الحرية... من قاموس الامام الشيرازي

حيدر الجراح

الإنسان يولد حرا ويختار طريقه بنفسه

الإمام الشيرازي

  

شبكة النبأ: تشغل "الحرية" مجالا واسعا من الاهتمام المعرفي والفكري في كتابات الباحثين في السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع، لما لها من علاقة بمفاهيم اخرى مثل السلطة والحق والعدالة وحقوق الانسان وغير ذلك الكثير مما ينضوي تحتها.

لم تقتصر الحرية على تعريف معين دون غيره لاختلاف المرجعيات التي انشغلت في التنظير لها. ففي اللسان العربي، الحر نقيض العبد، وفي الفرنسية، الحرية هي القدرة على القيام بالفعل دون إكراه. ولدى اليونان ارتبطت الحرية بالمدينة وبالحكم الديمقراطي.

في السؤال الفلسفي للحرية وعنها، تم التمييز بين (الحق في الحرية) وبين (الحرية كفعل وممارسة)، الاولى تشير الى من له الحق بالحرية، والثانية تشير الى قدرة الإرادة على ممارسة ما تريد القيام به.

تستحوذ الحرية على هموم وتطلعات الناس والمجتمعات، لانها جزء طبيعي من فطرته التي جبل عليها، لانها (قيمة انسانية عليا في ذات الانسان) ولأنها (الخلو من القيود وسيطرة الاخرين)، ولأنها (القدرة على التصرف بارادة طليقة)، ولانها ايضا (القدرة على الفعل والترك نتيجة لموقف داخلي يقرره الانسان من غير اكراه او تاثير مرغم خارج عن الذات والارادة).

في استذكار الحرية، لا يمكننا الا ان نمر ونستشهد بمقولة مشهورة للامام علي (عليه السلام) وهي: (لا تكن عبدا لغيرك وقد خلقك الله حرا) ، كما لا يمكننا المرور الا ممن استلهمها وتماثل معها، حدا بلغ التضحية بالنفس والاهل والولد، في يوم كربلائي خالد، حين رددت الصحراء صيحة الامام الحسين عليه السلام: (كونوا احرارا فـــي دنياكم).

في كتاباته العديدة، لا ينسى المرجع الديني الراحل الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) من المرور الدائم والمتكرر، على الحرية تنظيرا لها، وتحفيزا للافهام عنها، والترغيب فيها والحث عليها، كقيمة انسانية عليا، هي كالروح او (كالقلب بالنسبة للجسد)، لانها في الاسلام، (الاصل في كل شيء) الا بعض (المحرمات المعدودة)، فهي واسعة وشاملة.

وهي لاتساع مدلولاتها، في فهم الامام الراحل، يطالب (بترك كل افراد المجتمع احرارا في كل شيء) الا (في الجرائم) والتي كما وصفها سابقا بـ (المحرمات المعدودة).

ممارسة الحرية بهذه المديات الواسعة، تجعلنا نحن الممارسين لها (ننظر كيف تتقدم الحياة وكيف تتنفس الشعوب الصعداء).

ينطلق الامام الشيرازي من فهمه الاسلامي للحرية، من خلال قاعدة فطرية رصينة واصيلة، في جوهر خلق الانسان، وهي (الانسان يولد حرا ويختار طريقه بنفسه). من خلال الحق الممنوح له من خالقه، ومن خلال الوعي بالحرية وممارستها. ولهذا الانسان (كامل الحرية في اطار الدين والعقل من حيث التصرف في نفسه وماله).

حرية التصرف تلك، التي يمنحها الاسلام للانسان، (لا تعني التعدي على حقوق الاخرين والمساس بكرامتهم بقول او فعل)، لان ذلك يتناقض مع الصورة التي ينشدها الاسلام لافراد مجتمعه، وهو (مجتمع حر وطاهر، الكل فيه آمن، لا يخشى من احد على احد). وهي ايضا (حرية انسانية، ترفع من شأن الانسان وتوصله لمصاف الملائكة).

وهذا المعنى للحرية، يتطلب من الانسان (ان يفهم حدودها المعطاة له، والا يتجاوزها، ليعمل على انتهاك حقوق الاخرين، والاضرار بمصالحهم، فالحرية في غير المحرمات، تكون على اساس قاعدة (لا ضرر ولا اضرار في الاسلام).

الحرية في الاسلام والتي يؤكد عليها الامام الراحل، مع قلة اشتراطاتها، لما فيه خير الجميع،  (هي حرية بناء وليست حرية هدم، حرية تقدم، وليست حرية امتصاص ثروات ودماء الاخرين، حرية ازدهار لا حرية انحطاط، لذلك فالحرية يجب ان تكون مسؤولة).

تترافق الحرية مع معطيين اثنين، معطاها الالهي ومعطاها الاجتماعي، فبالنسبة للمعطى الاول، دعا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الناس الى الالتزام بوحدانية الله عز وجل، وفي المعطى الثاني، رفض كل القيود والاغلال التي تكبل حرية الانسان.

وتبعا لذلك، يكون الاستخلاف على الارض، مترافقا مع العمل على اعمارها في الحياة الدنيا، ومقرونا بالحرية، (فاذا لم تكن حرية لم يكن عمل للحياة).

في دأبه على التذكير المستمر والمواظبة على التركيز على تلك المفردة (الاصل والجوهر) في الاسلام، يذكرنا بكيفية سلب تلك الحرية، (تارة باسم القوانين والحكومات وامثال ذلك، وتارة باسم الاعراف والتقاليد وما اليها).

ويحذر الامام الراحل، من احد الاستلابات التي تتعرض لها حرية الانسان، وهو استلاب يخضع له الانسان تحت مبررات واهية تأتي تحت بنود الوطن والاقامة فيه الذي يحكم الديكتاتور والمستبد، مع وجود خيار اخر، يتمثل بالهجرة الى بلاد اخرى، وهو في تحذيره (قدس سره) يذكر بان الحرية هي (الحياة والنور، والديكتاتورية هي الموت والظلام).

والديكتاتورية حين تفرش ظل الموت والظلام على الشعوب، وتطبع كل شيء بطابعها السالب لجذوة الحياة وألقها، يذكر الامام الراحل، هؤلاء الميتين الاحياء، ويحيطهم علما بانهم في ظل تلك الديكتاتوريات تكون (رقابهم مهيأة للمقصلة، وان اموالهم مهيأة للنهب، وان ابدانهم مهيأة للتعذيب، وان اهاليهم مهياة للضياع العقيدي والخلقي والمعيشي) وعليهم كواجب وتكليف الهي، (ان يعملوا بكل الوسائل المتاحة لتهيئة مناخ الحرية) واستدعائها.

وللتدليل على اهمية الحرية، يضرب الامام الشيرازي مثلا لتقريب تلك الاهمية للحرية وسلبها في قوله: (ان مناخ الحرية يجعل من النواة شجرة، ومناخ الديكتاتورية يجعل من الشجرة حطبا يابسا لا يصلح الا للاحراق).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 16/نيسان/2014 - 14/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م