افريقيا الوسطى.. عنف جارف يفجر كارثة إنسانية

 

شبكة النبأ: باتت افريقيا الوسطى ثكنة عنف وفوضى على حافة الإبادة، حيث تسببت اعمال العنف هذه في اندلاع ازمة انسانية غير مسبوقة نتيجة تفشي الانتهاكات الحقوقية والإنسانية بسبب العنف الطائفي وهذا الامر سيجعل البلاد تحت ديمومة الخطر على المدى البعيد.

فلا تزال هذه جمهورية الإفريقية وعلى الرغم من انتشار القوات الفرنسية وقوى حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، تعيش حالة من الفوضى وعدم الاستقرار الأمني بسبب الصراع الدموي وارتفاع وتيرة العنف الذي تسبب بقتل وتشريد الكثير من السكان، وأسهمت بخلق أزمة إنسانية خطيرة هي اليوم محط اهتمام كبير لدى الكثير من المؤسسات الإنسانية التي تخشى تفاقم تلك المشكلة، التي اعتبرها الكثير من المراقبين كارثة إنسانية بكل المقاييس.

بينما عبرت المنظمات الحكومية وغير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان عن قلقها من قمع الذي يستهدف المسلمين في هذا البلد، وتسببت عمليات التطهير العرقي التي تشهدها البلاد الى مقتل ونزوح أكثر من مليون شخص من بين مجموع سكان يصل عددهم إلى أربعة ملايين، من منازلهم وسط تردي الأوضاع المعيشية وانتشار الأوبئة والأمراض. وفقا لمنظمة أطباء بلا حدود، وهي واحدة من المنظمات الإنسانية الحاضرة في بعض المناطق، فإن الحاجة ماسة إلى المياه الصالحة للشرب، والغذاء، والرعاية الطبية. فالكثيرون يموتون بسبب قلة الحال وضنك العيش ومن المؤكد أن تزداد الأوضاع سوءاً بسبب استمرار انعدام الأمن وأعمال العنف.

وفيما يخص اخر التطورات فقد قال مسؤولون بالصليب الأحمر إن تسعة أشخاص على الاقل لاقوا حتفهم في اشتباكات جديدة تشهدها عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطى وذلك بعد مرور عام على تمرد وانقلاب اغرقا البلاد في اتون فوضى. وقتل آلاف الأشخاص منذ ان استولى متمردون من ائتلاف سيليكا الشمالي الذي يغلب عليه المسلمون على السلطة قبل عام وشنوا حملة نهب وتعذيب وقتل قابلتها موجة من العمليات الانتقامية من ميليشيا مسيحية.

وقال انطوان مباو بوجو رئيس الصليب الأحمر المحلي "رفعنا بالأمس ست جثث. سجلنا اليوم سقوط ثلاثة قتلى وسط استمرار أعمال العنف." وأضاف أن 28 شخصا قتلوا وأصيب 27 خلال اشتباكات الاسبوع الماضي. ونشرت فرنسا 2000 جندي من قواتها في مستعمرتها السابقة لدعم بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي والبالغ قوامها 6000 فرد لكن هذه القوات لم تتمكن من انهاء العنف في الدولة البالغ عدد سكانها 4.5 مليون نسمة. بحسب رويترز.

وتقدر الأمم المتحدة أن نحو 650 الف شخص نزحوا داخل البلاد في حين فر قرابة 300 الف اخرين إلى دول مجاورة. وفي حين توقفت على الأرجح المذابح الكبيرة بفضل القوات الاجنبية فإن عمليات القتل تتواصل بشكل يومي من قبل الميليشيا المسيحية وتستهدف في الاغلب مسلمين ومتمردين سابقين من سيليكا. ودفعت الهجمات عشرات الآلاف من المسلمين للفرار من بانجي وجنوب البلاد وغربها.

مقاضاة القتلة

في السياق ذاته قال رئيس لجنة تحقيق للأمم المتحدة إن اللجنة تحاول تحديد من يجب مقاضاتهم على أعمال القتل والجرائم الأخرى في جمهورية أفريقيا الوسطى من أجل إنهاء إراقة الدماء التي أثارت المخاوف من إبادة جماعية. وقد قتل آلاف الأشخاص منذ استولى متمردو السيليكا الذين يغلب عليهم المسلمون على السلطة قبل عام ووقعت أعمال نهب وتعذيب وقتل في البلاد.

وقال برنارد آشو مونا الذي يرأس لجنة التحقيق التي شكلتها الأمم المتحدة في إفادة صحفية "نريد أن نقدم إلى مجلس الأمن ملفا كاملا حتى يمكن اتخاذ الإجراءات المناسبة." وأضاف قوله "شهدت جمهورية أفريقيا الوسطى الكثير من الانقلابات. وكانت بعد كل انقلاب تحدث مصالحة ولا يجري محاسبة أحد وفي النهاية نجد أناسا في مجلس الوزراء في الحكومة وأيديهم ملطخة بالدماء ولم يكن هذا الوضع مفيدا قط." وقال مونا -وهو قاض سابق في الكاميرون- إن بعثة محققي الأمم المتحدة ستصل بانجي للبدء في استجواب ضحايا العنف من المسلمين والمسيحيين وكبار المسؤولين السياسيين والعسكريين وجماعات النشطاء.

وأضاف قوله إنهم سيضعون قائمة للمشتبه بهم لتقديمهم للمحاكمة في نهاية المطاف وانها ستعرض على القوى العالمية في وقت لاحق من هذا العام ويكونون على اتصال ايضا مع لجنة تحقيق أولية للمحكمة الجنائية الدولية. وقال "دورنا هو السير نحو إرساء القانون ومقاضاة الذين ارتبكوا جرائم." وقال إنه يأمل أن يبعث التحقيق بإشارة إلى من يقومون بما يسمى "دعاية الكراهية" بضرورة عدم الشروع في المزيد من العنف.

وأضاف "سمعنا أيضا تقارير عن إبادة جماعية. لكن شيئا واحدا استطيع ان اقوله لكم من تجربتي في رواندا هو أن هناك بالتأكيد مسألة الدعاية.. دعاية الكراهية وعادة ما تكون علامة سيئة جدا عندما يقولون دعاية." وقال مونا "لا ننتظر لحين ارتكاب إبادة جماعية ثم نطالب بملاحقة قضائية. أعتقد أن من تكليفنا أن نرى كيف يمكن للمرء أن يوقف أي تقدم نحو الإبادة الجماعية." وقال مونا أن اللجنة ستقضي أسبوعين في جمهورية أفريقيا الوسطى وتدرس دور تشاد في العنف. بحسب رويترز.

ومنذ استقالة زعيم سيليكا ميشال جوتوديا من منصب الرئيس المؤقت للبلاد في يناير كانون الثاني تحت ضغط دولي كثفت ميليشيا مسيحية عملياتها الانتقامية ضد المسلمين. وقالت فاليري آموس منسقة المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة إنه بقي أقل من ألف شخص من بين أكثر من 100 ألف مسلم كانوا يعيشون في العاصمة بعد حملة من اعمال العنف شنتها ميليشيات مسيحية. وناقش مجلس الأمن الدولي في وقت سابق اقتراح تشكيل قوة لحفظ السلام من 12 الف فرد لكنه لم يتوصل إلى قرار.

اللاجئون يغمرون الكاميرون

على صعيد متصل فر ما يقرب من 130,000 لاجئ من جمهورية أفريقيا الوسطى إلى الكاميرون، وأصيب الكثير منهم بجراح خلال الهجمات أو بالجفاف أو بصدمات نفسية، بحسب المسؤولين المحليين وعمال الإغاثة الذين يكافحون للتكيف مع سرعة التدفق. وأصبح واحد من كل خمسة من سكان جمهورية أفريقيا الوسطى نازحاً، سواء داخلياً أو في البلدان المجاورة.

ولا يوجد سوى عدد قليل جداً من وكالات المعونة التي تستجيب لاحتياجات النازحين، ولم يتلق العديد من الوافدين أي لوازم للمأوى، أو مواد غير غذائية، أو طعام، أو غيرها من المساعدات. وقال يان ليليفرييه، الممثل التشغيلي لغرب أفريقيا في منظمة أطباء بلا حدود (MSF)، أن المشكلة تكمن في عدم تأهب وكالات المعونة في الكاميرون، فضلاً عن تأخر وبطء الاستجابة على الأرض.

وأضاف أن "مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي ينبغي أن تتولي المسؤولية، استغرقت وقتاً طويلاً لتعبئة مواردها وتنسيق الاستجابة. وعلى أية حال، هناك نقص في الشركاء المنفذين". ونتيجة لذلك اضطرت منظمة أطباء بلا حدود لتغطية أنشطة أكثر من المتوقع، وتلبية احتياجات النازحين جزئياً في معسكرين وبعض المستوطنات المحيطة بهما.

وتشير التقديرات إلى أن حوالي 30,000 لاجئ وعائد قد فروا إلى المنطقة الشرقية، حيث يقيمون في البلدات الحدودية التالية: غاروا-بولاي، وكينزو، ويوكادوما، ويعيشون في ظروف بائسة وينامون تحت الأشجار والشاحنات والخيام، التي قدمت بعضها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والبعض الآخر صنعه اللاجئون. وتتم استضافة الآخرين في منازل السكان المحليين، الذين يرتبط بعضهم بصلة قرابة باللاجئين، على عكس البعض الآخر.

وقالت عمدة البلدة، استير يافو ندوي أن"غاروا-بولاي وقعت تحت ضغط شديد من قبل مجموعات مختلفة من اللاجئين، والوضع بدأ يخرج عن السيطرة. إن أعداد اللاجئين تفوق قدرة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والصليب الأحمر ومنظمة أطباء بلا حدود، والمستشفى الحكومي الوحيد يعج بالمرضى".

وتجدر الإشارة إلى أن جميع اللاجئين تقريباً - 90 بالمائة، وفقاً لتقديرات المفوضية - من المسلمين الفارين من الهجمات التي تشنها جماعات مكافحة البالاكا التي تواصل ترويع المجتمعات المسلمة في جمهورية أفريقيا الوسطى. ومكافحة بالاكا، التي يعني اسمها تقريباً "المضاد للمنجل"، هي ميليشيات تعارض مقاتلي السيليكا السابقين الذين يشكل المسلمون غالبيتهم، والذين كانوا ينتمون إلى تحالف سيليكا الذي استولى على السلطة في مارس 2013.

وتقوم المفوضية والصليب الأحمر الكاميروني بتسجيل اللاجئين تمهيداً لنقلهم إلى مخيم في مبورغوين، التي تبعد 50 كيلومتراً عن غاروا-بولاي، ولكن هذا الموقع يخلو تقريباً من الخدمات الأساسية. لا يوجد به سوى بئرين فقط ومدرسة واحدة، وهي لا تعمل. وتقع أقرب عيادة صحية على بعد 27 كيلومتراً من المخيم، وسوف يتطلب بدء تشغيلها الكثير من العمل.

من جانبه، بدأ برنامج الأغذية العالمي بتوفير الغذاء لـ27,000 لاجئ يعيشون في المخيمات التي أقيمت في مبورغوين ولولو. كما يدعم العيادات الصحية الحكومية لعلاج الأطفال المصابين بسوء التغذية. واعترف فابيان بومبي، المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي بالحاجة إلى المزيد من المساعدة، لاسيما بالنسبة لأولئك اللاجئين الذين لا يعيشون في مخيمات، وأكد أن برنامج الأغذية العالمي سيقوم بتوسيع نطاق استجابته لتوفير الغذاء لنحو 70,000 لاجئ.

من ناحية أخرى، يروي الرجال والنساء في غاروا-بولاي قصصاً متشابهة عن أفراد أسرهم الذين قُتلوا على أيدي ميليشيات مكافحة البالاكا. وقال جون ايروين، رئيس منظمة أطباء بلا حدود في الكاميرون: "لقد تغيرت حياتهم كلياً أو دُمرت من جراء ما يحدث في جمهورية أفريقيا الوسطى، وهم مصابون بصدمة نفسية". وصل سالي أبو بكر، الذي يبلغ من العمر 35 عاماً، وهو مواطن من قرية يالوكا في جمهورية أفريقيا الوسطى، إلى غاروا-بولاي داخل شاحنة حاوية وقال: "لقد قتلت ميليشيات مكافحة البالاكا ابني شادو وأخي في يالوكا. وهربت أنا مع زوجتيّ وأطفالي العشرة".

وفي حديث اخر قال شايبو البالغ من العمر 35 عاماً، وهو أيضاً أب لعشرة أطفال: "لقد فقدت والدي وكل متعلقاتي ومتجري عندما جاءت ميليشيات مكافحة البالاكا وضربوا الناس ونهبوا جميع المنازل. وأثناء هروبنا على الطريق، أوقفنا المزيد من الرجال وأخذوا كل الأموال التي تبقت معنا".

وقالت فاديماتو، التي تبلغ من العمر 23 عاماً، "توفي زوجي خلال مشاجرة عندما حاول منع ميليشيات مكافحة البالاكا من طردنا من المنزل. طعنه رجلان بالسكاكين في صدره، وهربت مع أطفالي". وروت حواء، التي تبلغ من العمر 70 عاماً، أن حفيدتها تعرضت للاغتصاب من قبل رجلين في قرية بارو. ومنذ ذلك الحين، أصبحت فاترة الهمة. "وصلنا إلى هنا منذ أسبوع، ولكنها تنام كل يوم،" وهي تبكي.

وقال مامادو ذو الـ13 ربيعاً: "جئت إلى هنا مع أبي وأمي وأخواتي. ننام في خيمة بناها والدي". وأضاف أنه عندما يشعر بالجوع، يتسول الطعام في القرية ويجلب ما يستطيع جمعه لوالديه وشقيقاته. كما أخبر اللاجئون أن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والصليب الأحمر الكاميروني يقومان بتوزيع المواد الغذائية على الأسر، ولكن الكميات الموزعة لا تكفي الجميع. "ليس لدينا ما يكفي من الطعام ولا نملك مالاً. أعطونا الخيام والحصير والمواد الغذائية، ولكنها لا تكفي الجميع.

وقال محمد هاشم، مدير مستشفى منطقة غاروا-بولاي، الذي يستقبل أكثر من 150 لاجئاً يومياً منذ يناير الماضي، أن العديد منهم كانوا مصابين بجروح ناجمة عن الاشتباكات مع ميليشيات مكافحة البالاكا عندما وصلوا. ويشعر معظمهم بالإجهاد. وأضاف أن "كثيرين منهم لا يأكلون جيداً، ولا ينامون كثيراً، ولا يحصلون على قسط كاف من الراحة". "إننا نعالج حالات سوء التغذية، وأمراض الجهاز التنفسي، والاسهال، ومشاكل الجهاز الهضمي، والتقيؤ والملاريا. ولقد أجريت عمليات جراحية لمرضى مصابين بجروح سببتها بنادق ومناجل، ونساء يعانين من مضاعفات الحمل.

من جانبه، أشار ديريجي تيريف من الهيئة الطبية الدولية إلى أن الكوليرا والتهاب السحايا من المخاطر التي ينبغي الاحتراس منها. "يعيش اللاجئون والسكان المحليون الآن في بيئة متربة وجافة، وذات كثافة سكانية عالية وظروف مناخية قاسية،" كما أوضح، مؤكداً أن كلاً من الكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى تقعان في حزام التهاب السحايا الأفريقي. وفي السياق نفسه، تتولى منظمة أطباء بلا حدود مساعدة المنطقة الصحية المحلية عن طريق تشغيل العيادات المتنقلة التي تقدم المساعدة الطبية الطارئة في المدن والقرى على طول الحدود. وتعالج حوالي 70 شخصاً في اليوم الواحد.

ومن الجدير بالذكر أنه لا يوجد في مستشفى المقاطعة سوى سبع ممرضات، وهاشم هو الطبيب الوحيد. وأكد هاشم قائلاً: "قدرتنا على التصدي للمشاكل الصحية المتزايدة في هذا المجتمع ضئيلة جداً... في شهر فبراير وحده، استقبلنا 3,600 مريض. إن وكالات الإغاثة تأتي، ولكنها لا تصل دائماً في الوقت المناسب، وهياكلها مؤقتة فقط".

وتتمركز قوات من فرنسا وبعثة الدعم الدولية بقيادة أفريقية في جمهورية أفريقيا الوسطى (MISCA) على الحدود مع الكاميرون لمنع هجمات الميليشيات، بما في ذلك الهجوم على الجماعات التي تحاول الفرار. كما أمنت الطريق من بانغي عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى إلى الكاميرون، ويقول البعض أن هذا سوف يشجع على المزيد من تحركات اللاجئين في الأسابيع المقبلة.

وقال ملازم في الجيش الفرنسي في جمهورية أفريقيا الوسطى أن "الأمن يتحسن، ولكن التنقل داخل البلاد لا يزال خطيراً". واشتكت بعض مجموعات النازحين في الكاميرون من أن القوات لا تفعل ما يكفي لحمايتهم أو لتضييق الخناق على مكافحة البالاكا. وأفاد أحد اللاجئين في غاروا-بولاي أن "قوات بعثة الدعم الدولية بقيادة أفريقية في جمهورية أفريقيا الوسطى ترى ميليشيات مكافحة البالاكا توقف السيارات وتعتدي على الناس، لكنها لا تفعل شيئاً. اصطحب قوات بعثة الدعم الدولية بقيادة أفريقية في جمهورية أفريقيا الوسطى والجيش الأبيض سيارتنا، ومع ذلك تم إيقافها وأخذ أموالنا منا".

وفي سياق متصل، يشعر المسؤولون الأمنيون في الكاميرون بالقلق إزاء التدفق غير المنضبط للاجئين من جمهورية أفريقيا الوسطى. وقال نغوتا كويكي قائد السرية 123 مشاة الكاميرونية في غاروا-بولاي أن تحديد وتسجيل اللاجئين قبل تسليمهم إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين "لا يزال يشكل تحدياً كبيراً للسلطات". وأضاف "نحن نفتش كل شاحنة وجميع الأشخاص الذين يعبرون الحدود لضمان عدم تهريب أسلحة نارية إلى الكاميرون، ولكن هذا ليس سهلاً بسبب عدم وجود خط حدود واضح بين الكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى". بحسب شبكة إيرين.

والجدير بالذكر أن العديد من اللاجئين القادمين إلى الكاميرون ينتمون إلى أفراد عرقية مبورورو الأصليين من بلدات بوشامبيلي وبوار ويالوكا في غرب وشمال جمهورية أفريقيا الوسطى، والذين كانوا مستهدفين نظراً لامتلاكهم الثروات والماشية. وقال شايبو، الذي ينتمي إلى مجتمع مبورورو، "إننا نشعر بقدر أكبر من الأمان في الكاميرون، على الرغم من أننا أتينا إلى هنا خاليي الوفاض".

إعادة الميليشيات

من جانب اخر دعت حكومة جمهورية أفريقيا الوسطى المواطنين في العاصمة بانغي إلى إلقاء أي أسلحة يحملونها وانتظار برنامج التسريح. كما أفادت أنها تدرس حالياً خطة لإعادة مقاتلي مكافحة البالاكا الذي جاؤوا إلى بانغي من الأرياف إلى ديارهم. غير أن الشكوك تنتاب الاتحاد الأفريقي والقادة العسكريين الفرنسيين بخصوص خطط غير مؤكدة لوضع بعض منهم في مخيمات. وكان وزير الدفاع ثيوفيل تيمانغوا قد طلب من الناس في بيان "إلقاء أسلحتهم دون قيد أو شرط وانتظار برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج".

وأخبر وزير آخر يدعى غاستون ماكوزانغدا أن بعض أفراد مكافحة البالاكا القادمين من المناطق الريفية "مستعدون لمغادرة" العاصمة، وأن الحكومة تريد مساعدتهم للعودة إلى قراهم. وأضاف قائلاً: "لكنهم أثاروا مشكلة كيفية عودتهم للعمل في الحقول ...إنهم بحاجة للنقل، كما أنهم بحاجة أيضاً للمعدات الزراعية، ولكن بالتأكيد باستثناء المناجل. تقوم الحكومة بمناقشة هذا الموضوع وهي تنوي إيجاد حل لهم".

ومكافحة البالاكا (التي تعني "مقاومة المنجل"، كما يعني المصطلح أيضاً "ضد الرصاص") هي وحدات دفاع ذاتي تشكلت لمواجهة تحالف السيليكا الذي يتألف من الجماعات المتمردة ذات الغالبية المسلمة التي أطاحت بالرئيس فرانسوا بوزيزيه في مارس 2013. وقد نسبت فظائع واسعة النطاق لكلا المجموعتين. وكانت مكافحة البالاكا قد اقتحمت مدينة بانغي في أوائل ديسمبر ومنذ ذلك الحين لم يتبق إلا بضع مئات من أصل 130,000 مسلم فروا من العاصمة التي كانوا يعيشون فيها.

وقال أحد قادة مكافحة البالاكا، ويدعى يواكيم كوكاتي، والذي يقدم المشورة الآن للحكومة الجديدة المؤقتة عن المجموعة: "سنجد موقعاً حيث يمكننا تجميعهم، ومن ثم إرسالهم إلى ديارهم". وأضاف: "لا أستطيع أن أحدد كم سيكون العدد، ولكن التسجيل جار حالياً في كل منطقة من العاصمة". وقد يحتاج الأمر نوعاً من الإغراء، استناداً إلى الآراء التي يعبر عنها بعض عناصر مكافحة البالاكا الذين يقيمون الآن في ظروف بدائية في ضواحي بانغي. فقد قال رجل أنه يأمل في الحصول على شكل من أشكال "التعويض" مكافئة على "تحرير" بانغي من السيليكا.

وأضاف قائلاً: "لقد قام السيليكا بقتل والدي وسرقة ماشيتنا التي يبلغ عددها 40 رأساً. لهذا السبب انضممت إلى مكافحة البالاكا. وإذا قامت الحكومة بوضعنا في المخيم، وقامت بلفتة رمزية تجاهنا، يمكنني عندها العودة إلى مزرعتي". أما أحد رفاقه، الذي قال أن أفراد السيليكا قاموا بشق بطن شقيقته الحامل وتدمير منزله وسرقة زورقه، فيقترح تعويضه مالياً لشراء زورق وشباك صيد جديدة كحزمة تسريح كافية.

وأخبرت امرأة شابة أن أفراد السيليكا قتلوا زوجها لأنه كان يرتدي قميص تي شيرت رسم عليه صورة بوزيزيه، وقالت أنها تأمل أن تساعدها الحكومة على إعادة فتح عملها لبيع الشعر المستعار. لكن الحكومة تمتلك القليل من المال للإنفاق على حزم التسريح أو إعادة الإدماج، وقد لا يكون المانحون الذين تعتمد عليهم مستعدين في المساهمة بأي شيء على الإطلاق لعناصر تعتبر خارجة عن القانون.

وكل يوم تقريباً، تفيد التقارير الإذاعية المحلية بوقوع عمليات سطو مسلح واقتحام من قبل أفراد مكافحة البالاكا. ووصف قائد القوات المسلحة التابعة للاتحاد الأفريقي في جمهورية أفريقيا الوسطى، الجنرال سيمون مارتن تومينتا في مؤتمر صحفي عقد مؤخراً أفراد مكافحة البالاكا بأنهم "قطاع طرق و" وأنهم لم يفوا بوعودهم أبداً على عكس أفراد تحالف السيليكا.

أما بالنسبة للجنرال فرانسيسكو سوريانو، قائد قوات سانغاريس، وهي بعثة حفظ السلام الفرنسية في جمهورية أفريقيا الوسطى، فإن مكافحة البالاكا "لم يحرروا شيئاً". وبالتالي فليس هناك أي أساس، وفق قوله، لنقلهم إلى مخيمات في انتظار عودتهم إلى ديارهم. من ناحية أخرى، يقيم مقاتلو السيليكا حالياً في مخيمات تشرف عليها قوات حفظ السلام الدولية. وقال سوريانو أن هذا كان ممكناً لأننا "نعرف من هم. ولكن من هم مكافحة البالاكا؟ من هو المسؤول عنهم؟" "لديك زعيم يعلن أن لديه 25,000 فرد تحت إمرته وآخر يعلن أن لديه 30,000 فرد. أين سنأوي 55,000 شخص؟ وإذا قمنا بوضعهم في مخيمات، سنصبح مسؤولين عنهم - فيما يتعلق بالحماية والتغذية والرعاية الطبية وضمان أن لهم مستقبل في البلد؟"

وبينما قال كوكاتي، الذي يصف نفسه بأنه "منسق عسكري" أنه على استعداد لتولية الحكومة مسؤولية المقاتلين الذين يأتمرون بإمرته، تقول بعض الروايات أن زعيم مكافحة البالاكا المنافس باتريس إدوارد نجايسونا - والذي صدرت مذكرة اعتقال بحقه - قد اشترط عودة بوزيزيه إلى الرئاسة لامتثال رجاله. وأشار الوزير ماكوزانغدا إلى أنه سيكون من الصعب تحديد من بالضبط ينبغي أن يستفيد من أي إجراءات تسريح لأن "الجميع تقريباً يقولون أنهم من مكافحة البالاكا". وبالتالي فمن المستحيل تقريباً تحديد أعداد المستفيدين المحتملين. وقال صحفي محلي أن أقل من ألف فرد من مكافحة البالاكا من المناطق الريفية موجودون حالياً في بانغي.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، اندلعت معارك في بلدة بربراتي الغربية عندما حاولت الشرطة وقوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الافريقي نزع سلاح أفراد مكافحة البالاكا هناك. ومنذ ذلك الحين، تسود حالة من التوتر بين الطرفين، وتفيد التقارير بوصول تعزيزات لمكافحة البالاكا مرسلة من قبل نجايسونا، ولكن مع إعطاء أوامر لهم بعدم مواجهة قوات الاتحاد الافريقي.

وبعد زيارة بربراتي على رأس وفد من وكالات الأمم المتحدة، قال كواسي لازار إتيان، منسق الشؤون الإنسانية المؤقت في البلاد: "لتحقيق النجاح في نزع السلاح يجب عادة وضع الجماعة المسلحة في المخيمات. من وجهة نظري هناك حاجة لاتخاذ قرار على مستوى رفيع بخصوص إمكانية إعادة تجميع أفراد مكافحة البالاكا لنزع سلاحهم". بحسب شبكة إيرين.

ومن الصعوبات التي ستواجه نزع سلاح وتسريح أفراد مكافحة البالاكا في السياق الحالي الصلات الوثيقة لتلك الميليشيات مع القوات المسلحة لجمهورية أفريقيا الوسطى. وحسب بعض التقديرات فإن معظم أفراد القوات المسلحة (الذين تقدر أعدادهم بما يصل إلى 8,000 جندي) هم أيضاً أفراد في مكافحة البالاكا. وقال الباحث المتخصص في منطقة وسط أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية تييري فيركولون أن هناك مخاطر من تحول مكافحة البالاكا إلى ما يشبه ميليشيات الماي ماي الكونغولية التي تقوم باستغلال السكان واضطهادهم في كثير من الأحيان بالتعاون مع قوات الأمن الوطني.

صواريخ ليبية

من جانب اخر لا يزال تهريب الاسلحة من ليبيا الى الدول المجاورة خصوصا تشاد ومالي وتونس، يثير قلق الامم المتحدة التي يحقق خبراؤها في تهريب صواريخ محمولة مضادة للطيران الى جمهورية افريقيا الوسطى. وبحسب التقرير النهائي لهؤلاء الخبراء المستقلين المكلفين مراقبة تطبيق العقوبات على ليبيا وخصوصا الحظر على الاسلحة، فان "المخاوف من تمكن مجموعات ارهابية من امتلاك هذه الاسلحة (وخصوصا صواريخ اس ايه-7بي) اصبحت ملموسة".

واوضح التقرير ان مجموعة الخبراء "حصلت على الدليل بشان عمليات نقل صواريخ ليبية محمولة ارض-جو الى اربع دول مختلفة هي تشاد ومالي وتونس وربما جمهورية افريقيا الوسطى (وهناك تحقيق يجري بشان الحالة الاخيرة)". والاسلحة التي تم العثور عليها في مالي وتونس في 2013 "تشكل بوضوح جزءا من ترسانة مجموعات مسلحة"، وفقا لهذا التقرير. واوضح الخبراء انه تم العثور في تشاد ولبنان ومالي وتونس على "انظمة كاملة" لصواريخ منقولة ارض-جو قادرة على اسقاط طائرات تحلق على علو منخفض. واشار المحققون ايضا الى "محاولات" لتزويد المعارضة السورية بهذا النوع من الاسلحة انطلاقا من ليبيا.

لكن في ما يتعلق بجمهورية افريقيا الوسطى، فان الخبراء لم يعثروا في الوقت الراهن على نظام اطلاق متكامل. وعلى الرغم من جهود الحكومة الليبية لتوفير الامن لمخزونات الصواريخ المحمولة، اعتبر الخبراء ان "الالاف من هذه الاسلحة لا تزال متوفرة في ترسانات تشرف عليها مجموعة واسعة من الفاعلين غير الحكوميين الذين لم يقيموا اي علاقات مع السلطات الوطنية الليبية"، وبتعبير اخر، صواريخ ظهرت بعد الثورة الليبية التي اطاحت بنظام العقيد معمر القذافي. بحسب فرانس برس.

فبعد سقوط نظام معمر القذافي في تشرين الاول/اكتوبر 2011 ومعه كل النظام الامني للدولة، كلفت السلطات الجديدة الثوار السابقين بتوفير الامن في البلاد لكنها سرعان ما فقدت السيطرة على هذه الميليشيات المتهمة بانتهاكات ضد حقوق الانسان من عمليات تعذيب وخطف واحتجاز تعسفي. وغالبية الصواريخ المحمولة ارض-جو الموجودة في ليبيا هي من طراز "اس ايه-7بي" صنع سوفياتي وانتجتها دول مختلفة في السبعينات والثمانينات. وقال التقرير ايضا "بحسب الخبراء الدوليين الذين اختبروها هذه السنة، فان بعضها لا يزال في حالة عملانية على الرغم من تاريخ صنعه".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27/آذار/2014 - 24/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م