حلقة نقاشية عن التطرف في الفكر والسلوك

عقدها مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

 

شبكة النبأ: لا تخلو اي وسيلة اعلامية، من الحديث يوميا عن التطرف والتعصب والعنف الذي يضرب جميع المجتمعات تقريبا، الا انه في مجتمعاتنا العربية والمسلمة، قد استفحل واستشرى، منتهكا كل القوانين والاعراف الدينية والدنيوية.

ومن اجل تسليط الاضواء على هذه الظواهر، والبحث في اسبابها ودوافعها، ووضع الحلول لها، انعقدت الحلقة النقاشية لمركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث، تحت عنوان (التطرف في الفكر والسلوك.. الاطار العام.. المحددات.. المعالجات).. وقد قدمت الأوراق التالية:

1 – الصورة النمطية ودورها في صناعة التطرف/ورقة مقدمة من حيدر الجراح/مدير مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث.

2 – العنف الاجتماعي، انواعه، اسبابه، علاجه/ورقة مقدمة من الدكتور فاضل مدّب/استاذ الدراسات القرآنية في كلية العلوم الاسلامية/جامعة كربلاء.

3 – العنف الاسري وعلاجه في الشريعة الاسلامية/ورقة مقدمة من الدكتور محمد حسين عبود/ استاذ الفقه الاسلامي في كلية العلوم الاسلامية/ جامعة كربلاء.

وتحدث الدكتور فاضل مدّب، والذي كان عنوان ورقته، هو (العنف الاجتماعي، انواعه واسبابه وعلاجه)، حيث قدم تعريفان للعنف، الاول: العنف كسلوك عملي، وهو استخدام القوة بطريقة غير شرعية، والثاني: هو اي عمل يلحق الاذى بالآخر سواء كان ماديا او معنويا. ولاحظ الباحث، ان هذا التعريف ليس جامعا مانعا، لانه لم يبيّن العنف نفسه، بل وصف النتائج التي ترتبت عليه.

وحول منشأ العنف، بيّن الدكتور فاضل، ان هناك نظريتان لهذا المنشأ، الاولى: نظرية جبلّية العنف، والثانية: نظرية اكتسابية العنف، أو نظرية التعلم الاجتماعي.

في اسباب العنف، ذكر الباحث، انها تتوزع على: المحيط الصغير، اي الاسرة، ومنه: ممارسة العنف الاسري، تربية الاولاد على السلوك الانفعالي، زرع بذرة الانتقام في الطفل.

والمحيط الكبير، أي المجتمع، وفيه: القهر الاجتماعي، غياب الضبط الاجتماعي، انتشار مشاهد العنف في وسائل الاعلام. في علاج هذه الآفة المستشرية، اجمل الباحث ذلك في خمس نقاط، هي: الاحتواء والرعاية، الامتصاص، الاجواء الروحانية، محاولة تسريع الزواج، نشر تعاليم الاخوة الايمانية.

في مشاركته البحثية، (العنف الاسري وعلاجه في الشريعة الاسلامية) تحدث الدكتور محمد حسين عبود عن عدد من انواع العنف، وهي: العنف السياسي، العنف الاقتصادي، العنف الطائفي، والذي رأى فيه اشد انواع العنف خطرا على المجتمعات، لانه يدمرها ويزرع الخراب فيها.

حول موضوع ورقته، ذكر الدكتور عبود جملة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، واحاديث ائمة اهل البيت (عليهم السلام)، حول المرأة ومكانتها في النصوص القرآنية، وفي تلك المرويات الحديثية، ويبدي استغرابه واستنكاره لحجم العنف الذي تتعرض له المرأة، نتيجة قراءة ذكورية مغلوطة لبعض النصوص القرآنية، مثل (واضربوهن) و(الرجال قوامون على النساء).

العنف الاسري، رأى فيه الباحث مقدمة لعنف اكبر في المجتمع في الكثير من الاحيان، نتيجة لتأثر الابناء من ذلك السلوك الذي يمارس في البيت ويكونون شاهدين عليه.

في ورقته التي حملت عنوان (الصورة النمطية ودورها في صناعة التطرف) انطلق حيدر الجراح، من ضرورة رصد نمط التفاعل بين أفراد المجتمع، والاساليب التي يتبعونها لكي يحققوا مصالحهم، واتخذ المجتمع العراقي مثالا. وقد طرح في ورقته تساؤلا مفاده، ما هو شكل ونمط هذا التفاعل؟ بمعنى كيف نلاحظه، وماهي أدواته، وهل هناك استدعاء للعشيرة والطائفة والحزب لاجل أنجاز المصالح أم الركون للقانون ؟. يجيب الجراح:

اذا كان الفرق بين المصطلحات الثلاثة، هو أن التعصب ذهني ونفسي داخلي، يظهر في معنى العنف والتطرف، فعلينا رصد العلاقة بين الفكرة والسلوك، مثلا فكرة (المشاركة السياسية) كيف نعبر عنها سلوكيا.

ويرى حيدر الجراح، أن هناك أيضا، علاقة حيوية بين الصورة النمطية والسلوك، حيث تكون هذه الصورة مصدرا لتكوين المواقف والسلوكيات تجاه الاخر المختلف. والصورة النمطية، احكام مسبقة على الاتجاهات والتصرفات والتوقعات تجاه افراد او جماعات. وهي تستبطن العدوانية والسلبية من خلال تلك النظرة الدونية للآخرين.

يرى الجراح، أن التطرف ينساق خلف رؤية واحدة، والتعصب ينغلق عليها، حيث لا مكان للآخر، ولا وجود متحقق للاختلاف واحترامه.

وهو يرى ايضا، أن هذه المفاهيم لا تكتسب وجودا لها الا من خلال التفاعل الاجتماعي اليومي، والذي يقوم على مفهومين في المجتمع العراقي، وهما:

الغلبة (القوة) التي تقوم على اساس الازاحة، (القوي يزيح – يستبعد – يقصي) الضعيف.

المداهنة (النفاق) لتحقيق أو نيل (مصلحة) لا تتحقق الا عن هذا الطريق، أو محاولة دفع لأذى متوقع.

ينتقل حيدر الجراح بالحديث الى الضفة الاخرى، ضفة المحاولة في تقديم ما يمكن ان يحدّ من هذه الثلاثية.

وهذه الضفة، هي ما تركه لنا الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) من جهد معرفي في الكثير من المحاولات الجادة، لردم الهوة السحيقة بين المسلمين، وتذكيرهم بكل القيم السامية لدينهم، بعيدا عن التطرف والتعصب والعنف، والذي يتخذ توصيفات عديدة، مثل (الغلو – التشدد – التحيز – التمييز).

في معرض حديثه عن (الغلو في الإنسان الآخر) الذي ينظر (للآخرين بأنهم الأفضل) يطالب الامام الشيرازي الراحل، ذلك المغالي (أن لا يفضّل بني نوعه على الآخرين) مهما كانوا، الا من خلال معيار واحد، اكدت عليه النصوص القرآنية، والمرويات الدينية الاخلاقية، وهذا المعيار هو (التقوى).

ثم هو ينتقل الى مفهوم اخر، يعتقده الاصل في الاسلام، وهو المساواة (بين أفراد البشر في الإنسانية)، لأنهم (جميعا خلقوا من نفس واحدة).

وكان الامام الشيرازي، ينظر إلى أبناء المجتمع على أنهم أخوة، وبالنتيجة فأبناء الإنسانية أخوة بقطع النظر عن قوميتهم ودينهم واتجاههم السياسي، وفي الوقت نفسه نحن أمة مسلمة، ونحن ـ إنسانياً ـ يجب أن نكون متحررين.

لم يقتصر الامر على جانب النصوص النظرية التي تركها الامام الراحل، واكتفى بطرح ذلك كأفكار مجردة، انه كان يمارس ما يؤمن به من خلال سلوكه العملي، والذي كان الكثيرون شهودا عليه.

كان الامام الشيرازي يدعو إلى نهج اللاعنف والسِّلم في كل عمل وخطة، سياسية كانت أو اجتماعية أو إدارية، وكان يدعو إلى المؤتمرات وإلى الإضرابات الجماهيرية العامة، وهذه المسألة ذكرها تفصيلاً في بيان أصدره أيام الانتفاضة الشعبانية في عام (1990م).

بعد تقديم تلك الاوراق، ساهم عدد من الحضور بتقديم بعض المداخلات التي اغنت النقاشات، كانت المداخلة الاولى للشيخ ناصر الاسدي، وتحدث فيها عن فائدة ما اسماه بالعلاجات الروحية لظواهر العنف، ومنها اجواء شهر رمضان المبارك، حيث تنخفض نسبة السرقات والجرائم ويقل فيه العنف الاسري، ويرى الشيخ الناصري ان العنف في العالم شديد الواقعية والتمثل، ويذكر احدى الاحصائيات التي سجلت (16) مليار حالة عنف في عام واحد، نسبة لعدد سكان العالم البالغ سبعة مليارات.

ويتطرق الناصري في معرض حديثه عن التطرف والتعصب والعنف الى الوهابية وتقسيمها للمجتمع العراقي الى ثلاثة اقسام، هم: الكفار، والمرتدون، والمشركون، وقد وضعت الشيعة قاطبة تحت التصنيف الثالث.

يرى الشيخ الناصري، ان معالجة تلك الظواهر تكمن في طريقتين هما:

1 – قاعدة الانصاف الموجودة في الشرع الحنيف.

2 – الرد بالتي هي احسن.

في حديثه عن الامام الشيرازي الراحل، يقول الشيخ الناصري، انه (قدس سره) كان في سلوكه وافكاره تجسيد للين المطلق، فهو اضاف الى لين اليد واللسان، اللين بالقلب من خلال نزع أي مشاعر للكراهية أو الحقد من قلب الانسان.

المداخلة الثانية كانت من الاعلامي عباس سرحان، مسؤول مكتب اذاعة سوا في محافظة كربلاء، رأى في مداخلته، اننا في مجتمعاتنا العربية والمسلمة، أمام عنف غير تقليدي فاق الحدود والتوقعات، وان الامة الاسلامية تنفجر من الداخل نتيجة لهذا العنف، الذي رأى انه بسبب خلل كبير وفادح في الفكر.

وارجع سرحان في مداخلته اسباب هذا العنف غير التقليدي الى:

1 – اسباب دينية، حيث تنهل من فكر ديني متطرف تستغله السياسة في الكثير من الاوقات.

2 – أنظمة سياسية ظالمة، تستدعي نتيجة ظلمها ردود فعل وسلوك عنفي غير منضبط.

المداخلة الثالثة، كانت من نصيب الشيخ مرتضى معاش، رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، وفيها فرّق بين العنف والتطرف، ووضع التطرف مقابل الاعتدال، وفرق ايضا بين مستويين من التطرف، حسب رأيه واسماهما بالتطرف الافراطي والتطرف التفريطي.

وقد استخدم معاش، مصطلح (الوسواس) القرآني كمصداق اخر للتطرف.

وهو يرى ان التطرف سلوك ينبع وينشأ من الاسرة، من خلال عدم التوازن في عملية التربية.

في مداخلته عن العنف، يرى معاش، أن فكرة العنف تنشأ من حالة اليأس والاحباط التي يعيشها الانسان، وان العنف سلاح المنهزمين، وأن نشوء هذه الثلاثية (التطرف – التعصب – العنف) مردها جميعا الى غياب ما يسميه (الانصاف).

يرى مرتضى معاش، ان مجتمعاتنا بحاجة الى ايجاد وترسيخ ثقافة (ادارة النزاعات) في حل مشاكلها، وهذه الثقافة عمادها الحوار المتبادل بين المتنازعين، ويقترح معاش ايضا، تعميق حالة الحب والرحمة في الاسرة والمدرسة منذ الصغر، لتصبح الاسرة حاضنة للاعتدال.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 31/آذار/2014 - 28/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م