكدت استنادا إلى "مصادر موثوق بها" أن الكاتب الكولومبي يعاني من تجدد سرطان الغدد الليمفوية الذي أصيب فيه قبل 15 سنة.

في السياق ذاته اعلن السفير الكولومبي في المكسيك ان جثة الاديب غابرييل غارسيا ماركيز احرقت. وقال السفير خوسيه غابرييل اورتيز ردا على سؤال عما اذا كانت جثة الكاتب الراحل قد احرقت "نعم (لقد احرقت) بالفعل"، من دون اعطاء تفاصيل اضافية. وكانت اذاعة كاراكول الكولومبية اكدت في وقت سابق نقلا عن مصدر قريب من عائلة الاديب الراحل ان حرق جثة غارسيا ماركيز حصل في اليوم نفسه لوفاته. بحسب فرانس برس.

واشارت الاذاعة الى ان رماد غارسيا ماركيز موجود حاليا في مدفن خ. غارسيا لوبيز ي حي بيدريغال جنوب مكسيكو. واشار القيمون على المدفن الى ان "المراسم قد تمت"، من دون الخوض في التفاصيل. واشار السفير الكولومبي الى ان عائلة الكاتب الكولومبي لم تقرر ما اذا كان سيتم تقسيم رماد غارسيا ماركيز بين المكسيك وكولومبيا ام انه سيوضع في مكان واحد. وقال للصحافيين بعد زيارته ارملة الكاتب الراحل مرسيدس بارشا "لديهم الرماد (...) انهم في طور اتخاذ قرار بشأن ما اذا كانوا سيرسلونه الى كولومبيا ام سيرسلون جزءا منه". وسيقام تكريم لماركيز في العاصمة المكسيكية يشارك فيه الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس.

العالم ينعى غارسيا

ونعى عدد من الرؤساء والكتاب الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، وكان الرئيسان الكولومبي، خوان مانويل سانتوس، والأمريكي، باراك أوباما، من بين من أشادوا بتفرد ماركيز. وقال أوباما إن العالم "فقد واحدا من أهم الكتاب الرائين". وقال سانتوس عبر موقع التواصل الإجتماعي، تويتر، في نعي ماركيز: "ألف عام من العزلة والحزن لوفاة أعظم كولومبي على مر التاريخ. هؤلاء العمالقة لا يموتون".

وأشاد الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون "بالموهبة الفريدة من نوعها في الخيال ووضوح الأفكار والنزاهة العاطفية" التي كان يتمتع بها الكاتب الذي ربطته صداقة به طوال أكثر من 20 عاما. ونوه الكاتب البرازيلي باولو كويلو بالروائي "الذي كسر الجدار بين الحقيقة والخيال، ممهدا الطريق لجيل برمته من الكتاب الأميركيين اللاتينيين".

وانضم الرئيس الكوبي راوول كاسترو إلى باقي رؤساء المنطقة مؤكدا أن "الكوبيين فقدوا صديقا كبيرا محبا ومخلصا" متقدما ب"اصدق تعازيه" إلى أسرة الفقيد. وأضاف راوول كاسترو الذي كان شقيقه فيدل صديقا مقربا لغارسيا ماركيز أن "أعمال أمثاله من الرجال لا تموت". من أوروبا بعث رئيس الحكومة الاسبانية ماريانو راخوي برقية يعبر فيها باسم بلاده عن "مشاعره الصادقة وإعجابه بالكاتب الأكثر عالميا لأدب اللغة الاسبانية في القرن العشرين". وأشاد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ب"عملاق الأدب الذي أعطى إشعاعا عالميا لخيال قارة كاملة". كما أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ب"صديق حميم لروسيا" و"كاتب ومفكر عظيم ... وفي حتى النهاية لقيم الإنسانية والعدالة"

وقال بيتر إنغلوند، أمين عام أكاديمية نوبل المانحة لجوائز نوبل في السويد، إن "فنانا عظيما قد رحل، لكن فنه باق معنا. معظم الكتاب ما هم إلا ظلال، لكن ماركيز كان ممن يصنعون الظلال. وسيبقى فنه لوقت طويل بعد رحيله". واستطاع ماركيز بكتاباته مزج سحر أمريكا اللاتينية ومتناقضات الحياة في أذهان الملايين من الناس. بحسب بي بي سي.

وقال الكاتب البيروي، الحائز على جائزة نوبل، ماريو فارغاس يوسا، إن ماركيز "كاتب عظيم". وقال لوسائل الإعلام في بيرو إن أعماله "أعطت للأدب قيمة، ورواياته ستعيش وسيستمر قراؤها في التزايد". وكانا ماركيز ويوسا قد انخرطا في سجال تحول الى شجار عام 1976. كما قالت المؤلفة التشيلية، إيزابيل أليندي، "أدين له بالدافع توجهي للادب والحرية في التوغل بعوالمه، فقد وجدت في كتبه عائلتي وبلادي ومن عرفتهم في حياتي والألوان والألحان وكل قارتي".

غابرييل في سطور

ولد غابرييل خوسيه غارسيا ماركيز عام 1928 في بلدة أراكاتاكا، شمال كولومبيا. ونشأ برعاية أجداده، في طفولة وصفها لاحقا في مذكراته الأولى "عشت لأروي" بأنها سبب كل أعماله. ومنحه جده، الناشط السياسي الليبرالي وبطل حربين أهليتين، وعيا سياسيا منذ صغره. وتعلم ماركيز من جدته الحكايات الشعبية والخرافية. وحدثته عن الأسلاف الموتى والأشباح والأرواح الراقصة بأسلوب تجريدي تبناه لاحقا في أعظم رواياته.

وكتب ماركيز أولى رواياته في سن 23، متأثرا فيها بأعمال ويليام فولكنر، لكنها قوبلت بالكثير من النقد. وفي عام 1965، لاحت لماركيز فكرة كتابة أول فصول رواية "مائة عام من العزلة" أثناء قيادته في الطريق إلى مدينة "أكابولكو". فاستدار في الطريق وعاد إلى منزله وعزل نفسه في غرفته، مستهلكا ست علب من السجائر في اليوم. وخرج من عزلته بعد 18 شهرا، ليجد عائلته مدينة بـ 12 ألف دولار. ولحسن حظه، كان قد كتب روايته الرائعة المكونة من 1300 صفحة.

وبيعت الطبعة الإسبانية الأولى من روايته خلال أسبوع. وعلى مدار الثلاثين عاما التالية، بيعت أكثر من ثلاثين مليون نسخة من الرواية وتُرجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة. امتُدح ماركيز لجودة وثراء لغته النثرية التي استخدمها للتعبير عن خياله الخصب. كان ماركيز صديقا للزعيم الكوبي فيدل كاسترو.

بينما رأى البعض أن أعماله بها مبالغة شديدة ويستخدم أسلوبا خرافيا للهرب من عدم استقرار بلاده. وجاء أسلوب ماركيز الأدبي المتفرد نتيجة لمزيج من التخبط السياسي والترابط العائلي والالتزام الديني وتصديق الخرافات. وتُظهر أعماله، مثل "الجنرال في متاهته" و"خريف البطريرك"، حماسه السياسي المتزايد بعد متابعته للعنف المتزايد في كولومبيا. ونُفى إلى أوروبا بعد كتابته مقالا وضع الحكومة الكولومبية في مأزق شديد.

وعندما نشر رواية مبنية على قصص لما مر به لاجئ من شيلي أثناء عودته لبلاده، أحرقت حكومة شيلي 15 ألف نسخة منها. واستمر ماركيز في تقديم أعمال ذات ميول يسارية، وأصبح صديقا شخصيا للرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران. كما جسد مصالح صديق آخر، وهو الزعيم الكوبي فيدل كاسترو، في "بوغوتا". وحصل ماركيز على جائزة نوبل في الأدب عام 1982، وأثنى مانحو الجائزة على حيوية أسلوبه النثري، وثراء اللغة التى عبر بها عن خياله الفياض.

تزوج ماركيز من ميرسيدس ليعيشا معا أكثر من 50 عاما. ورغم الجدل السياسي المتزايد، تأكدت موهبة ماركيز الأدبية المتفردة بنشر روايته "الحب في زمن الكوليرا" عام 1986. وتحكي قصة رجل يزداد ولعه بامرأة على مدار 50 عاما حتى يصل إليها في النهاية. وتقدم ماركيز لخطبة زوجته، ميرسيدس بارشا، وعمره 13 عاما. وعاش الزوجان في المكسيك لأكثر من نصف قرن.

وانخرط ماركيز في العديد من المناظرات السياسية، أبرزها مع الكاتبة سوزان سونتاغ، بخصوص دفاعه عما رآه النقاد القمع المتزايد في كوبا. وتسبب ذلك في منعه من دخول الولايات المتحدة لبعض الوقت. ورُفع هذا المنع لاحقا، وتلقى ماركيز العلاج من مرض سرطان الغدد الليمفاوية في كاليفورنيا. بحسب بي بي سي.

وتباطأ إبداع ماركيز مع الوقت. واستغرق كتابه "مذكرات غانياتي الحزينات" عشرة أعوام من الكتابة حتى صدر عام 2004. وفي يناير/كانون الثاني 2006، أعلن عدم قدرته على كتابة الروايات. ويعتبر تفرد ماركيز نموذجا لخليط من الخرافة والتاريخ، فهو يخلق عالما يمكن فيه تحقيق أي شيء، وتصديق كل شيء، بلغة جذابة مليئة بالألوان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/نيسان/2014 - 19/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م