بيض وتشريب وقطط

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لا أكتب الا ما يكتبني ويمحوني.. انها كتابة النسيان.

أتابع ما يكتب عبر الصحف في الشبكة الالكترونية، والشبكة في اصلها الثلاثي (شبك) خيوط تتلاقى وتلتف على بعضها، انها المتاهة، ومن متاهة الدوران او الدوران التائه، اطلقت تسمية (شبكة) على الكلمات المتقاطعة، لا تخلو منها صحيفة ورقية، وأصبحت تصدر بكتب مستقلة ايضا.

البيض، نوع طعام، من بياضه استمد اسمه، يؤكل باشكال متعددة، مقليا أو مسلوقا، أو بين بين، أو نيئا.

في حوار مع بائعة جبن (عرب) وهو الجبن الابيض الذي يصنع في المنازل وأحدى زبوناتها، قالت لها: (انه افضل من البيض، على الاقل لا يزفّر الاستكان). والزفر دسومة يميل لها ويرغبها الآكلون في وجباتهم.

طعامنا العراقي يميل الى الحجم الكبير، انه كتل من الدسومة، تصيب الآكل بالاسترخاء والكسل والبلادة.

كمثال، وجبة (التشريب) مع الرز، والتشريب انواع متعددة، في الاصل هو المرق المتكون من طبخ اللحم أو الدجاج، لكنه ايضا يمكن ان يكون من الفاصولياء اليابسة او البامية، ومنهم من يذهب الى طبخ خضروات اخرى فيه.

القطط كائنات متطفلة على الموائد، تجذبها روائح الدسومة، تتمسح باقدام الاكلين، أو تنتظر قرب اكياس النفايات، قطعة لحم، أو عظم صغير، هو ما تطمح اليه.

في لحظة الاسترخاء والكسل والبلادة، يكتب الكيبورد نصه.

الان افكر في تقسيم الكتابة تبعا لحال كاتبيها الى ثلاثة اقسام:

كاتب – كويتب – كتّوب، واعتقد اني لي الفضل في اشتقاق و(صكّ)أو (سكّ) الكلمة الثالثة، وتعني (اصطناع ما مصنوع من صانع متصنّع) قد يكون كاتبا او كويتبا، لكن (الكتّوب) ولانه لا يفهم ما كتبه (الكاتب) فانه يلجأ الى ما (يصطنعه) الكويتب، لانه اسهل عليه في الفهم.

الكتابة فكرة، وان لم تكن كذلك، فهي قوائم حساب في محل تجاري، أو أوامر ادارية، أو عرائض مطلبية، كما نشاهدها عبر اناس يجلسون تحت مظلاتهم على قارعة الرصيف، في الصيف القائظ، او الشتاء الممطر.

الجالس تحت المظلة، لا يمسك بالافكار التي كان الجاحظ يتعثر بها على قارعة الطريق.

أسهل ما يلجأ اليه (الكتّوب) في وجباته المتصنعة، هي (سلق البيض) لانه لا يحتاج الى فن أو مهارة معينة، على العكس من (التشريب) الذي يحتاج الى ذلك، فالبهارات والبصل والطماطم بمقادير، والقطط لا تنتظر الاكلين للبيض، بل تنتظر الاكلين للتشريب.

الكتابة لدى (الكتّوب) فعل (حكي) و (الحكي) هو (السرد) في المصطلح النقدي الحديث، وكل (سرد) الكتّوب يشابه (ثرد) التشريب، خبز مقطّع وماء ساخن بتوابله.

لا انتقد السرد الحديث، الذي يهتم ب (حكي) و (سرد) الكاتب، ولا يهتم بالاثنين الاخرين، لان له قواعده واشتراطاته.

دوام الاسترخاء والكسل، يتحول الى البلاهة، يضاف اليها البلادة، يكتب الكيبورد نصه.

الشبكة الالكترونية تزدحم بالبيض والتشريب والقطط، وتتوزعها الاصناف الثلاثة للفاعلين فعل الكتابة، والجميع على مسافة واحدة من المحو والنسيان، لكن (غوغل) قادر على ارجاع ماتم محوه ونسيانه، انها الذاكرة الالكترونية.

هل تشكل تلك الذاكرة، أو بامكانها، تشكيل أو تطوير ابداعنا أو انتاج افكار جديدة على قارعة الشبكة، وهي طريق اخر، طريق حرير يلتف على اقدامنا واعناقنا.

كيف نبدع فكرة جديدة ونحن منشغلون بالحكي او السرد او الثرد، لافرق بينها، الا بمقدار الرسم الحروفي لتلك الكلمات، ونتوهم باننا نملك وعيا يمكن له ان يهز العالم، وهو مهزوز اصلا، لايمكن له حتى ان يهتز على وقع جديده المفكر والمتفكر.

تحت اي خانة يندرج هذا الكلام السابق؟ اميل الى ادراجه تحت خانة الكوميديا السوداء، أو السخرية المرة، من واقع كل ما فيه مزيف، متصنع، مصطنع، لا مكان فيه الا لتلك الكوميديا والسخرية، التي يمكن ان تعيننا على مواجهة هذا الكم الهائل من التزييف والاصطناع والاقتلاع من ذاكرة حقيقية يمكن ان ترسم فضاءات اوسع، وسماوات أبعد، يستطيع الطائر ان يحلق فيها بعيدا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/نيسان/2014 - 13/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م