إِقْلِيْمُ كُرْدِسْتَانَ... هَلْ يَسْرِقُ نَفْطَ الإِخْوَان؟.

(الحَلَقَةُ الأُوْلَى)

مُحَمَّد جَواد سُنبَه

 

بعدَ خطيئَةِ أَمريكا عندَ احتلالِها للعراقِ عسكرياً، ارتكبَتْ أَمريكا أَيضاً خَطايَا وكبائرَ أُخرى، بحقِّ الشَّعبِ العِراقي. فإِنَّها دَّمرَتْ كيانَ دَوّلةٍ عمرُها ثمانيةَ عقودِ مِن الزَّمَن، بكُلِّ مؤسساتِها وإِداراتِها ومَنظوماتِها. مما أَدّى إِلى فُوضَى مُستمرةٍ لحدِّ السَّاعة. وبسببِ الاستعجالِ في حَسمِ الأُمورِ، بعدَ أَنْ وضعَتْ الحربُ على العِراقِ أَوزارَها. ارتكبَ السِياسِيّونَ المؤتَلفونَ، خَطيئةَ إِقرارِ الدِّستورِ العِراقيّ. الذي تَضمَّنَتْ موادُّهُ، أَكثرَ مِن عُقدَةِ خلافٍ، جعلتْ المُكوناتِ العِراقيَّةِ، تَدورُ في دوامَةِ المشاكِل. وعلى عكسِ العَربِ، لمْ يكُنْ الأَكرادُ على عجلةٍ مِن أَمرِهِم، لإِنجازِ كتابَةِ الدِّستورِ، فقدّ كانَ لديهِم مُتَّسَعٌ مِن الوقتِ مسبقاً، الأَمرُ الّذي جَعلهُم يكتبونَ ما يريدُوهُ في الدِّستورِ، على مَهلٍ وتَرَوٍّ، فأَصبحوا الطرفَ الأَكثرَ فائدةً مِن الدِّستورِ، وهو في وَضعهِ المُتصدِّع.

كمَا زرعتْ أَمريكا نِظاماً ديمقراطيَّاً، في وطنٍ تَحدُّهُ أَنظِمَةً عربيَّةً شِموليَّةً. وفيهِ شَعبٌ تَربى ليقودَهُ شخصاً واحداً، هكذا هيَ ثقافَةُ الشَّعبِ العراقِي. والخطيئةُ الأَمريكيَّةُ العُظمَى، أَنَّها زَرعتْ النِّظَامَ الفيدراليّ، وطُبِّقَ هذا النظامُ على إِقليم كردستانَ، الحليفُ الّذي سمحَ، بانزالِ قوّاتِ الإِحتلالِ الأَمريكيّ، على أَراضيهِ فِي نيسانَ مِن عامِ 2003.

ومشكلتُنا في العراقِ يَظهرُ شكلُها المتناقضِ، في سلوكيّاتِ بعضِ السِياسيّينَ، الّذين غابَ عَن قِسمٍ مِنهُم، المشروعُ السِّياسيُّ الوَطنيُّ، لجهلهِمْ فيه، أَو لتَغاضِيهِمْ عَنه. أَمّا الجاهلُ مِنهُم فلا يَنبغي لَهُ، أَنْ ينخَرطَ في سِلكِ العَملِ السِياسيّ، ليَضعَ نفسَهُ أَمامَ مسؤوليَّةٍ أَخلاقيَّةٍ وتاريخيَّةٍ واجتماعيَّة.

وأَمّا المُتغاضي عَن المشروعِ السِياسيّ الوَطنيّ، فهو مُصغي إِلى توجيهاتٍ خارجيَّةٍ، توجهَهُ الوجهَةَ الّتي تُريدُها الجهَةُ الدَّاعمَةُ لَه. وبقَى طرفٌ ثالثٌ مُتمثِّلٌ بالعقلاءِ، مِن ذَوي الحِسِّ الوَطنيّ، وذَوي الوَعي السِياسيّ، وعلى قلَّتِهم، فعليهِم تَقعُ مَسؤوليَّةُ مُعالجةِ الأُمورِ، لتصبَّ في موردِ الصالحِ العامّ.

ومِن تعقيداتِ المشكلةِ العراقيةِ، أَنَّ غالبيةَ الشَعبِ العِراقيّ، تفتقرُ للوَعي الجَماهيريّ الكامِل والمطلوب، الّذي يؤهلُها لتصحيحِ، المَساراتِ الخاطئَةِ فِي العمليَّةِ السِياسيَّةِ، وكذلك يجعلُها داعمةً للمساراتِ السِياسيةِ الصحيحةِ فيها.

فنسبةٌ مِن الشَّعبِ العراقِي، تعتمدُ كلياً على تصوراتِ البعضِ، مِن الذين يسمونَهم بالقادَةِ والسِياسِيّين. وهذه النسبةُ تُقدِّمُ لأولئك القَادَةِ الولاءَ الأَعمى، دونَ تمحيصٍ بأَنَّ هذا القائِدَ السِياسِيّ، لا يَستندُ في تصوراتِهِ السِياسِيَّةِ، إِلى فَهمٍ سِياسِيٍّ عميقٍ، حتَى يضعَ العراقَ على المسارِ الصحيحِ، وفقاً لفهمِ تركيبتِهِ الدَّاخليَةِ، ومنظومَتِهِ الاقليميَّةِ، وعلاقاتِهِ الدُّوَليَّة. فكرَّرتْ هذهِ الجَماهيرُ العاطفيَّةِ، وبدونِ وعيٍّ مِنها، مقولَةِ نظامِ صَدَّامٍ المَهزومِ، الّتي نَصُّها (إذا قالَ صَدّامُ قالَ العراق).

والقِسمُ الآخرُ مِن الشَّعبِ العِراقيّ، مَسكونٌ بجنونِ الزَّعامَةِ، ولسانِ حالهِ يقولُ: (أَنا موجودٌ فأَنا أَحكُمْ).

وهناكَ ثُلَّةٌ قليلَةٌ مِن الشَّعبِ العِراقيّ، تَمتازُ بوعيٍّ ناضجٍ، وحِسٍّ وطنيٍّ فاعلٍ، لكنْ لا حولَ ولا قوّةَ لهُم على البَاقِين.

والقِسمُ البَاقي مِن الشَّعبِ العِراقيّ، وهُم الأَكرادُ تحديداً، انغَمسوا فِي مشروعِ قتالِ السُلطةِ، فتربَّتْ أَجيالٌ مِنهُم، يحملونَ عُنصرَ التَمَرُّدِ، وكأَنَّهُ جينٌ وراثيٌّ، يَسري فِي دِمائِهم. وعلى ضوءِ هذه الصُّورَةِ المُضْطربَةِ، الّتي لا يَجمعُها جامعٌ، ظلّتْ الأَزماتُ السِياسِيَّةِ، تَدورُ فِي فَلكِ الاسترضَاءاتِ الشَّخصيَّةِ، بدلاً مِن الحلولِ الوَطنيَّةِ. وسرعانَ ما يَختلُّ هذا التوازنُ الهَشِّ، بيّنَ الشخصيّاتِ السِياسيَّةِ، فتحتَدِمُ المواجهاتِ، وتَستعِرُ المناكفاتِ، بيّنَ رُعَاةِ الشَّعبِ. ومعَ كلِّ ذلك، تَنْأى الرعيَّةُ بنفسِها عمّا يَجري في البلادِ، لتَغُطَّ في نَوّمٍ عَميق.

وآخرُ أَزمَةٍ وليّستْ أَخيرَها، يَمرُ بِها العراقُ الآنَ، أَزمَةُ مصادقةِ مجلسِ النُوّابِ على الموازنَةِ العامَّةِ، قبلَ انتهاءِ الدَّورةِ النّيابيَّةِ، في بدايةِ نيسانَ 2014. ويَبدو للعيَانِ أَنَّها أَزمةٌ واحدَةٌ، لكنَّها في حقيقةُ الأَمرِ، أَنَّها حُبلى بأَزماتٍ أُخرى. من أَهمِّها، تدهورُ العلاقَةِ بيّنَ المركزِ وإِقليمِ كردستان. هذهِ الأَزمةُ الّتي يقودُها الاكرادُ، ستظلُّ متجددةً، لا بَصِيصَ أَملٍ في انقضائِها، لأَنَّها مبنيةٌ على مَبدأ (إِكسب وطالب بالمزيد). الأَمرُ الّذي يجعلُها، مشكلةً متجدّدةً على الدوام.

وأَحدُ محاورِ مُشكلَةِ المركزِ معَ الاقليمِ، هي كيفيَّةُ التصرُّفِ بوارداتِ النَّفطِ، الّتي يَنتجُها الإِقليم. وبعدَ أَنْ بثَّتْ فضائيَّةُ العربيَّةِ، تحقيقاً مُتلفَزاً عَن تهريبِ النَّفطِ مِن الاقليمِ، بتاريخِ 10/7/2010. صرَّحَ (في حينها) السيّدُ علي الدّباغ، الّذي كانَ النَّاطقَ الرَّسميّ، باسمِ الحكومةِ العراقيَّةِ آنذاك، واصفاً التَّقرير بقولِه:

(يُمثل وثيقة مهمة ستستفيد منها السلطات العراقية للحد من هذه الظاهرة). إِضافة لذلك فقد ورد في التحقيقِ ذاته أَنَّ: (صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، ذكرت أَنَّ واشنطن قلقة، من تهريب كميات كبيرة، من النفط العراقي إِلى إيران، واتّهم مسؤول أمريكي تحدث إلى الصحيفة، من دون الكشف عن اسمه، السلطات الكردية بكسر الحصار على إيران. وبحسب ما جاء في التحقيق، فإِنَّ مئات الشاحنات، تعبر من قرية بنجوين في كردستان العراق، إِلى إِيران محملة بالوقود، ونسبت إِلى وزير النفط العراقي عبد الكريم لعيبي، قوله إن السلطات الكردية، هي التي تتحمل المسؤولية عن التهريب)( موقع فضائية العربية 11/7/2010).

وأَخذتْ حكومَةُ الاقليمِ تَسيرُ قُدُماً، وبخطواتٍ سَريعةٍ، باتّجاهِ توقيعِ اتفاقيَّاتٍ مع شركاتٍ مختصَّةٍ، في التَّنقيبِ عن النَّفط وانتاجِهِ من أَراضِيها. منها شَركةُ (إكسون موبيل)، و(شيفرون)، و(توتال). وكردستانُ حالياً في المرحلَةِ الأَخيرةِ، مِن مَدِّ خَطِّ أَنابيبٍ مُستقِلٍ، لتصديرِ النَّفطِ إِلى تُركيَا.

وأَعلنَ (آشتي هورامي)، وزيرُ الثَّرواتِ الطَّبيعيَّةِ، فِي حكومَةِ إِقليمِ كردستانَ، حَسبما نقَلَ الموقعُ الرَسميّ لحكومَةِ الإِقليمِ، أَنَّهُ في (حالة امتناع حكومة بغداد، عن تأمين حقوق إِقليم كردستان، الواردة في الدستور الدائم، فاننا سنلجأ إِلى خطة بديلة، تقضي بتصدير نفط الإقليم، واستقطاع مستحقات، تلك الشركات من إِيراداته)(موقع انباء موسكو26/9/2013).

إِنَّ الإقليمَ يقومُ بعمليَّاتِ تَهريبِ النَّفطِ الخامِ إِلى تُركيَا وإِيران. لكنْ ظَّلَ المسؤولونَ الاكرادُ، يَنفونَ هذه الأَخبارَ، وفِي أَفضلِ الأَحوالِ يعترفونَ، بأَنَّهم يُصدرونَ النَّفطَ إِلى تُركيَا، لغرضِ تكريرهِ في مصافِيها، وإِعادَتِهِ إِلى الإِقليمِ، للاستِفادَةِ مِنهُ، لسَدِّ حاجَةِ الإِقليمِ، مِن البنزينِ والكازِ والنَّفطِ الأَبيضِ، لأَنَّهم يدَّعونَ، أَنَّ الحِصَّةَ مِن هذه المُنتجاتِ، الّتي خصّصها لهُم المركزُ، لا تَسِدُّ حاجةَ الإِقليم. (ملخصٌّ من تصريح لـ(قاسم مشختي) القياديّ في التَّحالفِ الكُردستَاني، منشورٌ على موقعِ أَنباءِ موسكو23/10/ 2013).

في 23/10/2013، عبّرَ العِراقُ، عَن عَدَمِ ارتياحِهِ مِن المَوقِفِ التُركيّ، حولَ مَوضوعِ النَّفطِ فِي إِقليمِ كردستانَ، عندما اجتمعَ السيّدُ حسين الشهرستاني، نائِبَ رئيسِ الوزراءِ لشؤونِ الطَّاقَةِ، و(فولكان بوزكر) رئيس العلاقاتِ الخارجيَّةِ فِي مجلسِ الأُمَّةِ التُركيّ. لكنَّ تُركيَا لَمْ تُغيّر سِياسَتَها في هذا المَوضُوع.

في الحلقةِ الثانيَةِ مِن هذا المقالِ، سأُكملُ الموضوعَ إِنْ شاءَ اللهُ تعَالى. وسَأَتَناولُ مَوقِفَ السيَّدِ رئيسِ إِقليمِ كردستانَ، وسِياسَتهِ إِزاءَ الحكومَةِ المركزيَّة. كما ساستعرضُ تأثيرَ الإِدارةِ الأَمريكيَّةِ، على حكومَةِ كردستانَ، ودورِها في تغييرِ المواقِفِ السِياسيَّةِ لإِدارَةِ إِقليمِ كردستَان.

* كاتِبٌ وبَاحِثٌ عِرَاقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27/آذار/2014 - 24/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م