أخلاقيات التغيير.. اللين

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لا يستطيع الإنسان العيش بمعزل عن الاخرين من بني جنسه، فضرورات الحياة تتطلب منه أن يتفاعل معهم، ويتفاعلوا معه، بغض النظر عن طبيعة تصرفاتهم وسلوكهم، والذي كثيرا ما يكون متفاوتا بالمقدار والكيفية بين إنسان وأخر.

صنف الباحثون في علوم النفس شخصيات الإنسان الى عدة أنماط، منها:

الشخص الودود - الشخص المتردد - الشخص العنيد - الشخص الخشن - الشخص الثرثار - الشخص البارد والبطيء - الشخص المعارض - الشخص الذي المعرفة - الشخص المتعالي - الشخص المتطلب  - الشخص الباحث عن الأخطاء.

كل شخصية من هذه الشخصيات تحتاج الى طريقة خاصة من طرق التعامل معها، لكن بالمقابل لا يستطيع كل انسان يتعامل مع هذه الأنماط ان يكون ملما وعارفا ومطلعا على تلك الطرق. ماهي الطريقة المثلى للتعامل مع الجميع بطريقة واحدة، توفر علينا الجهد والوقت، وتجعلنا نكون قريبين من هؤلاء الأشخاص؟.

انها (اللين) أو لين العريكة، التي يؤكد عليها الامام زين العابدين (عليه السلام) في دعائه المشهور (مكارم الاخلاق) والذي يتناوله بالشرح والتفسير المرجع الديني الكبير اية الله العظمى السيد صادق الشيرازي، في كتابه (حلية الصالحين).

لين العريكة كما يشرح المرجع الشيرازي، تعني (النفس والخلق، والمستفاد من استعمالاتها في الروايات طبيعة المعاشرة مع الآخرين؛ لأنّ العرك هو الدلك والتحمّل).

ولين العريكة التي يؤكد عليها الدعاء، ويؤكد عليها الإسلام، ويؤكد عليها أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، هي ان يكون الانسان المؤمن (سلس الخُلق في المعاشرة مع الناس).

اللين فضيلة أخلاقية، تنقسم من حيث التوفر عليها الى قسمين، كما يرى المرجع الشيرازي، فهي اما (أن تكون بالطبع)، وهو ما جبل عليه الانسان، وإمّا (بالتطبّع)، وهو (الأخذ والاكتساب)، وفي هذه الحالة يجب على الانسان (أن يروّض ويحمّل نفسه عليها ويتصنّعها حتى يكتسبها).

ترويض النفس على اكتساب اللين، يتبع نية الانسان في الوصول الى هذه الفضيلة، ومن يفتقد للنية، او يكون في درجات ادنى من التقوى والصلاح، يكون (كالصخرة التي يصعب التأثير فيها)، على العكس من الانسان الاخر الذي يتوفر على النية الصادقة لاكتساب تلك الفضيلة، والذي يكون في الدرجات العليا من التقوى والصلاح فهو من هذه الجهة (كالماء يأخذ شكل كلّ شيء يحتويه). وهو ما يعرف بعلوم الفيزياء بالأواني المستطرقة. حيث يتوزع الماء على جميع اشكالها بصورة متساوية، كالشخص اللين العريكة الذي يستطيع التعايش والتعامل مع جميع الناس رغم اختلاف أنماط شخصياتهم.

الانتقال من شدة العريكة، الى لينها، عملية صعبة كما يعترف بذلك السيد صادق الشيرازي، لكنه بالمقابل يوجه وينصح بـ (الرياضة والتطبّع ليتّصف بالفضائل في الأقوال والأفعال، في السرّاء والضرّاء، والشباب والشيوخ، والسفر والحضر، مع الأهل والجيران والأصدقاء بل حتى مع الأعداء).

ورغم صعوبة الاكتساب وصقل الذات، لا بدّ للإنسان المؤمن من ذلك، ولا بديل له عن إنجاز هذه المهمّة الضرورية؛ والسبب كما يرى المرجع الشيرازي (لأنّ كلّ إنسان تواجهه في الحياة عقبات وصعوبات قد يشيب الطفل من بعضها، ولكن لا بدّ له من تجاوزها لئلاّ يتحسّر على عدم التحمل في يوم لا ينفع فيه حسرة ولا ندم).

وهذه الحسرة التي يشير اليها السيد المرجع، سببها (عدم مضاعفة المؤمنين لجهودهم في الإكثار من العمل الصالح في الحياة الدنيا ليزدادوا إلى أجرهم أجراً، لذا فإنّ واحداً من مسمّيات يوم القيامة هو يوم الحسرة والندامة).

والحسرة في ذلك اليوم لا يمكن تداركها لانقطاع العمل بحلول الأجل، على العكس من حسرات الدنيا، التي (تنتهي خلال سنة أو سنوات، ونادراً ما تستغرق العمر كلّه).

يشير المرجع الشيرازي في معرض تفسيره وتحليله لفقرة اللين في الدعاء، الى أحد الأوهام التي تسيطر على الانسان، وهو وهم، ان اللين ضعف، والشدة قوة، كما درج على هذا التوهم اغلب الناس، ويعبر عنها بقوله (ولا ينبغي أن يتخيّل بأن الانسان إذا كان ليّن العريكة أُكِل، أمّا إذا كان صلباً جلب احترام الناس وهيبتهم له؛ بل العكس فإنّ لين العريكة في محلّه هو الذي يجلب القوّة والاحترام، كما أن المؤمنين إذا تحلّوا بهذه الخصلة أمكنهم أيضاً أن يكونوا دعاة للدين بصورة عملية ويكونوا خير مصداق للحديث الشريف المرويّ عن الإمام الصادق سلام الله عليه: "كونوا دعاة للناس بالخير بغير ألسنتكم".

اللين في التعامل والتوفر على هذه الخصلة هي (من أقوى أسباب التأثير في المجتمع).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 23/آذار/2014 - 20/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م