أفضلية المشاركة الواسعة في الانتخابات

رؤى من افكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: ثمة اختلاف جوهري بين النظام الذي يستمد شرعيته من الشعب، وبين النظام الذي يستولي على الحكم بالقوة الغاشمة، الفارق الجوهري بينهما، أن النظام الديمقراطي تكون بموافقة الشعب ورغبته واختياره، اما النظام الثاني فهو لا يكتسب اية درجة من الشرعية، بسبب لجوئه الى القوة في السيطرة على السلطة، كما حدث في العراق سابقا بخصوص الانقلابات التي كانت سائدة في تغيير نظام الحكم، بعيدا عن صناديق الاقتراع، ورغبة الشعب.

في هذا المجال يفرّق الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، بين النظامين، كما يرد ذلك في كتابه القيّم الموسوم بـ (الشورى في الاسلام)، قائلا سماحته حول هذا الموضوع: (في الأنظمة الديكتاتورية ليست هناك انتخابات، وإذا ما جرت انتخابات، فإنّهـا تكون عادة انتخابات مزورة وغير حقيقية، يقودها الحاكم الديكتاتور بسبب الإرهاب والسجون والإعدام).

وثمة فوارق اخرى بين النظامين، غير استخدام القوة الغاشمة، منها مثلا بناؤه لمؤسسات الدولة بما يتفق ومصالحه، ليجعل منها تابعة له بصورة تامة، تأتمر بأوامره وتنفذ ما يريده رأس النظام، من دون رفض او احتجاج، وفي هذه الحالة يغيب مبدأ الفصل بين السلطات بصورة تامة، فيجمع الحاكم بين السلطات الثلاث، الحكومة، التشريع، القضاء، في يده وتحت سلطته، وتتم كتابة الدستور وفقا لأهواء النظام، وغالبا ما يكون هذا الدستور صوريا ولا علاقة للشعب به، لذلك يغيب دور الاحزاب السياسية في تقرير نوع النظام، بسبب غياب الارادة الشعبية بصورة تامة.

ومن المعروف أن الانتخابات التي تجري في ظل النظام الفردي، ستكون معروفة النتائج سلفا، لأنها صورية، ولا تستمد نتائجها من الرغبة الفعلية للناخبين، والسبب هو إقصاء الصوت المعارض وإقصاء الاحزاب، لذلك لا تنطبق المعايير الديمقراطية على مثل هذه الانتخابات بسبب غياب دور الاحزاب السياسية فيها.                     

الانتخابات والاحزاب السياسية

عندما يحين أو يقترب موعد الانتخابات العامة، البرلمانية او الرئاسية، وحسب النظام السياسي، نلاحظ حركة متواصلة للاحزاب، من حيث التحشيد والتثقيف لشخصية ما، أو عرض برنامج سياسي معين، يمثل طموحات الجمهور في بناء الدولة والمجتمع، لذلك تكون أنشطة الاحزاب في اوجها عند اقتراب الانتخابات، حتى تحصد أعلى نسبة ممكنة من الاصوات، املا في الفوز بتشكيل الحكومة بعد الحصول على الاغلبية من مقاعد البرلمان، لذلك تعد مرحلة الانتخابات مهمة جدا.

يقول الامام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه، حول هذا الموضوع: (إنّ من جملة الواجبات الرئيسية الهامة للأحزاب السياسية هي المشاركة فـي الانتخابات البرلمانية؛ وانطلاقاً من ذلك، فانّ المراكز الحزبية تنشط بشكل غير عادي فـي مواسم الانتخابات، وانّ من أكثر المراحل أهميّة وحيويةً في حياة الأحزاب السياسية هي مرحلة الانتخابات العامة).

من هنا فإن مشاركة الاحزاب السياسية في الانتخابات، كلما كانت اكثر وانشط، كلما كان ذلك مؤشرا عن المشاركة الشعبية الكبيرة في الانتخابات، هكذا تكتسب مشاركة الاحزاب اهميتها في الانتخابات، كونها تمثل اتجاهات الرأي والجمهور وما يختار لقيادته، وقد اثبت النظام البرلماني في عدد من الدول الديمقراطية، ناجحا واضحا في بناء النظام السياسي القادر على بناء مؤسسات الدولة والمجتمع.

لذلك يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (لقد ثبتت بالتجربة إنّ النظام البرلماني فـي بلاد ما سيكون ثابتاً ومستقراً، إذا كانت هناك أحزاب نشطة تتنافس فيما بينها فـي الرأي والعقيدة، وتبحث في القضايا السياسية وتضع آراءها واتجاهاتها أمام الرأي العام من أجل التحكيم، وبمثل هذه الطريقة فقط يمكن إشراك الرأي العام فـي النقاش السياسي العام، وجعل الناخب على رغبة واهتمام بالشؤون السياسية في البلاد).

إن أهمية مشاركة الاحزاب السياسية، تكمن كما هو واضح في مدى تمثيلها لإرادة الشعب، أو للشرعية التي سوف تدعم النظام السياسي الناتج عن الانتخابات، بمعنى أننا نحتاج الاحزاب كي نبلور الرأي العام ونوجهه في المسارات الصحيحة التي تخدم بناء الدولة وتنفع المجتمع بصورة جلية ومؤكدة.

التأثير السياسي للماضي

سمعة السياسيين لا تختلف عن سمعة الافراد، فالتاريخ والماضي، اضافة لسلوك الحاضر يصنع شخصية الفرد والحزب معا، فاذا كان الحزب ذا ماض حميد هذا يجعله محط ثقة الجميع في الراهن والمستقبل ايضا، لذلك عندما تكسب الشخصيات السياسية او الاحزاب ثقة الشعب، فإنها في المقابل تحصل على دعمها ومؤازرتها لها في صناديق الاقتراع، كذلك سوف يكون هناك تفاعل كبير مع ما تطرحه الاحزاب من برامج ومشاريع تتطلب الدعم الشعبي، وسوف يثق الناخبون بالاحزاب والشخصيات ذات السمعة الطيبة والماضي الجيد، وهذا سوف يؤثر بشكل كبير على كسب صوت الناخب، فاذا كان ماضي الحزب جيدا هذا يعني انه ذو جذور جيدة في العمل السياسي، لذلك يكون محط قبول الناخبين.

 يقول الامام الشيرازي حول العلاقة بين الجماهير والاحزاب في كتابه المذكور نفسه: (إذا كانت الأحزاب السياسية ذات ماضٍ حسن وإيجابي وسمعة طيبة على صعيد النشاطات السياسية والاجتماعية، وكان الناس يتحسسون تأثيرها في الظروف الاقتصادية والاجتماعية، فأنهم ينظرون إلى المرشحين الحزبين على انهم ممثلون لهم، ولذا يتوجهون إلى صناديق الاقتراع، ويدلون بأصواتهم لصالح هؤلاء المرشحين).

ان الجماهير سوف تشارك في الانتخابات بصورة فاعلة، عندما تجد من يمثلها من الاحزاب الجيدة في الانتخابات، لان رأي الشعب يمكن ان تعبر عنه الاحزاب الجيدة المشاركة في الانتخابات، من هنا سوف يزداد وعي الناخبين وثقافتهم، وغالبا ما تكون العلاقات وطيدة بين الجمهور وبين الاحزاب ذات التاريخ النضالي المشهود، كما تؤكد ذلك التجارب الكثيرة للامم التي نتقاسم معها المعمورة.

لذلك نقرأ في هذا المجال، قول الامام الشيرازي في كتابه القيّم نفسه، حول الانتخابات: (تتجه أنظار الجماهير إلى الأحزاب السياسية ويسعى غالب الأفراد إلى المشاركة في بحث ودراسة القضايا السياسية التي تطرح للنقاش من جانب الأحزاب المختلفة ثم يختار في خضّم تضارب الآراء والأفكار المختلفة، الرأي الذي يقبله ويصوّت لصالح أولئك الأشخاص الذين يليقون بمهمة تطبيق ذلك الرأي في يوم الانتخابات البرلمانية، وبهذه الطريقة يمكن أن يظهر ويتجسد الوعي والتثقيف السياسيان).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/نيسان/2014 - 19/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م