مسلمو الروهينجا أقلية مضطهدة بلا وطن

 

شبكة النبأ: يروي مسلمون من الروهينجا الفارين من ميانمار كيف احتجز المهربون مئات منهم في شمال ماليزيا وضربوهم وحرموهم الطعام وطالبوا أسرهم بدفع فدى.

وتوحي الروايات التي استمعت إليها رويترز بأن عصابات التهريب بدأت تحول نشاطها إلى ماليزيا بعد حملة السلطات التايلاندية على مخيمات أقيمت بالأحراش قرب الحدود وأصبحت سجنا للمسلمين الفارين من الاضطهاد في ميانمار، داهمت الشرطة في ولايتي بينانج وكيداه بشمال ماليزيا منازل في الأشهر الأخيرة ونفذت حملة أمنية في فبراير شباط اكتشفت فيها أربعة من الروهينجا مكبلين بالأغلال في شقة سكنية.

لكن مقابلات أجرتها رويترز كشفت عن شبكة تهريب أوسع نطاقا بكثير مما أعلنته السلطات حتى الآن إذ يقتاد المهربون ليلا مئات الروهينجا عبر الحدود ويحتجزونهم أسرى في ماليزيا، وأغلب الضحايا مسلمون لا يحملون جنسية قدموا من غرب ميانمار حيث أسفرت الاشتباكات مع الأغلبية البوذية منذ منتصف 2012 عن مقتل مئات وأجبرت نحو 140 ألفا على الفرار إلى مخيمات يصعب العيش فيها.

وكشف تحقيق نشرته رويترز في الخامس من ديسمبر كانون الأول عن أن كثيرين من عشرات الآلاف من الروهينجا الفارين من ميانمار بحرا يسقطون في أيدي مهربين في عرض البحر وأنهم يحتجزونهم في مخيمات نائية في تايلاند قرب الحدود مع ماليزيا إلى أن يدفع أقاربهم آلاف الدولارات مقابل إطلاق سراحهم، ويتعرض البعض للضرب والقتل ويحتجز آخرون في أوضاع بائسة يعانون فيها سوء التغذية. وكشف تحقيق رويترز أن السلطات التايلاندية تعمل أحيانا مع المهربين سعيا لإخراج الروهينجا من البلاد بعد أن تكدست معسكرات احتجاز المهاجرين غير الشرعيين. بحسب رويترز.

وفي يناير كانون الثاني قالت الشرطة التايلاندية إنها أنقذت مئات من مسلمي الروهينجا من مخيم ناء في جنوب تايلاند في حملة نفذتها بعد تحقيق رويترز وإنها تتعقب "رؤساء العصابات" الذين يهربون البشر من جنوب تايلاند إلى ماليزيا دون رادع.

ويهدد تزايد معدلات تهريب الروهينجا إلى ماليزيا ذات الغالبية المسلمة بتشويه سجل البلاد في مجال مكافحة تهريب البشر والذي توشك الولايات المتحدة أن تضعه بمحاذاة سجل كوريا الشمالية، كما يبرز الأمر سهولة اختراق الحدود الشمالية لماليزيا مع دخول آلاف الروهينجا البلاد في وقت شددت فيه الحكومة موقفها إزاء الهجرة غير الشرعية.

ومع حالة البؤس التي يعانيها الروهينجا فإنهم يرون في ماليزيا أرض الميعاد التي يعيش فيها ما لا يقل عن 30 ألفا منهم بالفعل. ولا تعطيهم الدولة حقوق اللاجئين كاملة لكنها تسمح لهم بالوجود على أراضيها وتسجيل أسمائهم لدى الأمم المتحدة. واشتغل آلاف منهم في أعمال متواضعة.

شعر محمد إينوس البالغ من العمر 19 عاما بارتياح غامر عندما تخطى جدارا حدوديا ضمن مجموعة من 270 شخصا في منتصف فبراير شباط بعد نحو شهر من مغادرته ميانمار. كان ذلك ليلا وباستخدام سلمين أعطاهما المهربون لهم، وقال لرويترز "ظننت أن بإمكاني أن أكسب مالا هنا".

لكن حلم الحرية سرعان ما تلاشى. فقد تلقفته عصابة جديدة على الجانب الماليزي من الحدود وسيق هو ومن معه في سيارات فان إلى منزل نوافذه معتمة، وفور وصوله إلى هناك ضربه المهربون بعصي خشبية طويلة وهددوه بالقتل إذا لم يضمن لهم الحصول على 2000 دولار من والديه في ميانمار. وقال إينوس إن أبويه بعدما سمعا بكاءه باعا منزلهما مقابل 1600 دولار واقترضا باقي المبلغ من الأقارب، وأضاف لرويترز في 21 فبراير شباط بعد ساعات من إلقائه قرب سوق في ولاية بينانج بعد كابوس دام ثمانية أيام "لا تعبر الكلمات عن قدر ما أشعر به من أسى.

وسرد عبد الحميد -وهو ميكانيكي عمره 23 عاما- رواية مماثلة في المجمع الذي احتجز فيه أسبوعا مع أكثر من 200 آخرين في ولاية بينانج الماليزية، قال إن حوالي 16 حارسا كانوا يراقبونهم على نوبتين وكان رئيس المهربين يدعى "عبد الرزاق" وكان حسن المظهر وفي الثلاثينات من العمر وكان يركل ويضرب ويهدد المحتجزين دوما، وأضاف عبد الحميد لرويترز في كوالالمبور بعد الإفراج عنه في منتصف فبراير شباط "قالوا لا نملك مالا لإطعامكم وعليكم أن تجلبوا مالا إذا كنتم تريدون الخروج".

وتجاهد ماليزيا لمحو سجل طويل في مجال تهريب البشر. وهي بلد يفتقر للعمالة وبه ما يقدر بنحو مليوني عامل غير مسجلين ويتقاضى العاملون فيه أجورا أعلى مما يمكن أن يتقاضوه في الدول المجاورة، ويبدو أن نطاق المشكلة اتسع في الشهور الأخيرة.

قال كريس ليوا منسق مشروع أراكان لدعم الروهينجا والذي يجري لقاءات بانتظام مع من مروا بالتجربة "العدد يتزايد بالقطع ... في المزيد المزيد من الروايات التي سمعتها أخيرا كان يتم احتجازهم (الروهينجا) في ماليزيا"، وقال عدد من بين الشهود العشرة الذين استمتعت رويترز إليهم إن المهربين أبلغوهم بأنهم رشوا مسؤولي الهجرة في ماليزيا ليغضوا الطرف لدى عبورهم الحدود. ولم تجد رويترز دليلا مباشرا يثبت فساد مسؤولين ماليزيين. واعتقل خمسة من مسؤولي الهجرة عام 2009 للعمل مع عصابة لتهريب الروهينجا إلى البلاد.

قال كريم الله وهو شاب عمره 17 عاما قضى أكثر من ثلاثة أشهر في مخيمات تايلاند قبل أن يحتجزه المهربون في منزل بشمال ماليزيا "لم نر أي مسؤولين على الجانب الماليزي.. قال الوسطاء إنهم أعطوهم مالا"، ولم يرد مسؤولون من إدارة الهجرة في ماليزيا أو من مكتب رئيس الوزراء أو الشرطة في ولايتي بينانج وكيداه على طلب التعليق.

أيضا في تايلند

في سياق متصل وصل عبد الكلام، وهو روهينجي يبلغ من العمر 53 عاماً، من ولاية راخين بغرب ميانمار إلى تايلاند منذ أكثر من 30 عاماً بعد هروبه من العمل بالسخرة في قريته ناليوا، "أعلم أنني لست في آمان هنا وأشعر بقلق بالغ حيال ذلك. لقد رأيت الكثير من الناس يموتون خلال احتجازهم أو في مخيمات الاتجار بالبشر،" كما أفاد عبد الكلام المعروف جيداً داخل مجتمع الروهينجا، إذ يشغل منصب رئيس المنظمة الوطنية للروهينجا في تايلاند، وهي منظمة تناضل من أجل حقوق لاجئي القوارب الذين وصلوا إلى البلاد على مدى العشر سنوات الماضية.

وعلى الرغم من حصوله على صفة لاجئ بشكل رسمي من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين منذ ما يقرب من 10 أعوام، إلا أنه لا يستطيع بشخصه السعي لإعادة التوطين في بلد ثالث لأن تايلاند لا تعترف بالروهينجا كلاجئين، ولا توجد بيانات عن العدد الإجمالي للروهينجا في تايلاند، إلا تقارير غير مؤكدة تشير إلى أنه قد يكون هناك ما بين 3,000 و20,000 منهم. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين".

من جهته، قال كريس ليوا، مدير مشروع أراكان، وهي مجموعة مناصرة تعمل مع الروهينجا أن "الغالبية لا يريدون جذب النظر إليهم وذلك لأن أزمة القوارب جعلتهم أكثر ضعفاً وتأثراً... فقبل ذلك، لم تكن السلطات تهتم لوجودهم في تايلاند، ولكنها ترغب الآن في معرفة أماكنهم"، ووفقاً للأمم المتحدة، فر أكثر من 24,000 من الروهينجا من ميانمار بالقوارب بعد أن تسببت جولتان دمويتان من العنف الطائفي وقعتا في 2012 في تشريد ما يقرب من 140,000 شخص، معظمهم من الروهينجا.

ولطالما واجه الروهينجا، وهم أقلية عرقية ولغوية ودينية (مسلمة) يصل عدد أفرادها في راخين إلى نحو 800,000 شخص، الاضطهاد والتمييز في ميانمار لأنهم بحكم القانون عديمو الجنسية ويعتبرون مهاجرين غير شرعيين.

وقال ماثيو سميث، المدير التنفيذي لمنظمة Fortify Rights International (FRI)، وهي منظمة قانونية دولية داعمة تركز على ميانمار، أن عدم وجود بيانات موثوقة حول أعداد الروهينجا في تايلاند يسلط الضوء على كونهم مغيبين [ومهمشينٍ] وعلى افتقارهم للحماية. أما بالنسبة لكثير من الوافدين الجدد غير الموثقين رسمياً، فأماهم خياران فقط في تايلاند وهما الاحتجاز لأجل غير مسمى أو الاتجار بهم في ماليزيا.

وفي حين تمكن العديد ممن دخلوا تايلاند قبل 2009 من إقامة مشروعات صغيرة، وحتى الزواج من المجتمع التايلاندي المسلم في الجنوب، إلا أن النزوح المستمر من ميانمار قد جعل المسؤولين في تايلاند قلقين بشأن المزيد من التدفقات التي قد تؤدي إلى تضييق الخناق على الصعيد الوطني.

وقال عبد الكلام:" لقد تمكنا من التفاوض مع الشرطة من قبل. ولكن يمكن الآن اعتقال الأشخاص الذين لا يملكون أي وثائق في أي وقت، طبقاً للقانون"، وقد تم احتجاز جميع الروهينجا الذين قدموا إلى الأراضي التايلاندية في 2013 والذين يقدر عددهم بنحو 2,000 شخص، وفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن منظمة إيكوال رايتس تراست Equal Rights Trust (ERT)، وهو مركز أبحاث مختص في العدالة الاجتماعية مقره لندن.

ويعاني سجناء الروهينجا المحتجزون من الاكتظاظ والمشاكل الصحية بسبب عدم كفاية المرافق الصحية والغذاء، والانفصال عن الأسرة (حيث يقيم النساء والأطفال في الملاجئ بينما يقيم والرجال في مراكز الاحتجاز)، وفقاً للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في تايلاند.

"أنه حقاً الجحيم بالنسبة للروهينجا في تايلاند،" كما قال نيران بيتاواتشارا، أحد مفوضي الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في تايلاند، مضيفاً أنه خمسة رجال من الروهينجا على الأقل لقوا حتفهم أثناء الاحتجاز، ووفقاً لمنظمة هيومان رايتس وواتش، يتم احتجاز ما يقرب من 300 شخص في زنزانتين صممتا لاستيعاب 30 شخصاً فقط.

وتجدر الإشارة إلى أن تايلاند تعتبر واحدة من البلدان القليلة في العالم التي لا تضع حداً أقصى لمدة الاعتقال، وهو ما يؤدي إلى اللجوء لحلول غير رسمية، مثل الهروب أو تركهم للمتجرين بالبشر، وفقاً لمنظمة إيكوال رايتس تراست.

وأوضحت ديميرينا بتروفا، المدير التنفيذي للمنظمة قائلة: "يقول [المسؤولون] أن تركهم للمتجرين بالبشر أكثر إنسانية من ترحيلهم مرة أخرى إلى بورما أو الاحتفاظ بهم رهن الاحتجاز لأجل غير مسمى داخل تايلاند"، وعلى الرغم أن وسائل الإعلام المحلية قد ذكرت مؤخراً أن 1,300 روهينجي قد تم ترحيلهم إلى ميانمار خلال الأشهر القليلة الماضية، إلا أن البعض يقولون أن ما يحدث على الأرجح هو شراؤهم وبيعهم "مثل البضائع"، وفقاً لبتروفا.

وفي نهاية يناير 2014، كان 531 شخصاً على الأقل من الروهينجا محتجزين بعدما داهمت الشرطة مخيماً للمتجرين بالبشر في 27 يناير وألقت القبض عليهم. ووفقاً لمشروع أراكان، قد يكون 150 إلى 200 شخص إضافي ممن وصلوا على متن القوارب في 2013 أيضاً رهن الاعتقال.

وأضافت أن "الخيارات المتاحة أمامهم عندما يكونون تحت رحمة تجار البشر إما دفع ثمن نقلهم إلى ماليزيا حيث يمكنهم بدء حياتهم كعمال غير نظاميين، أو أن ينتهي بهم الأمر في آخر المطاف في السخرة على قوارب الصيد"، ووفقاً لعبد الكلام، فإن الوسطاء يتقاضون ما يزيد عن 2,000 دولار للشخص الواحد في الرحلة.

بدوره، قال ناي ميو أميوك، وهو أيضاً روهينجي من مدينة سيتوي في راخين يبلغ من العمر 35 عاماً عاش في تايلاند لمدة أربع سنوات، أنه فقد العديد من الأصدقاء على يد تجار البشر منذ يناير 2013. وأضاف قائلاً: "إنهم ليسوا مفقودين.... إنهم في أيدي السماسرة وقد توفي عدد منهم في المخيم. وذهب البعض إلى ماليزيا وتم اعتقالهم مرة أخرى هناك".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 26/آذار/2014 - 23/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م