عندما لم يعد الإنتاج مطلوباً؟!

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يعرف الإنتاج بأنه خلق للمنفعة أو للقيمة المتمثلة في صورتها النهائية، في شكل سلع وخدمات، يستفيد منها المجتمع عموما....

لذلك تقوى وتنمو الدول بوتيرة الانتاج المتقَن، وينعكس تطور الانتاج على المجالات الحياتية كافة، فيغدو المجتمع قويا متوازنا ومنتجا بطريقة سليمة متصاعدة، فضلا عمّا ينعكس من وتيرة الانتاج الامثل على الدولة ومؤسساتها من متانة واستقرار، اما عندما تتعرض عملية الانتاج للتهميش، لأسباب سنأتي على ذكرها، سوف تضمحلّ الدولة وتضعف، وقد تؤول الى الفناء، بطريقة الذوبان في غيرها من الدول!، أو البقاء في الهامش كدولة ضعيفة مهلهلة، وهو أمر وارد لابد أن تتحسَّب له الدول المهمِّشة  للانتاج.

عندما نأتي الى حالة الانتاج في العراق الراهن، فإننا سنصاب بخيبة، لأسباب عديدة أكثرها وضوحا، حالة التهميش مع سبق الاصرار، التي يتعرض لها الانتاج، ليس في مجال الاتقان او النوع او الكمّ فحسب، بل ثمة حالة الضمور التام التي يعاني منها الانتاج بشكل عام، بمعنى أوضح، هناك ظاهرة تهميش شبه تام للانتاج، بإرادة (مافيوية) سياسية داخلية اقليمية دولية تخطط لهذا الهدف، ما يعني انحدار الدولة ومؤسساتها الى هاوية الخطر الجسيم، وقد لا ترى الجهات المعنية صورة الانتاج بالوضوح المطلوب، بسبب المسار الريْعي الذي تسير فيه الحكومة، من خلال اهتمامها بالنفط كمصدر وحيد لميزانية الدولة.

من بين الاسباب التي تقف وراء عملية محاربة الانتاج، التخطيط لإبقاء العراق دولة ضعيفة، ومحاولات تركيز السلطة بيد فرد او حزب واحد، ما يعني تراجع بناء المؤسسات الديمقراطية في مجاليّ السياسية والاقتصاد، وهو أخطر ما يمكن أن تتعرض له دولة ما، كي تبقى تراوح في مستنقع التخلف والفقر، فليس هناك سبيل للتغير السياسي الديمقراطي، من دون بناء مؤسسات سياسية اقتصادية، تقوم على المنهج الديمقراطي، وهذا يؤدي بالنتيجة الى إضعاف الانتاج الذي سينعكس على الواقع المعيشي المدقع الذي يعيشه الشعب.

ولا ننسى الحركة التجارية وسوق المال، والربحية ودورها في ايقاف عجلة الانتاج المحلي في العراق، إذ هناك اصرار عجيب ومخطط له، بإغراق السوق العراقية بملايين السلع ومن كل الانواع، حيث تتدفق بصورة عشوائية، من مناشيء دول الجوار اولا، ومن دول العالم اجمع، حتى صار من المستحيل للمنتج المحلي، أن يُعرض لينافس اسعار السلع الاجنبية، المعروضة من ادناها الى اعلاها نوعا وكما، وتشارك طبقة التجار بالتخطيط مع المتنفذين، لعملية إغراق السوق بشتى المنتوجات، وبكل ما يحتاجه الانسان العراقي، في ظل دخل واطئ ومنافسة اسعار تجعله يميل الى المنتج الاجنبي مجبرا.

اذاً عملية التهميش للإنتاج، تجري بطرق مدروسة وليست عشوائية، يرافق ذلك، ضعف منقطع النظير للقانون، والتلاعب به بما يخدم اهداف من يخطط، لشل عمليات الانتاج، وتدمير المنتج الداخلي، ولاول مرة في تاريخ العراق بل في تاريخ الدول، تفتح الحدود العراقية والمنافذ على مصاريعها، لدخول سلع ما أنزل الله بها من سلطان، حيث اشارت تقارير مؤخرا الى دخول كميات من لحوم (الحمير) الى السوق العراقية قادمة من الامارات، هذه الامارة التي تشيّد الابراج بمليارات الدولارات وتصدر للفقراء لحوم الغباء! حتى تبقى نائمة؟!.

هكذا تتعاضد الارادات والظروف، لكي يتم امتصاص ثروات العراق النفطية، مقابل هدر منظّم للاموال، مع العمل على شل الانتاج بكل السبل المتاحة، في ظل وضع امني متعب، وحكومة منشغلة بآلاف القضايا الجانبية، لدرجة انها قد لا يخطر في بالها، ان عشرات المصانع والمعامل العراقية متوقفة عن الانتاج، والمفارقة أن آلاف العمال، يستلمون رواتب شهرية من هذه المعامل (المتوقفة عن الانتاج) مع سبق التخطيط والاصرار، والتي تعمل وفقا لنظام التمويل الذاتي، مما يجعل رواتب العمال والموظفين بائسة الى درجة الفقر المدقع.

وقد عرضت احدى القنوات الفضائية، لقاءات وصورا واحاديث مع عدد من منتسبي شركة انتاج الجلود في بغداد، ومن خلال تلك القاءات يمكن للمتابع والمختص أن يفهم لماذا يتم ايقاف الانتاج للسلع المنتَجة محليا، فيما يتم فتح ابواب الاستيراد واسعة على مصاريعها، للسلع المتدفقة من دول الجوار ودول العالم، في ظاهرة ربما تحدث لاول مرة في التأريخ!!.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 30/آذار/2014 - 27/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م