انتفاضة البحرين وأقصر الطرق نحو شاطئ الأمان

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: مشاهد التحدي في الشوارع، ودماء الشهداء، وصمود المعتقلين تحت التعذيب.. كلها تؤكد ان شعب البحرين لم يألُ في نضاله ضد الديكتاتورية والظلم، ولتحقيق العدالة والحرية والكرامة الانسانية، بل انه تقدم اشواطاً على سائر شعوب ما يسمى بـ "الربيع العربي"، في صموده طيلة السنوات الثلاث، في انتفاضة وقف فيها وحده، رغم الظروف الصعبة والمعقدة المحيطة بالبحرين، حتى بات معظم الخبراء والمراقبين متشائمين من قرب تحقيق تغيير ملموس وحقيقي في النظام السياسي الحاكم في هذا البلد.

فاذا كانت ثمة عوامل عديدة تلتقي عند إبقاء الوضع القائم الى أمد غير معلوم، فان تحديد الغاية الاساس والقصوى من الانتفاضة، والرؤية نحو المستقبل، من شأنهما الاخذ بزمام المبادرة والتحرك بقوة وعزم نحو انقاذ البلاد وشعب البحرين من التخاذل الإقليمي والدولي من جهة، ومن سياسات البطش والقسوة التي اعتاد عليها حكام المنامة، حيث كل يوم شهيد في الشارع او تحت التعذيب، الى جانب انتهاكات مستمرة لحقوق الانسان وتجاوز على المقدسات والحرمات.

علماً أن هذه الانتفاضة، وبإقرار العديد من المراقبين، تُعد من الأجدر بالانتصار بين الانتفاضات الجماهيرية، لما تحمل من اهداف سامية ونبيلة، ومطالب حقّة لا مراء فيها، حتى من قبل الاوساط الغربية. حيث لم يجرؤ أحد في العالم، سياسياً أو اعلامياً، بالاشادة بنظام حكم قبلي يحكم أكثرية الشعب بسياسات قمعية وفردية، أو يشيد بوجود رئيس وزراء في منصبه طيلة أربعين عاماً. والاهم من كل هذا، مبدأ "السلمية" التي التزمت بها الجماهير المنتفضة، قياساً بما جرى ويجري في بلاد "الربيع العربي" من احداث عنف دامية، أحد طرفها الجماهير التي انتفضت بالأمس، فلم يحمل المنتفضون في البحرين، السكاكين ولا البنادق ولا العصي، ولم يتبع أسلوب التفخيخ والنسف والاغتيالات، منهجاً للوصول الى اهدافه وطموحاته.

وقد أشّر خبراء ومتابعون على أن هذه الخصال في ملامح الحراك الشعبي في البحرين، تعود بجذورها الى التركيبة النفسية لهذا الشعب وخلفيته الحضارية والثقافية، حيث لم يتعلم القسوة والعنف والكراهية، لا من البيئة والظروف الموضوعية، ولا من الجانب التربوي والثقافي، فكل شيء في هذا البلد يدعو الى التعايش السلمي واحترام الآخر، وتطمح الغالبية العظمى من الشعب الى الأمن والاستقرار.   

هذه الارضية الصالحة للتغيير والتضحيات الجسام، لم تأت ثمارها المرجوة بسبب تعدد الاهداف والرؤى لدى الجماعات الراعية لهذه الانتفاضة الجماهيرية، الامر الذي يستدعي التفكير ملياً في أمر التوجيه لدفة الانتفاضة، صحيح؛ أن الخلاص من الديكتاتورية والظلم والتمييز، يعد الشعار العريض والجامع ، بيد أن مرحلة ما بعد الانتفاضة، لا تقل أهمية عن المرحلة الراهنة، إن لم تكن الأهم كونها تقرر مصير الشعب والبلد. ففي مقابل الرأي السائد في الشارع المطالب بإسقاط "حمد"، وهو مشروع التغيير الجذري، يقف البعض خلف المطالبة بالتغيير السياسي في النظام الحاكم، على شاكلة "الملكية الدستورية"، حيث يبقى الملك مع صلاحيات محدودة. كما كانت ثمة نداءات من البعض بالرد على بالمثل على عنف وقسوة النظام، في مقابل مبدأ الاكثرية بالتمسك بالسلمية وعدم إعطاء المبرر والذريعة للمزيد من القمع والتنكيل.

أحد المتابعين للشأن البحريني دعا الى وحدة الرؤية والتوجه بدلاً من التفكير بوحدة القيادة، مشيراً الى انه ليس من الذكاء بمكان، ان تكون لانتفاضة شعب في بلد صغير مثل البحرين، قيادة محددة بشخص او جهة معينة، لسهولة ضربها والقضاء عليها، الامر الذي يستدعي تعدد القادة في الميدان، مع توحّد الرؤية والهدف.

فيما يرى متابع آخر، إن الطريقة التي انطلقت بها الانتفاضة الجماهيرية في البحرين، لها مدخلية كبيرة فيما نذهب اليه، فقد كانت الطريقة والآلية بسمات شبابية – إن صحّ التعبير- حيث بادر عدد من الشباب الواعي بالدعوة الى الانتفاضة مستفيدين من مواقع التواصل الاجتماعي على "الانترنت"، وكانت المباركة والدعم من الجماعات المعارضة الفاعلة في الساحة. وما تزال جماعات شبابية تعمل على تحفيز وتعبئة الشارع من خلال هذه الوسيلة، في مقدمتهم "أنصار ثورة الرابع عشر من اذار" وغيرهم. وهذه القدرات الهائلة والمتوثبة من شأنها ان تسهم في التقاء الجماعات المعارضة على رؤية موحدة. بمعنى أننا نجمع بين الطاقات الشبابية على الارض، وبين التجارب والخبرات التي تفكر وتخطط للنجاح.

ولعل ما ذهب اليه سماحة الشيخ عبد العظيم المهتدي البحراني، أحد ابرز قيادات الانتفاضة الجماهيرية، يكون دقيقاً في معالجة وضع الانتفاضة البحرينية الراهن، حيث دعا – في حديث خاص- الى تشكيل "شورى قيادة المعارضة"، مؤكداً أن هذه الفكرة من شأنها "اختصار الطريق الى النصر.."، وهذه بالحقيقة تُعد خطوة متقدمة في العمل السياسي المعارض في البحرين، ولها آثار مباشرة على مسار الحراك على الارض، حيث ان وجود سقف واحد لقادة الانتفاضة، مع رؤية موحدة، يعني ان تسير انتفاضة شعب البحرين بخطى ثابتة الى الامام، آخذين زمام المبادرة في كل شيء، وربما اكثر من ذلك؛ فرض الارادة الجماهيرية، ليس على النظام القبلي الحاكم، إنما على الاطراف الاقليمية والدولية التي تمنحه الحياة. وفي اقل التقادير، تكون الانتفاضة بقادتها وجماهيرها في موقع القوة الاقتدار، لا أن تكون مهددة يومياً بالقمع والتنكيل، بل وإصدار الاحكام القضائية الجائرة بحق المواطنين وقادة الانتفاضة. واصفين إياهم بـ "المخلين بالأمن العام.."!.

وكان آخر إجراء تعسفي للنظام – وليس بأخيره- مداهمة منزل مداهمة مكتب الشيخ حسين النجاتي وكيل المرجع الديني السيد علي السيستاني، واستدعاء اثنين من العلماء العاملين في المكتب لحضور التحقيقات الجنائية والتحقيق معهما لمدة 6 ساعات.

هذه الخطوة الاستفزازية الجديدة، يراها بعض المتابعين بالمفيدة لقادة الانتفاضة والمعنيين بمصير الشعب البحريني، لأن يعيدوا حساباتهم ويستعدوا للأسوأ، ثم تنسيق الجهود والطاقات والقدرات لقلب معادلة الصراع والظهور بصف واحد أمام النظام الحاكم الذي يبدو داخلياً وخارجياً أنه متماسك وموحد رغم افتقاده كل مؤهلات البقاء حتى يوماً واحداً الحكم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 16/نيسان/2014 - 14/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م