قيم التقدم: التوسّل

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: تأتي قيمة التوسل في المرتبة الثانية في سلسلة قيم (التوكل/ التوسل/ التعقّل)، من حيث التدرّج التراتبي، وليس من حيث الاهمية، فهذه القيم الثلاث لها اهمية متساوية، من حيث التأثير والتفاعل والانتشار في الوسط المستهدَف، ويأتي المعنى اللفظي للتوسل من الوسيلة التي تقود الى تحقيق هدف معين، فالانسان حينما يحدد هدفا يسعى إليه، عليه أن يلجأ الى الوسيلة التي تكون حلقة الوصل بينه وبين ما يريد، ولا تقتصر قيمة التوسل على جانب معين أو محدد، فهي تتفاعل مع المادة والروح في الوقت نفسه، بمعنى أكثر وضوحا، يحتاج الانسان الى قيمة التوسل في انجاز مهمات مادية ملموسة، ومهمات روحية تتعلق بالجانب النفسي والروحي والمعنوي.

تدخل قيمة التوسل في عمليات البناء بمعناها الشمولي، فالمجتمع ومؤسساته المختلفة، تفتقر في معظم البلدان العربية والاسلامية، الى البناء السليم، وهو امر يتعلق بالبناء المتعثر للانسان، وهكذا تنعكس هذه الحالة من كونها فردية لتعم المجتمع وتشكيلاته كافة، من هنا لابد من اعتماد القيم التي تيسّر عمليات البناء النفسي والروحي والمادي عموما، وهو أمر لا يمكن تحقيقه من دون قيمة التوسل، فهذه القيمة يمكن أن تكون مهمتها بالتحديد، ضمان تحقيق المسعى الذي يهدف اليه الانسان كفرد او كجماعة، كذلك غالبا ما تأتي قيمة التوسل كوسيلة تسرّع من الوصول الى النتائج المطلوبة.

ولابد من ملاحظة التداخل والتآزر الحاصل بين قيمة التوكل من جهة، وقيمة التوسل من جهة اخرى، فالقيمة الاولى كما قلنا عنها في الحلقة الاولى من هذه الثلاثية، تعني بل تؤكد استعداد الانسان للشروع في انجاز الهدف المطلوب، مع التخطيط السليم والتنفيذ المتدرج والدقيق في وقت واحد، وتأتي قيمة التوسل كعامل تحفيز يمنح الانسان قدرة مضاعفة على الانجاز الافضل، لأن قيمة التوسل تضاعف من تشبث الفرد او المجتمع بالأمل في تحقيق ما يصبو إليه من أهداف.

في الجانب الروحي، أو ما يتعلق بالعلاقة بين الانسان وخالقه الله تعالى، فإن قيمة التوسُّل تعني (اتِّخاذ الوسيلة والواسطة إلى الله عزّ وجلّ، بحيث تكون هذه الوسيلة ممَّنْ له كرامةٌ ومحبّةٌ وجاهٌ عند الله عزّ وجلّ، فيستطيع بإذن الله ورضاه أن يكون السببَ في تيسير بعض الصعاب، وقضاء بعض الحاجات. وقد أمر الله سبحانه وتعالى باللجوء إلى اتِّخاذ وسيلةٍ، فقال: *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* «المائدة: 35»). وفي هذا الجانب يمكن للانسان أن يضاعف من قدراته الروحية، لاسيما عندما يتعلق الامر بانجاز هدف صعب المنال، فالتوسل هنا يعني تحفيز القوى الاستثنائية لدى الانسان، ومضاعفة إيمانه بإمكانية تحقيق ما يسعى إليه.

قيمة التعقّل كما سيأتي الكلام عنها في حلقة جديدة من هذه الثلاثية، تدخل كشريك فاعل لدعم قيمة التوسل، وهذا يؤكد أن الفضاء الذي تتحرك فيه قيمة التوسل، لا يقتصر على الجانب الروحي كما يشير بعضهم، إذ يُقصِر البعض هذه القيمة في المجال الديني والشفاعة الإلهية فقط، مستبعدين التأثير المادي الحياتي لها، وهو أمر يتنافى مع ما يجري في الواقع، لان التوسل كما ذكرنا يشمل المادة والروح معا، ولكن يحتاج الانسان دائما الى عملية تحفيز وأمل في النجاح والتقدم، لقطع الاشواط العصيبة في الطريق الى الهدف المطلوب، وهذا يستدعي الاستفادة من قيمة التوسل في تعضيد القوى الروحية والمعنوية التي تدفع الانسان الى الامام على نحو دائم ومتصاعد.

وأخيرا لابد من الاشارة الى أن قيمة التوسل، لها علاقة مباشرة وترابط قوي مع الشفاعة كما تفصّل ذلك الدراسات والبحوث الفقهية، فالشفاعة الالهية تتحقق بعد التوسل بالشفعاء، وهذا يتطلب مبحثا خاصة به، ولكن مطلوب من الانسان أن يداوم على قيمة التوسل، من اجل مضاعفة الايمان بالذات، وتعميق الأمل بالله سبحانه وتعالى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 9/نيسان/2014 - 7/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م