قيم التخلف: (شسوي) ماذا أفعل؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: في الحلقة السابقة من سلسلة قيم التخلف، تناولنا الجزء الاول من ثلاثية (شعليَّه/ شسوي/ شيفيد) باللهجة العامية في العراق، وترجمتها باللغة الفصحى (الامر لا يعنيني/ ماذا أفعل؟/ ما الفائدة؟)، هذه الثلاثية المتلازمة التي يرددها ويطبقها عامة الناس تقريبا في حياتهم، وهي تمثل دليلا واضحا على الروح الانهزامية الكسول، التي تتلبس معظم شرائح المجتمع في التعاطي مع حياتهم اليومية، وعندما لا يعرف الانسان، ما هو الهدف من حياته، ويبقى حائرا مترددا تائها من دون هدف واضح يسعى اليه، فإن الحياة والموت سيان بالنسبة له، بمعنى أوضح إنه انسان ميت، على الرغم من كونه لا يزال على قيد الحياة، لانه لا يعرف ما الغاية من وجوده، ولا يعرف أصلا كيف يفكر، وماذا يفعل، وكيف يتصرف مع الامور التي تعترض وجوده.

ومن بداهة القول، أن قيم التخلف تشكل منظومة مضادة لقيم التقدم، وعندما يفشل المجتمع في الحفاظ على قيم التقدم، فإن القيم المناقضة لها سوف تسود وتتقدم عليها، وتؤثر في حياة الفرد والمجتمع، فتصيبه بحالة من العجز واليأس، ليصبح مكبلا بحالة من التيه والحيرة والتردد، ازاء الاحداث التي تمر في حياته، من هنا ينبغي أن تكون اول خطوة يبادر الانسان في اتخاذها، هي معرفة الغاية من وجوده، وتحديد الهدف الواضح من حياته كي يسعى إليه، وفي هذه الحالة يتم إيقاف التأثير الكبير لقيم التخلف عليه، ونعني بها حالة التهرّب من مواجهة الحياة بسبب تعقيدها، او بسبب الظروف الصعبة التي يواجهها الانسان في هذا المجال الحياتي أو ذاك.

ومن الامور المتفق عليها، أن الحياة ليست سهلة، وهي عبارة عن قاعة امتحان جبارة شائكة التعقيد، وعلى الانسان أن يجتازها بنجاح، لذلك لا يصح أن يتعامل الفرد او المجتمع معها، بصيغة التخلي والتراجع والنكوص والتهرب من المواجهة، إن مفردة (شسوي/ ماذا افعل) تعبر عن عجز كامل لطاقة الانسان وقدراته الهائلة، وان الخلل او التعطيل الذي تتعرض له هذه الطاقة يحدث بسبب الانسان نفسه، لانه يفتقر للرؤية السليمة المتفائلة للحياة، ويفتقر للتنظيم والتخطيط للهدف، وهذه الامور كلها وغيرها تعود الى فقدان الارادة الفردية والمجتمعية، تلك الارادة التي تمنح الانسان طاقة هائلة على الانجاز، وتسنده مجموعة من القيم الراسخة المتقدمة، كي يحقق تطلعاته في الحياة.

أما الخمول والجمود والاستسلام، والتذرع بعدم القدرة على مواجهة الحياة، فهذا دليل ضعف مصطنَع، يصطنعه الانسان لنفسه، بسبب خموله وعدم الوثوق بقدراته، في حين أن الصحيح والمطلوب هو التعامل مع الطاقات الذاتية بحكمة وحنكة، يمكن للانسان ان يكتسبها بالاطلاع والدربة والتعلم، وهناك صفة اساسية اعتادت عليها المجتمعات المتطورة، وهي النزوع الى المغامرة والمواجهة من اجل الاكتشاف والابتكار، بغض النظر عن المخاطر التي قد يتعرض لها الفرد او الجماعة المغامِرة، وكلنا نعلم ان معظم الاختراعات والاكتشافات الجغرافية والعلمية وسواها، ما كان ليتم تحقيقها لو لا أن يتصدى لها افراد ابطال، وثقوا بأنفسهم وافكارهم وغامروا في المجهول، وفي النتيجة حققوا ما لم يحققه غيرهم، من مخترعات واكتشافات، كُتبت بأسمائهم التي بقيت خالدة في الذاكرة البشرية.

يحدث هذا بسبب قوة الارادة والاصرار، وحب الاكتشاف الذي يتحلى به الانسان، بعيدا عن الخمول او العجز او الاحباط، او التقليل من قدرات الذات، فالانسان في حقيقته معجزة إلهية تنطوي على قدرات هائلة، لم يتم اكتشاف سوى القليل من مؤهلاتها البايولوجية والفكرية، لذلك لا تنسجم قيمة التخلف (شسوي/ ماذا أفعل؟) مع طاقات الانسان الكامنة والكبيرة، أي لا يصح أن يصاب الانسان بالحيْرة ازاء أصعب المشكلات وأقسى الظروف، فدائما هناك مخارج وحلول طالما يتمسك الانسان والمجتمع بمنظومة القيم التي ترفض الاستسلام لواقع الحال، والقبول به، والتعامل معه كحالة ثابتة، غير قابلة للحل او التغيير، لأن الانسان نجح عبر قرون طويلة متتابعة عبر رحلته الحياتية الشاقة، في تذليل المصاعب التي واجهته في معترك الحياة، كونه كان ولا يزال يبحث عن البدائل المناسبة، ولا يستسلم للظروف أو المصاعب بغض النظر عن حجمها او مصدرها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 19/آذار/2014 - 16/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م