مسلمو أفريقيا الوسطى... في قلب حرب الإبادة البشرية

 

شبكة النبأ: الحرب العرقية التي تقودها ميليشيا تسلحت بالطائفية لاستهداف المدنيين في جمهورية افريقيا الوسطى، تحولت الى احد ابرز حروب الإبادة البشرية في التاريخ، سيما وان عجز المجتمع الدولي عن إيقاف هذه المجازر، اعطى المزيد من الحرية للجماعات المتطرفة في إراقة المزيد من الدماء وبث الرعب في جميع انحاء هذه الجمهورية المنكوبة.

حيث أثارت القضايا العنصرية والدينية وفي مقدمتها الكراهية التي لا تنتهي مطلقا والرغبة في الانتقام والاعمال الفوضوية الانتقام وارهاب وقتل بعضهم البعض خطرا متزايدا من العنف والاضطرابات. ففي ظل تزايد أعمال العنف الدينية في أفريقيا الوسطى، هذا يعني تشكيل دوامة التهديدات الصارخة المتجددة لاستمرار العنف الطائفية والانتهاكات الحقوقية والإنسانية على حد سواء في المستقبل القريب.

في حين عبرت المنظمات الحكومية وغير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان عن قلقها من قمع الذي يستهدف المسلمين في هذا البلد، حيث ان استمرار الفوضى وتفشي الانتهاكات الحقوقية والإنسانية في أفريقيا الوسطى بسبب العنف الدينية ستجعل هذه البلاد تحت ديمومة الخطر.

فيما قالت فرنسا إنها تؤيد إجلاء المسلمين الذي يواجهون تهديدات في جمهورية أفريقيا الوسطى "كحل أخير" وأضافت أن الأولوية هي للحفاظ على الأرواح رغم المخاوف من أن يؤدي نقلهم إلى أماكن أخرى إلى تقسيم البلاد، وقالت الأمم المتحدة في الأول من إبريل نيسان إنها تحاول إجلاء 19 ألف مسلم بصورة عاجلة من العاصمة بانجي ومناطق أخرى من جمهورية أفريقيا الوسطى حيث تحاصرهم ميليشيا مسيحية تهدد حياتهم.

وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن الميليشيا المسيحية تسيطر على الطرق الرئيسية المؤدية من وإلى بانجي بالإضافة إلى كثير من البلدات والقرى في الجنوب الغربي، وكثفت هذه الميليشيا هجماتها على المسلمين وقوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي.

وهاجمت الميليشيا في السابق قوافل المسلمين الذين كان يتم إجلاؤهم في قوافل خاصة أو بواسطة القوات التشادية إلى تشاد أو شمال البلاد، وتستطيع فرنسا تأمين أي عملية إجلاء في ظل وجود 2000 جندي من قواتها في مستعمرتها السابقة.

وقال قائد القوة الفرنسية الجنرال فرانسيسكو سوريانو إنه يعارض أي عملية إجلاء وأضاف "دورنا هو حماية السكان وبذل كل جهد كي يتمكنوا من العيش حيثما اعتادوا العيش"، لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية رومان نادال قال للصحفيين "تعتقد فرنسا أن نقل السكان يجب أن يكون حلا أخيرا". بحسب رويترز.

وأضاف "وبرغم ذلك تساعد في تسهيل عمليات إجلاء محدودة بالاتفاق مع السكان خاصة عندما يكون أمنهم معرضا للخطر أو عندما يتعذر تأمين وصول المساعدات الإنسانية"، وقال إن الأولوية هي لنقل السكان إلى داخل جمهورية أفريقيا الوسطى وليس خارجها، وقال بيتر بوكايرت مدير الطوارئ في منظمة هيومان رايتس ووتش على موقع تويتر إن تغيير موقف فرنسا والتأهب للمساعدة في إعادة نقل المسلمين المعرضين للخطر سينقذ أرواحا، وقال نادال "المهم حاليا هو انقاذ الأرواح، الهدف هو حماية الناس".

وكان متمردو سيليكا وأغلبهم مسلمون انتزعوا السلطة قبل عام وارتكبوا انتهاكات بحق السكان الذين يشكل المسيحيون أغلبيتهم وهو ما تسبب في موجات من الهجمات الانتقامية أوقعت آلاف القتلى وشردت مئات الآلاف من الأشخاص، وتخلى متمردو سيليكا عن السلطة في يناير كانون الثاني لحكومة مدنية انتقالية.

لكن الحكومة المدعومة بألفي جندي فرنسي وستة آلاف من قوات حفظ السلام الأفريقية عجزت عن وقف هجمات الميليشيات المسيحية على المسلمين الذين فر الآلاف منهم إلى دول مجاورة أو التمسوا الحماية في مخيمات، وحذرت الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة من حدوث تطهير عرقي وأشار البعض إلى أن نقل السكان قد يؤدي إلى تقسيم جمهورية أفريقيا الوسطى إلى شمال مسلم وجنوب مسيحي.

مواجهات عنيفة

فيما خلفت مواجهات بين مليشيات "انتي بالاكا" المسيحية في منطقة ديكوا (300 كلم شمال بانغي) ومتمردي سيليكا سابقا ومعظمهم من المسلمين ثلاثين قتيلا على الأقل وفق ما أفاد الدرك المحلي، ووفق نفس المصدر فإن "المواجهات استمرت أكثر من أربع ساعات ما أدى إلى فرار ثلاثة أرباع سمان المنطقة نحو سيبوت (60 كلم جنوبا) وكاغا بندورو (60 كلم شمالا) وبانغي"، وأضاف أن "انتي بالاكا هاجموا في الصباح الباكر مواقع عناصر سيليكا السابقين لكن هؤلاء جلبوا تعزيزات وصلوا في أربع آليات لدعمهم.

أغلبية الضحايا مدنيون سقطوا برصاص طائش"، وأدى التدخل العسكري الفرنسي في كانون الأول/ديسمبر إلى إضعاف متمردي سيليكا السابقين، الذين حكموا بين آذار/مارس وكانون الثاني/يناير 2013، إلى حد كبير وانكفأوا مذاك إلى الأرياف في شمال وشرق أفريقيا الوسطى حيث مسقط رأس أغلبيتهم.

تشكلت ميليشيات "انتي بالاكا" المسيحية كرد فعل على أعمال العنف التي مارسها تمرد سيليكا طوال أشهر على سكان افريقيا الوسطى (80% من المسيحيين)، وبدأت تشن هجمات متكررة على متمردين سابقين وعلى المدنيين المسلمين، ما ادى الى فرار الالاف من البلاد.

فيما بت مجلس الامن الدولي في قرار حاسم يسمح بنشر 12 الف جندي من القبعات الزرق في افريقيا الوسطى التي تشهد عمليات "تطهير عرقي وديني" ولا يخفي سكانها شكوكهم في قدرة هذه القوة الجديدة على ارساء السلام، وطرحت فرنسا التي تنشر الفي جندي جرح اثنان منهم في مستعمرتها السابقة، مشروع قرار ينص على ارسال عشرة الاف جندي و1800 شرطي سيشكلون "قوة الامم المتحدة المتعددة الأبعاد المندمجة من اجل استقرار جمهورية افريقيا الوسطى" (مينوسكا).

وسيحل رجال القبعات الزرق الذين حدد موعد انتشارهم في 15 ايلول/سبتمبر، محل الجنود الستة الاف في القوة الافريقية "ميسكا" المنتشرين الى جانب القوات الفرنسية في عملية سنغاريس، وفي الاثناء وعد الاوروبيون من جهتهم بتوفير 800 رجل بدأت عناصرهم الاولى -درك فرنسيون جوالون- تقوم بدوريات في بانغي محاطين بالجنود الفرنسيين من عملية سنغاريس.

ورغم توقف المجازر على نطاق واسع منذ تدخل الفرنسيين مطلع كانون الاول/ديسمبر، ما زالت اعمال العنف العرقية والدينية متواصلة في افريقيا الوسطى، ما دفع بالأمين العالم للأمم المتحدة بان كي مون الى ادانة عملية "تطهير عرقي وديني" داعيا المجتمع الدولي الى التدخل في اسرع وقت تفاديا لإبادة جديدة في افريقيا بعد عشرين سنة على مجازر رواندا، بينما اعلنت الولايات المتحدة مساعدة انسانية اضافية لجمهورية افريقيا الوسطى بقيمة 22 مليون دولار.

وامام الفوضى الدامية التي غرقت فيها بلادهم -التي شهدت حركات تمرد وعصيان في الجيش وانقلابات متكررة- منذ سنة، يضع سكان افريقيا الوسطى آمالهم في الامم المتحدة لكن فشل العمليات الدولية السابقة يحد من حماسهم.

وقال هيلير غبانغو المسؤول في احد المصارف "لا بد من قوة محايدة كي تتمكن من مساعدة شعب افريقيا الوسطى على ارساء السلام والمصالحة والدفع بالعمل الانساني"، ويرى بريس نغوندا ان القوات المنتشرة حاليا "متحيزة" وهناك "نوع من التقارب بين الفرنسيين والمسيحيين مثلا، وبين التشاديين والمسلمين، وهذا يتضمن مخاطر كبيرة" ما يعكس عدم الثقة في سنغاريس وميسكا المتهمتين بالتحيز الى هذا الطرف او ذاك.

وستهدف مينوسكا الى حماية المدنيين والقوافل الانسانية والحفاظ على الامن ودعم المرحلة الانتقالية السياسية واحترام حقوق الانسان، ويقدر الخبراء ميزانيتها السنوية بما بين 500 الى 800 مليون دولار، ومع انتشار 12 الف رجل ستتحول الى ثالث اكبر عملية حفظ سلام للامم المتحدة بعد جمهورية الكونغو الديمقراطية (25700) ودارفور (23700).

من جهة اخرى يدعو مشروع القرار السلطات الانتقالية في بانغي الى "اجراء انتخابات رئاسية وتشريعية حرة ونزيهة في شباط/فبراير 2015 على اقصى تقدير"، وقال القانوني يوزيبيو ماموغباسيو ساخرا "وبذلك سنكون جربنا كل شيء في هذا البلد: عملية باراكودا (1979) قوات الامم المتحدة في جمهورية افريقيا الوسطى (مينوركا 1998-2000) والقوة المتعددة الجنسيات في افريقيا الوسطى (فوماك 2010) وميسكا وسنغاريس وقريبا مينوسكا" معددا البعثات الدولية التي فشلت في ارساء الامن في افريقيا الوسطى منذ ثلاثين سنة.

وقال متنهدا ان "البلاد في الحضيض ولم يعد هناك اي قيمة لحياة البشر"، واعتبر المدرس مارتين زنداغاه ان "الايام تمر والمجتمع الدولي يمل من اعمالنا المشينة"، واضاف "يجب على سكان افريقيا الوسطى ان يكفوا عن تأجيج الحقد والتحريض على الاقتتال والنهب والسرقة والاغتصاب ولن يستطيع جنود القبعات الزرق شيئا طالما السعي للانتقام ما زال مستعرا".

وقد اعلنت القوة الافريقية في افريقيا الوسطى (ميسكا)، الحرب على عناصر ميليشيات انتي بالاكا التي يشكل المسيحيون القسم الاكبر منهم، بعد موجة جديدة من اعمال العنف التي اسفرت في بانغي عن 20 قتيلا في الايام الاخيرة.

وقال قائد القوة الافريقية الجنرال الكونغولي جان-ماري ميشال موكوكو في مقابلة مع اذاعة نديكي لوكا الخاصة في افريقيا الوسطى "بتنا نعتبر عناصر انتي بالاكا اعداء للقوة الافريقية في افريقيا الوسطى، وسنعاملهم بهذه الصفة"، وقد وقعت في الايام الاخيرة اعمال عنف في بانغي تعرض خلالها جنود القوة الافريقية لإطلاق نار من عناصر انتي بالاكا وردوا على هذه الاعتداءات.

وقال الجنرال موكوكو "يسمحون لأنفسهم بإطلاق النار على اشخاص اتوا الى هنا للقيام بجهود من اجل انهاء هذه الازمة لمصلحة شعب افريقيا الوسطى الذين يشكلون جزءا منه"، واضاف "اننا نحملهم مسؤولية الهجمات المحددة الاهداف التي استهدفت عناصرنا في الايام الاخيرة".

وقتل جندي كونغولي من قوة ميسكا المؤلفة من ستة الاف رجل، في مكمن نصب في بوالي (90 كلم شمال بانغي)، كما قال الاتحاد الافريقي الذي حمل عناصر انتي بالاكا مسؤولية مقتله، واكدت رئيسة افريقيا الوسطى كاثرين سامبا بانزا ان "قوة الاتحاد الافريقي وقوة سنغاريس (الفرنسية) تعملان بحياد كامل، ومن غير المقبول ان تصبح هاتين القوتين هدفا لجماعات مسلحة لا تريد السلام".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/نيسان/2014 - 13/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م