الجسم السليم في النوم السليم

 

شبكة النبأ: يعرف خبراء الصحة النوم بأنه عملية طبيعية نقوم بها كل ليلة. وحيث أن البشر ليسوا سواءً؛ فإن بعض الناس يخلد إلى النوم وقتما وأينما يشاء، في حين أن البعض الآخر يجد صعوبة في النوم، وعندما ينام فهو لا ينعم بالراحة ولا يستعيد نشاطه.

ويعد النوم وسيلة مهمة للراحة والتخلص من التعب الذي يعاني منه الشخص، حيث يقوم الجسم خلال فترة النوم ببعض العمليات والأنشطة المعقدة على مستوى المخ والجسم تساعد على تجديد حيوية ونشاط الإنسان الذي يقضي نحو ثلث حياته نائمًا، لذلك يؤثر النوم بشكل كبير على صحة الإنسان، وقد أثبتت الكثير من الدراسات والبحوث التي يقوم بها العلماء أن النوم الجيد ويزيد من القدرات الإبداعية ويساعد الشخص على ترتيب أفكاره والمعلومات التي حصل عليها خلال اليوم، وعلى العكس من ذلك الأشخاص الذين لا يتمتعوا بنوم صحي فهم يعانون من التعب خلال العمل، وعدم قدراتهم على التفكير.

ويتوقف مقدار حاجة الإنسان الفعلية للنوم على عوامل كثيرة، بما فيها العمر. الأطفال الرضع يحتاجون بصورة عامة إلى 16 ساعة نوم في اليوم. ويحتاج المراهقون (من 12 إلى 19 سنة من العمر) حوالي 9 ساعات. أما بالنسبة للكبار فالأغلبية منهم يكتفون بمعدل 7 – 8 ساعات في الليلة، مع أن بعضهم قد يكفيه 5 ساعات بينما يحتاج آخرون إلى 10 ساعات في اليوم. النساء الحوامل يحتجن عادة خلال الشهور الثلاثة الأولى من الحمل بضع ساعات زيادة على مدة نومهم العادية.

وبحسب بعض الخبراء فان الكثير من البشر قد يعاني اليوم من مشاكل صحية بسبب عدم حصولهم على حاجتهم الكافية من النوم، الذي أصبح يقل بشكل تدريجي بسبب تغير المجتمعات والحياة السريعة والتقدم التكنولوجي المستمر التي يشهدها العالم والتي كانت سبب مباشر بازدياد نسبة الأمراض المتعلقة بمشاكل النوم كالتوتر والإجهاد وغيرها من الأمراض الأخرى. ويعد الإرهاق من أكثر الأخطار التي تهدد الصحة وهي تتسبب بأمراض مختلفة بدءاً من الصداع وانتهاء بالنوبة القلبية. وقد أشارت الإحصاءات أن حوالي 75-90% من مراجعي الأطباء يمرضون لأسباب متعلقة بالإرهاق.

فوائد النوم الصحي

وفيما يخص أهمية وفوائد النوم الصحي فقد عرض علماء سويديون دراسة تلقي بعض الضوء على مساوئ تمضية ليلة من دون نوم، على الدماغ مما قد يدفع المحتفلين الى الخلود الى النوم بعد احتفالات رأس السنة. وحلل الباحثون في علم الاعصاب في جامعة ابسالا عينات دم اخذت صباحا من 15 شابا في صحة جيدة نام بعضهم ثماني ساعات والبعض الاخر لم ينم بتاتا. وتبين في عينات دم الفئة الاخيرة ارتفاعا بنسبة 20 % في تركز جزيئتين هما الاينولاز الخاصة بالعصبونات وبروتين اس-100بي. بحسب فرانس برس.

وقال منسق الدراسة كريستيان بنديكت "عدد الجزيئيات في الدماغ يزداد في الدم عند حصول اصابات في الدماغ". واضاف "قلة النوم يمكن ان تؤدي الى عملية تلف في الاعصاب" في حين ان ليلة نوم جيدة قد يكون لها "اهمية كبيرة في المحافظة على صحة الدماغ".

التخلص من السموم

في السياق ذاته قال باحثون في الولايات المتحدة إنهم أكتشفوا أحد الأسباب الرئيسية للنوم. ويعتقد فريق البحث الامريكي بأن "نظام التخلص من الفضلات" هذا يعتبر المسبب الرئيسي للنوم. وأظهرت التجارب التي اجروها على الفئران أن المخ يستخدم النوم كوسيلة للتخلص من السموم التي تتراكم خلال عملية الاستيقاظ نتيجة لعمليات الاتصال بين الخلايا العصبية.

واثبتت الدراسة التي نشرها الباحثون في نشرة (ساينس) ان خلايا المخ تنكمش اثناء النوم مما يؤدي الى فتح ثغرات بينها تسمح للسوائل "بغسل المخ". كما يقولون إن اخفاق هذا النظام في التخلص من بعض الفضلات قد يكون سببا لبعض الامراض التي تصيب المخ. وبينما كانت ابحاث سابقة قد اثبتت ان للنوم دور كبير في تعزيز الذاكرة والقدرة على التعلم، اثبت فريق الابحاث في جامعة روشستر بنيويورك ان احد الاسباب الرئيسية للنوم هو "صيانة" خلايا المخ.

وقالت الدكتورة مايكن نيديرغارد احد افراد فريق البحث "لا يتوفر المخ الا على كمية محدودة من الطاقة، ولذا فيبدو انه يتعين عليه الاختيار بين وضعين: اما ان يكون مستيقظا ويفكر واما ان يكون نائما ويقوم باعمال الصيانة." واضافت "المهمة التي يقوم به المخ تشبه دور المضيف في حفلة بالمنزل، إما أن يتولى الترحيب بالضيوف وإما تنظيف المنزل...لكنه لايملك الطاقة الكافية للقيام بالمهمتين معا."

ويأتي الاكتشاف الجديد مكملا لذلك الذي حققه العلماء العام الماضي باكتشافهم لنظام صرف خاص بالمخ - يدعى النظام الغليمفاوي glymphatic system - الذي يتولى مهمة تخليص المخ من الفضلات الضارة. وبرهن العلماء بتصوير امخخة الجرذان ان فعالية النظام الغليمفاوي هذا تتضاعف عشر مرات عندما تكون الجرذان في حالة نوم.

ولاحظوا ان خلايا معينة في المخ - والارجح ان تكون الخلايا الدبقية التي تبقي الخلايا الدماغية حية - تنكمش اثناء النوم، مما يزيد من حجم المجالات بين الخلايا وتسمح بضخ كميات اكبر من السوائل التي تقوم بازالة الفضلات المضرة. وقالت الدكتورة نيديرغارد إن عملية الغسيل هذه تعتبر حيوية جدا لديمومة الحياة، ولكنها مستحيلة اثناء اليقظة. بحسب بي بي سي.

وقالت "هذا طبعا كله محض افتراض، ولكن يبدو ان المخ يستخدم كميات كبيرة من الطاقة في ضخ السوائل الى اجزائه المختلفة وهي عملية لا تتواءم مع عملية التعامل مع المعلومات - اي حالة اليقظة." واضافت الباحثة الامريكية ان الاهمية الحقيقية لهذا الاكتشاف لن تظهر الا بعد اجراء تجارب على البشر، ولكن ذلك لن يكون صعب المنال إذ يمكن القيام به عن طريق آلة الرنين المغناطيسي.

موت الخلايا الدماغية

الى جانب ذلك رجحت دراسة أمريكية أن قلة النوم قد تؤدي إلى فقدان دائم لخلايا الدماغ. وحسب الدراسة التي نشرت في دورية "نيوروساينس" فإن قلة النوم لفترات طويلة تسببت في موت 25 بالمئة من الخلايا الدماغية لدى الفئران. ويقول العلماء الأمريكيون إنه في حالة حدوث نفس التأثير على البشر فلن تجدي أية محاولات لتعويض ساعات النوم الضائعة.

كما يعتقد العلماء أنه من الممكن تطوير عقار في المستقبل لحماية المخ من الآثار الجانبية لقلة النوم. وكان الباحثون قد راقبوا فئران تجارب أُبقيت مستيقظة كما هو الحال مع العاملين في النوبات الليلية أو عند المكوث ساعات طويلة في مكاتب العمل. وفحص الفريق البحثي من كلية الطب في جامعة بنسلفانيا الأمريكية خلايا بعينها خاصة بالحفاظ على المخ متنبها.

وبعد عدة أيام من اتباع الفئران نمط نوم العاملين في نوبات العمل الليلي، أي العمل ثلاث ليال متتالية والنوم حوالي أربع أو خمس ساعات فقط خلال اليوم، وجد الفريق أن الفئران فقدت 25 بالمئة من خلايا مخها. ويقول الباحثون إن هذا هو أول دليل أن قلة النوم قد تؤدي إلى فقدان خلايا المخ. بحسب بي بي سي.

ولكنهم أكدوا على ضرورة الاستمرار في العمل لمعرفة ما إذا كان البشر الذين يعانون من قلة النوم يتعرضون أيضًا لخطر التلف الدائم. وقالت سيغريد فيزي، من مركز النوم، "على الرغم من أن هذه التجربة كانت خاصة بالحيوان إلا أنها ترجح أنه علينا فحص الأمر بدقة بالنسبة للبشر." وأضافت أن الخطوة التالية هي فحص مخ عمال النوبات الليلية بعد موتهم للتوصل لأية دلائل لفقدان خلايا المخ.

آلام الظهر

على صعيد متصل خلص خبراء نرويجيون إلى أن قلة النوم تزيد من احتمال المعاناة من آلام حادة في الظهر، بنسبة تصل إلى 66%، ونصحوا بالسعي لتحسين نوعية النوم. وأفادت صحيفة «دايلي مايل» البريطانية أن دراسة شملت أكثر من 27 ألف نرويجي، أظهرت أن مشكلات النوم وما يترتب عليها من تعب، تهدد المرء بالمعاناة من آلام الظهر الشديدة.

واعتبر معدو الدراسة بجامعة الطب والتكنولوجيا النرويجية، أن تغيير عادات النوم قد يكون المفتاح وراء الشفاء من آلام الظهر، التي تعد مشكلة طويلة الأمد. ووجدوا أن قلة النوم ترفع من معدلات البروتين في الدم؛ ما يتسبب بدوره في التهابات في الجسم، غالباً ما يكون من أبرز مظاهرها الشعور بآلام حادة في الظهر. وقال المعد الرئيس للدراسة الدكتور، آدم الكاشي، إن «مشكلات الظهر من الواضح أنها حلقة مفرغة، فالألم يمنع الناس من النوم ليلاً، وهذا بدوره يزيد من آلامهم، وبالتالي يؤثر في حياتهم الشخصية والمهنية». بحسب يونايتد برس.

لذا اعتبر أن «الطريقة الوحيدة لكسر هذه الحلقة، هي تحسين نوعية النوم». ونصح بالتخلي عن الهواتف الذكية قبل ساعات من موعد النوم، والتأكد من إطفاء كل الأنوار في غرفة النوم، كما لفت إلى وجود دراسات تشير إلى فوائد أخذ حمام بارد بغية تحسين نوعية النوم. وتبين في الدراسة أن النساء اللواتي يجدن مشكلة في النوم هن 32% أكثر عرضة للمعاناة من آلام أسفل الظهر المزمنة، وهذه النسبة ترتفع إلى 66% عند اللواتي ينمن ساعات قليلة بشكل مستمر.

الجينات تتحكم

من جهة اخرى فالجينات تلعب دورا رئيسيا في تحديد طبيعة النوم والاستيقاظ مبكرا أو السهر لوقت متأخر الاستيقاظ مبكرا مثل العصافير أو السهر لساعات طويلة ليلا مثل طائر البوم، تمثل اختلافا جوهريا بين البشر، لكن هذا الإختلاف لا يرتبط بالعادات اليومية فقط، بل يرجع أيضا لأسباب جينية وراثية.

وأكد باحثون أمريكيون أن الآباء هم من يحددون للإنسان مواعيد وطريقة نومه أيضا، بسبب الجينات التي يورثونه اياها، وتلعب دورا كبيرا في تحديد طبيعته وإذا ما كان يفضل السهر طوال الليل وحتى الفجر، أو النوم والاستيقاظ مبكرا. فالجينات هي التي تجعل من البشر إما عصافير تستيقظ مبكرا مع الفجر لتبدأ يوم العمل، وهو ما يفعله الكثير من البشر الذي يفضلون العمل نهارا، أو بوم يفضلون العمل طوال الليل أو البقاء مستيقظين حتى الفجر.

ويقور دكتور لويس بتاسيك الخبير في علم الجينات من جامعة كاليفورنيا "البشر فعلا منقسمون بين العصافير والبوم، وهذا يرجع في المقام الأول إلى جيناتنا البشرية." وأضاف "سواء أحببنا هذا أم لا، فإن والدينا هم من يحددون لنا متى نذهب للنوم، وذلك من خلال الجينات التي نحصل عليها منهما." وأكد العلماء على ضرورة فهم طبيعة الكرونوتايب أو ما يطلق عليه (النوع الزمني) لكل شخص، والوقت الذي يعمل فيه بشكل جيد خلال اليوم.

ولمعرفة إلى أي حد يشبه كل منا العصافير أو البوم، فإننا يجب أن نساعد أنفسنا على الحياة بصورة صحية في العالم الحديث الذي نعيشه. ويكشف ريك نيوبيج بروفيسور في علم الصيدلة بجامعة ميتشغان الأمريكية، والذي يعد من العصافير ويفضل الإستيقاظ مبكرا، أن عائلته تتشابه معه في الاستيقاظ مبكرا لرؤية العصافير وقت الفجر.

وقال:"الكثير ممن أتواصل معهم في أوروبا يلاحظون دائما أنني أرسل لهم رسائل إليكترونية في وقت مبكر من الصباح، كما أنني أفضل مراقبة الطيور وقت الفجر، ومن السهل جدا بالنسبة لي الاستيقاظ مبكرا جدا." وأضاف :"والدتي كانت تحرص على أن نستيقظ مبكرا ونغادر الأسرة في الرابعة صباحا، كما أن شقيقتي تعمل في وقت مبكر من اليوم أيضا."

ودرس الدكتور بتاسيك عائلات كاملة تستيقظ مبكرا مثل العصافير منها عائلة ريك والتي تتميز بـ "متلازمة فترة النوم المبكرة عائليا"، وبدأ البحث في هذا المجال بسبب زميله دكتور كريس جونز، الذي التقى سيدة تبلغ من العمر 69 عاما، وتعاني من مشكلة الاستيقاظ المبكر بشكل مفرط الأمر الذي يجعلها تغفل عن تناول بعض الأدوية. وبدأ بتاسيك وجونز في البحث في تاريخ عائلتها، فيما يتعلق بمواعيد النوم والاستيقاظ. وقال بتاسيك "نعترف بأن هذا الأمر كان بسبب سمات وراثية قوية، لقد وجدنا الجين المتحور كامن بالقرب من الكرموسوم 2."

وكان العلماء يدركون أن تحور الجينات المتشابهة أي تطورها وحدوث طفرة لها في ذبابة الفاكهة والفئران يؤدي لتسريع الساعة الإيقاعية أو البيولوجية، ويصنع الجين المتحور بروتين مختلف يؤثر على إيقاع الساعة. كما درسوا عائلات أخرى ممن يفضلون الاستيقاظ ليلا مثل البوم، ويعانون من "متلازمة مرحلة النوم المتأخرة عائليا"، ووجدوا أن السبب يرجع إلى تحور أيضا في نفس الجين لكن بشكل مختلف عن السابق.

بينما تم العثور على تحور في جينات أخرى، في عائلات لديها عادات متباينة في النوم سواء مبكرا أو في وقت متأخر. ويمتلك البشر جميعا ساعة بيولوجية داخلية، وهي تتكون من آلاف الخلايا العصبية في النواة فوق التصالبة (suprachiasmatic nucleus)، وهي منطقة صغيرة توجد في المهاد (hypothalamus) الكائن في قاعدة الدماغ. ويقوم المهاد بواجب السيطرة على شتى الفعاليات الجسمية من افراز الهرمونات الى التحكم بدرجة حرارة الجسم وكمية السوائل التي يتناولها الانسان.

أما الساعة البيولوجية فتضبط يوميا منذ الصباح، وليس صحيح أن جميع الساعات البيولوجية تعمل بنفس الطريقة على مدار اليوم، بل تختلف وتجعل هناك من يفضولون النوم مبكرا ومن يبقون مستيقظين حتى ساعة متأخرة. "ماري كارسكادون أستاذة الطب النفسي بجامعة براون الأمريكية تقود حملة ضغط للمطالبة بتأخير مواعيد الدراسة، لقناعتها بأن الحرمان من النوم يصيب الأطفال بالاكتئاب."

ويقول البوفيسور ديرك جان-دجيك مدير مركز أبحاث النوم بالجامعة:"لو كان لديك ساعة بيولوجية سريعة، فإنك ستفضل إنجاز الأعمال مبكرا، أما لو كانت ساعتك البيولوجية بطيئة فإنك ستفضل إنجازها متأخرا". كما تختلف الساعة البيولوجية لكل منا مع تقدم العمر ومن لديه أطفال يسهل عليه ملاحظة ذلك، فالأطفال مثلهم مثل المسنين، لديهم ميل للاستيقاظ مبكرا.

ولكن بصرف النظر عن تلك الساعة فالكل ملتزم بالتأقلم مع النظام اليومي الذي يحدده المجتمع وساعات العمل التي تبدأ في التاسعة صباحا وتمتد حتى الخامسة مساء، وهو نظام يتضرر منه المراهقون أكثر من غيرهم، نظرا للصعوبة التي يجدونها في الاستيقاظ المبكر. وقد قام تيل رونبرج من جامعة لودفيج ماكسيميليان بدراسة أنماط النوم عند المراهقين من خلال استبيان وضعه لهذا الغرض.

وتمكن رونبرج من إثبات نظرية الاستيقاظ المتأخر لدى المراهقين، وبحسب رونبرج تبدأ الظاهرة في مرحلتي الطفولة والبلوغ ثم تبلغ ذروتها في سن التاسعة عشرة والنصف لدى الإناث والحادية والعشرين لدى الذكور. ويقول رونبرج إن لدى فريقه البحثي قاعدة بيانات تشمل 200 ألف شخص ويطمح في أن يتمكن من وضع "خارطة عالمية للنوم" تغطي أنماط النوم والاستيقاظ حول العالم.

وتتوقع ماري كارسكادون أستاذة الطب النفسي بجامعة براون الأمريكية أن يتحسن المزاج العام للطلبة إذا ما بدأ اليوم الدراسي في وقت متأخر، وتقود كارسكادون حملة ضغط للمطالبة بذلك، نظرا لقناعتها بأن الحرمان من النوم يصيب الأطفال بالاكتئاب ويفقدهم الرغبة في العمل. غير أن قليل من المدارس تبني وجهة نظرها، فغالبية البشر تتأقلم مع ساعات العمل المتعارف عليها وإن كان ذلك يعرضهم أحيانا للإرهاق.

ويرى رونبرج أن معظم الناس يستيقظون في وقت متأخر في عطلة نهاية الإسبوع مقارنة بأيام العمل أو الدراسة، ويستخدم رونبرج تعبيره الشيق "فرق التوقيت" لقياس الحرمان الذي يعانيه من يلجأ إلي جرس الساعة المنبهة ليوقظه وهو الحرمان الذي يحاول تعويضه في أيام العطلة. ويتراوح "فارق التوقيت" بين ساعة وساعتين لدى معظم الناس، وقد يصل إلى خمس ساعات لاسيما لدى المراهقين والشباب، ولكن في النهاية يظل على الجميع الاستيقاظ في نفس الوقت.

ويشبه رونبرج التغيير الذي يحدث في نمط النوم أثناء العطلة الأسبوعية بمن يسافر من لندن إلى نيويورك كل أسبوع، بل يرى أنه يسهل التأقلم مع فارق التوقيت الجغرافي أكثر من الـتأقلم مع فارق التوقيت الذي يفرضه المجتمع. ولكنه يعتقد بوجود حلول ممكنة للتغلب على ذلك، "وأحدها تغيير مواعيد العمل بحيث تتناسب مع إحتياج كل شخص. بحسب بي بي سي.

وإن تعذر ذلك فيقترح رونبرج علي كل شخص أن ينظم تعرضه لضوء الشمس "بطريقة استراتيجية." " يجب أن تحاول استخدام دراجة للذهاب إلى العمل بدلا من السيارة التي تحجب الشمس، وفي الوقت الذي تغرب فيه الشمس يمكننا استخدام أشياء لا تحتاج لضوء النهار، مثل شاشات الكمبيوتر والأجهزة الإلكترونية الأخرى."

اضطرابات النوم

على صعيد متصل تُعد اضطرابات النوم من المشكلات الشائعة بين الشباب. وأوضح معهد الجودة والاقتصادية في القطاع الصحي، أن هذه الاضطرابات غالباً ما ترجع إلى أن الشباب يظلون مستيقظين لفترات طويلة خلال الأسبوع، ثم ينامون لفترات طويلة خلال العطلة الأسبوعية، ما يسلبهم الراحة والاسترخاء أثناء النوم ليلاً. وأشار المعهد، الذي يتخذ من مدينة كولونيا مقراً له، إلى أنه إذا لم يستطع الشباب أن ينعموا بنوم هانئ ومريح، لمدة تزيد على ثلاث ليال أسبوعياً، على مدار ما لا يقل عن شهر كامل، فإنهم يعانون حينئذ اضطرابات في النوم. وللتغلب على هذه الاضطرابات، أكد المعهد الألماني أهمية أن يلتزم الشباب بإيقاع نوم محدد وثابت، مشيرا إلى ضرورة أن تكون غرفة النوم هادئة ومظلمة، وأنه من الأفضل ألا يتم استخدام الفراش كغرفة معيشة للقراءة، أو مشاهدة التلفاز، أو لتناول الطعام، إنما يجب الاقتصار على استخدامه للنوم فحسب.

وبالنسبة لمَن لم يستطع الخلود إلى النوم، بعد الذهاب إلى الفراش، ينصحه المعهد الألماني بضرورة النهوض من فراشه مرة ثانية، مؤكداً أنه من الأفضل أن يتم النهوض من الفراش سريعاً بمجرد الاستيقاظ من النوم في الصباح، بدلاً من البقاء لفترة طويلة في وضع الاستلقاء. كما أوصى المعهد بأنه من الأفضل أن يبتعد الشباب عن سماع الموسيقى العالية، وإجراء المكالمات الهاتفية، واستخدام ألعاب الكمبيوتر قبل الخلود إلى النوم بفترة قصيرة، لافتاً إلى أن الكولا ومشروبات الطاقة والقهوة وكذلك الشاي الأسود والأخضر، تتمتع بتأثير منبه ومحفز للجسم؛ ومن ثمّ يُفضل ألا يتم تناولها خلال فترة المساء.

وأردف المعهد أن التدخين يؤثر بالسلب في مسار النوم ليلاً، محذراً من ممارسة نوعيات الرياضة المجهدة، قبل الخلود إلى النوم بشكل مباشر. أما إذا لم تُجدِ كل هذه النصائح نفعاً، فأشار المعهد الألماني إلى أنه ربما يكون من المفيد في هذا الوقت الخضوع للعلاج السلوكي المعرفي، الذي يتعلم خلاله الشباب كيفية تغيير أنماط تفكيرهم؛ ومن ثمّ يُمكنهم التغلب على القلق والمخاوف المزعجة.

نظام ذكي

في السياق ذاته قالت شركة ويثنغز التي صنعت مجموعة من أجهزة الاستشعار الخاصة بغرف النوم، والتي تتحكم في مصباح ضوئي متغير الألوان إنه بإمكانها إيقاظ النائمين في أفضل اللحظات. وكشفت ويثنغز عن نظام أورا "للنوم الذكي" عشية افتتاح معرض الإلكترونيات الاستهلاكية في لاس فيغاس بالولايات المتحدة.

وينزلق أحد أجزاء هذا النظام تحت الفراش لدراسة أحوال النائمين بينما يقوم آخر بالكشف عن البيئة المحيطة في غرفة النوم. وهذا النظام هو الأول من بين أكثر عن عشرة أجهزة تتعلق بالنوم من المقرر إطلاقها خلال هذا الحدث. لكن أحد الخبراء حذر من أنه من المبكر للغاية معرفة مدى الفارق الذي يمكن أن تحدثه هذه الأجهزة على صحة المشترين.

ويتألف نظام أورا من ثلاثة أجزاء: يحتوي النظام على جهاز استشعار ببطانة ناعمة ينزلق تحت الفراش، وتقول الشركة إنه بإمكانه تسجيل حركات الجسم ودوائر التنفس ومعدل ضربات القلب. ويضم أيضا جهازا آخر يجب وضعه بالقرب من السرير، يحتوي على خواص استشعار من شأنها دراسة مستويات الضوضاء ودرجة حرارة الغرفة ومستويات الضوء، ويحتوي هذا الجهاز على ساعة وسماعة تشغل أصوات الإنذار ومصباح دائري (إل إي دي). أما الجزء الثالث في هذا النظام هو عبارة عن تطبيق للهاتف الذكي يتحكم في النظام ويقدم نتائج عن الليلة التي قضاها النائمون.

يتغير لون الضوء من الأزرق إلى الأصفر والأحمر خلال ساعات الليل استنادا إلى البحث الذي يقول إن موجات الضوء المختلفة يمكنها أن تؤثر على إفراز الهرمونات. وأشارت دراسات إلى أن الضوء الأزرق يحفز عمل ما يعرف بخلايا الميلانوبسن، وهي صبغة موجودة في الخلايا في شبكية العين، والتي ترسل نبضات عصبية لأجزاء من المخ يعتقد بأنها المسؤولة عن إحساس الشخص باليقظة.

ويعتقد أيضا بأن الضوء الأزرق يخمد هرمون الميلاتونين الذي تفرزه الغدة الصنوبرية في الدماغ وتجعل الشخص يشعر بالنعاس حينما تزيد مستوياته في الدم. ومن خلال تغيير لون الضوء من الأزرق إلى الأحمر، عبر مرحلة في المنتصف تمر باللون الأصفر أو الأبيض، فإن هذه العملية يجب أن تسير في الاتجاه المعاكس لتشجع على الشعور بالنعاس. وقامت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا سابقا بدراسة هذه الظاهرة، وأعلنت اعتزامها تركيب نظام للضوء المتغير في المحطة الفضائية الدولية التابعة لها في عام 2016. ومن المقرر إطلاق نظام ويثنغز بسعر 299 دولار أمريكي.

وقال بريان بلاو المحلل في شركة غارتنر للاستشارات التقنية إن تراجع سعر مكونات النظام يشجع الشركات على طرح أنظمة لتتبع النوم، لكن المستهلكين يجب أن يتوخوا الحذر بشأن المزاعم التي تتحدث عن فوائد هذه الأنظمة. وأوضح بلاو أن "توفير بيانات لمساعدتك على فهم أنماط النوم يمكنها أن تساعدك على التغلب على المشاكل المتعلقة بها". لكنه استطرد قائلا "إن السؤال المطروح هو إلى أي مدى سيكون كل نوع من هذه الأجهزة مفيدا". بحسب بي بي سي.

وأضاف "لأنها (أجهزة) جديدة تماما ولا يوجد بعد سوق كبير لها، أعتقد بأنه يبنبغي عمل إنجاز العديد من الدراسات والتجارب للتعرف بالضبط على الأشياء التي سيتم مراقبتها (من خلال هذا النظام)، ما هي الطريقة المثلى لتحليل البيانات التي تنتج عن هذه المراقبة وكيف يمكن تقديم نتائج جيدة لمن يستخدمونها".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27/آذار/2014 - 24/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م