البنية الأخلاقية وبناء الكفاءات

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: تبذل الدول الناجحة كل ما في وسعها، لتصنع الكفاءات المطلوبة، من أجل إدامة الصعود في سلّم التطور، والمضي قُدُما في طريق التقدم، بمعنى أن الدول والمجتمعات الراقية، تضع شرطا أساسيا لإدامة التطور، يرتبط بإنتاج كوادر قادرة على ادارة السياسة والاقتصاد والتعليم وما شابه، بنجاح لا يشوبه الاخفاق او النقص، هذا يعني أن التقدم يرتبط على نحو وثيق بالكفاءة، وعندما لا تتمكن الدول والمجتمعات من بناء الكفاءات، في مختلف مجالات الحياة، فإنها ستبقى نائمة في مستنقع الجهل والتخلف.

ولكن هناك بنية أساسية تتحكم في صناعة الكفاءات، بمعنى أوضح، لا يمكن بناء كفاءة من دون أن تتوافر لها تلك البنية الاساسية، ونعني بها تحديدا (البنية الاخلاقية!)، هذا يعني أننا قد نحصل على كفاءات في مجالات متنوعة، وربما تنطوي على قدرات متميزة في المجال الذي تخصصت به، ولكن اذا غابت البنية الاخلاقية عن الكفاءة، هذا يعني غياب النجاح والتميّز لها، لذا يمكننا القول أن لا كفاءة قادرة على اداء دورها إذا لم تتحصّن بالبنية الاخلاقية.

ولكي نكون اكثر قربا من الواقع، فإننا قد نلاحظ مديرا لمؤسسة اقتصادية، متمكنا من حيث القاعدة العلمية والادارية التي يستند إليه، ويمتلك خبرة عملية في مجال ادارة المؤسسات الاقتصادية، وعندما ندقق بصورة علمية، ربما لا نلاحظ خللا في كفاءته بشقيّها العلمي والعملي، لذلك من المستغرّب أن تفشل شخصية خبروية اقتصادية مع انها تمتلك الرصيد العلمي والعملي لادارة المؤسسة الاقتصادية المعنية، فإين تكمن اسباب الفشل بالتحديد؟، إن الخلل يكمن في ضعف او غياب البنية الاخلاقية في هذه الشخصية القيادية في الادارة، وينسحب هذا على جميع الكوادر القيادية التي تقوم بادوار القيادة في السياسة او الاقتصاد او الصحة وما شابه.

لذلك من لا أخلاق له، لا يمكنه بلوغ الاهداف التي يخطط لها مهما بلغت كفاءته من التميّز والمهارة والاقتدار، هذا يؤكد دور البنية الاخلاقية في بناء الكفاءات المتميزة، ولعلنا شاهدنا او قابلنا في حياتنا العملية او سواها، كفاءات متميزة، لكنها بالنتيجة تفشل في مهمتها، وتنتهي مؤسستها الى نهاية مؤسفة، السبب كما يتضح غياب الاخلاق.

وعندما نحاول أن نتوغل أكثر في هذا المجال، فإن الامثلة عن دور البنية الاخلاقية في صناعة الكفاءة كثيرة، إنك قد تلتقي طبيبا ماهرا في ادارة مؤسسة صحية معينة، ويمكنك ان تجد فيه كل المواصفات التي تدل على التميّز والذكاء وما شابه، ولكن عندما يعامل هذا الطبيب معيته، بطرق لا اخلاقية (بصرف النظر عن تطبيق القواعد والقوانين)، اننا نتحدث هنا عن الجانب الاخلاقي تحديدا، فعندما يتعامل المدير (الطبيب او غيره)، مع افراد مؤسسته بطرق وأساليب تخلو من الاخلاق، فإن النتائج سوف تشي بالفشل حتما، حتى لو كان المدير ماهرا ومتميزا في تخصصه الاداري أو العلمي أو كليهما.

لذلك يربط اصحاب الاختصاص، نجاح الكفاءة بالبنية الاخلاقية، بمعنى أكثر وأدق وضوحا، ليس هناك كفاءة متميزة بلا أخلاق، بهذه البساطة والوضوح، يمكن أن يكون غياب الاخلاق في شخصية القيادي كارثية، ولعل جميع المآسي التي تعرضت لها الشعوب والمجتمعات، من اصناف الطغيان والاستبداد والقهر والظلم، كلها تعود الى افتقار اولئك القادة والرؤساء الى البنية الاخلاقية، وبهذا النقص الاساسي في بناء الكفاءة، يكون القيادي فاشلا، حتى لو كان ماهرا او متميزا او ذكيا او حازما، لان الادارة والنجاح لا يرتبط فقط بعناصر مهارية او عناصر الذكاء والحزم، إن الادارة الناجحة في مجالات الحياة كافة، ترتبط ارتباطا جوهريا بالاخلاق.

إذن نحن بحاجة الى أن نعمّق البنية الاخلاقية في طبقات وشرائح المجتمع عموما ونطورها، من خلال جهد جماعي رسمي مدني مدروس، تخطيطا وتنفيذا، وطالما أن المجتمع هو حاضنة الكفاءات، لذلك لابد من تدعيم البنية الاخلاقية للمجتمع ككل، وعندما تشكل الاخلاق الانسانية عمق المنظومة السلوكية للمجتمع، فإن الكفاءة ستكون محصّنة بالاخلاق فضلا عن قدراتها المهارية الاخرى، هكذا نكون قد نجحنا في بناء كفاءة اخلاقية، ومجتمع محصّن بالبنية الاخلاقية من الزلل والفشل معا.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/نيسان/2014 - 10/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م