الإخوان في السعودية والوهابية في مصر!

جاسم محمد

 

ادرجت الرياض في 7 مارس 2014 جماعة الاخوان المسلمين على قائمة للمنظمات الارهابية والمتطرفة التي تحظر الانتماء لها او تأييدها، بحسب ما افادت وزارة الداخلية السعودية، في خطوة سبقتها إليها مصر والإمارات. وتستهدف التدابير الجديدة كل نشاط حزبي في المملكة او عبر الانترنت فضلا عن الدعوة الى الاعتصام والتظاهر، في خطوة هي الاقوى بعد ان تجنبت المملكة لدرجة كبيرة التظاهرات التي شهدتها دول "الربيع العربي". وأعلنت وزارة الداخلية أنها ستلقي القبض على كل شخص يعلن انتماءه إلى جماعة الإخوان داخل أراضيها.

إن جذور التنظيم في السعودية تعود لثلاثينات القرن الماضي، عندما رفض الملك عبدالعزيز طلب حسن البنا فتح فرع لهم في السعودية. ولكنهم مع هذا تمتعوا بنفوذ "فكري" كبير فيها، ولم يعكرها غير موقف الطرفين المتباين من حرب اليمن في بداية الستينات.[7]

بدأت هجرة الإخوان من مصر بعد انقلاب ناصر العسكري عام 1952، وتعرضهم للسجن والمضايقات، ولم تنفرج أحوالهم إلا في عهد السادات، وفي اجتماعهم الموسع عام 1971 تشكلت ملامح التنظيم الإقليمي. وانتشرت أكثر في أعقاب نكسة 1967. لكن كان الصعود الأكبر للجماعات في الثمانينات، وظلت بين مد وجزر، فانزوت الى أن أعادتهم أحداث 11 سبتمبر الى الواجهة، وزاد نفوذهم بعدها بدعم من الحكومات والمنظومات الراغبة في تمثيل اسلام معتدل. الإخوان المسلمون موجودون في السعودية كتيار فكري يؤثر ويتأثر [1] و [4].

الدولة السعودية

قامت الدولة السعودية الثالثة بقيادة عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وخلال سنوات التأسيس هذه كانت لعبد العزيز رؤيته الواضحة في إرساء دعائم الدولة الثالثة حتى تستمر ولا تسقط مثل الدولتين السابقتين. وتتلخص هذه الرؤية في التمسك بالأيديولوجية الوهابية والتسلل بها إلى مصر لتكون مصر عمقاً استراتيجياً للدولة السعودية(...). وخلالها تم تعيين المصري حافظ وهبة مستشار الملك عبد العزيز آل سعود والذى رسم له سياسته من الألف الى الياء وكذلك محمد اسد. [2]

تحول مصر الى الوهابية

بدأ انقلاب خطير منذ سنة 1926 تمثل في بداية تحويل التدين المصري الصوفي الى تدين وهابي، ليكون العمق المصري الشعبي والحضاري امتدادا للدعوة النجدية والدولة السعودية الثالثة وكان الشيخ محب الدين الخطيب ورشيد رضا وراء تسلل الفقه الوهابي الي مصر.

وبالنفوذ السعودي الذي ارساه رشيد رضا انتشرت مساجد الجمعية الشرعية، وهي الان اضخم جمعية في مصر، تسيطر على اكثر من الفي مسجد والوف الائمة الوعاظ، وملايين الاتباع وكانت ولا تزال الاحتياط الاستراتيجي للاخوان المسلمين، وهم أي الجمعية الشرعية والاخوان المسلمون-هم مادة الفكر السلفي وحركته في المجتمع المصري واعترف الشيخ حسن البنا في مذكراته (الدعوة والداعية) بصلته بالشيخ حافظ وهبة والدوائر السعودية. [7]

وكان البنا يمسك بيد من حديد بميزانية الجماعة، ولذلك فان الانشقاقات عن الاخوان ارتبطت باتهام الشيخ حسن البنا بالتلاعب المالي واخفاء مصادر تمويل الجماعة. وعن طريق الدعم السعودي استطاع البنا، وهو المدرس الإلزامي البسيط أن ينشئ خمسين ألف شعبة للإخوان في العمران المصري [2]

تحالفات الاخوان

في أعقاب استقالته من حركة الإخوان المسلمين وصف الهلباوي اتجاه حركة الاخوان المسلمين نحو الانتهازية السياسية والتنصل الميكافيلي للمبادئ والأهداف وحتى للرموز التاريخية في هذه الحركة. [5]

الانقسام الفكري والسياسي بين النظام السياسي السعودي والإخوان المسلمين متأصل في تاريخ كل منهما. رغم ان الأغلبية في السعودية تتبع الوهابية وبدعمٍ من الإتحاد السوفيتي، جعل ناصر مهمته تصدير مذهبه القومي للعالم العربي.

وهددت الناصرية بنزع الأساس المتوازن بعناية للمملكة السعودية من أسفل العائلة المالكة السعودية، بهذه الطريقة أدى انتشار الناصرية إلى تحالف غريب ومؤقت بين جماعة الإخوان المسلمين والعائلة المالكة السعودية. كان تبادل الأفكار بين المعسكرين في الغالب لا غنى عنه، حيث اشترك السلفيون وجماعة الإخوان في محاربة الناصرية المدعومة من الإتحاد السوفيتي حول العالم الإسلامي.[6]

يبدو ان الاعلام السعودي لم يعد في وسعه السكوت على التهديد الذي تفرضه جماعة الاخوان المسلمين على المملكة بتمويل ودعم سياسي واعلامي من قبل قطر وظهرت مؤخرا أصوات في السعودية تطالب برد فعل رسمي حازم على محاولات قطر الاخيرة.[3]

الخلاصة

الاخوان واغتنام الفرص

إن التجربة التي طرحتها جماعة الإخوان المسلمين ألا وهي "أن الدولة يُمكن أن تُحكم طبقًا لمبادئ إسلامية"، كانت هي الفكرة الاولى التي دعمتها حركة الاخوان المسلمين كتنظيم عالمي. ويؤكد الترابي تلك الفكرة قائلا "إن تاريخ العمل الاسلاموي في الخليج يكشف ان مهنة الاسلاميين هي اغتنام الفرص.

 وهنا لانجد الاخوان يبتعدون كثيرا عن تنظيم القاعدة والسلفية "الجهادية" التي دائما توصف بالانتهازية. لكن الفرق مابين السلفية "الجهادية" والاخوان ان السلفية تستغل فراغ السلطة وغياب الدولة اما الاخوان فهم من يتسربون باساليبهم الناعمة في اساسات الدولة من اجل الوصول الى هرم السلطة. وهي ذات الفكرة القائمة على " التمسكن " ثم التمكن ".

النهج الوهابي في مصر

لقد ركز المنهج الوهابي علي مصر فانطلق به الاخوان المسلمون المصريون من خلال سيطرتهم على الأزهر ومناهجه الدينية الي العالم العربي والاسلامي، وتحول التدين المصري من التصوف الي الوهابية على مهل خلال النصف الثاني من القرن العشرين، خصوصا بعد أن سقطت الأيدولوجية القومية والأيدولوجية اليسارية ومن هنا كانت بداية الوهابية في مصر.

واتبعت الوهابية في مصر نهج " التقية "والشعارات التي تؤكد شرعنة زج الدين بالسياسة. لذا رفعوا شعاراتهم" القران دستورنا والرسول زعيمنا " وشعار " تطبيق الشريعة " و" الاسلام هو الحل " وغيرها من الشعارات. وبدأت عندهم تكفير من عاداهم او اختلف معهم بالراي. الاخوان لا يترددون من معادات الحاكم، لذا كان العديد من سياسيي قيادات مصر هم من ضحايا الاخوان بوجهها الوهابي والاخواني ومن بين ضحاياهم احمد ماهر النقراشي والملك فاروق واحمد شاه مسعود والامام يحيى في اليمن والسادات والتآمر على حسني مبارك وحتى على العائلة السعودية. أما استخدام كلمة " زعيمنا " للرسول (ص) يعني تجاوز واضح من قبل الاخوان للدين الاسلامي بإلغاء وصف النبوة وأسلمة وشرعنة السياسية وهي بدعة لم يتجرأ طرحها الطوائف والمذاهب الاخرى وفيها تجاوز صريح على مكانة الرسول (ص).

الصحوة

وقد ظهرت مدرسة جديدة "فكرية" تجمع بين السلفية والاخوان آنذاك اي الفكر السلفي ضمن منهج الاخوان رغم الاختلاف الذي تحول احيانا الى صراع بسبب طموحات الاخوان بالوصول الى اعلى السلطة. لذا ظهرت حالات براءات كثيرة من المشروع السلفي اي الاختلاف والتخلي عن السلفية. أما ظهور "الصحوة" فيبدو انه اتجاه جديد لا يختلف ابدا عن المزج مابين الاخوان والسلفية، او انه السلفية في نهج الاخوان بالضبط ومحاولة من السلفية اضفاء حالة الاعتدال على انفسهم بهذه التسمية الجديدة ولدينا مثال الشيخ الزنداني السلفي في حزب الاصلاح اليمني الاخواني. لكن ظهور "الثورة الاسلامية" في ايران عام 1979 قلص من تلك الصراعات مابين الاخوان والسلفية، محاولة من المملكة لتوحيد صفوفها ضد المد الشيعي.

التحالف السعودي

العائلة المالكة في السعودية كانت قد اتبعت سياسة التحالف مع الاخوان اكثر من مواجهتها باعتباره الخيار الافضل الذي يؤمن للعائلة من تهديدات المد الشيعي او التهديدات التي تعرضت لها دولة السعودية الاولى والثانية المتمثلة باحاطتها بزعامات قوية تحيط بها مثل زعامة الهاشميين في الاردن والعراق وزعامة ال صباح في الكويت. لذا كانت السعودية تراقب وبحذر مواجهات الاخوان في الاردن ومصر وسوريا وفي العراق بعد 2003. وشددت على إستراتيجية التحالف مع العلماء والمشايخ لتثبيت سلطتها الملكية المطلقة، لذا فان السعودية تجد نفسها في مواجهة الفكر "الجهادي القاعدي والاخوان" في داخل السعودية، بالاضافة الى المد الشيعي.

هذا الموقف بات واضحا في الموقف السعودي وتعامله مع الازمة في سوريا، فرغم ان سقوط النظام السوري يمثل تفكيك احد اضلاع المثلث الايراني الخصم لكنها لاتستطيع ضمان عواقب صعود حركات جهادية ومنها الاخوان في سوريا بعد الاسد وربما هذا كان وراء دعمها وتشكيلها الجبة الاسلامية في سوريا، لكي تكون بديلا للاسد منتصف عام 2013 وهي اقل تطرفا من القاعدة منها "داعش" والنصرة، رغم انها تحمل العقيدة السلفية الجهادية. فرغم دعم السعودية الى بعض الاطراف الجهادية داخل سوريا، فانها استقبلت مطلع شهر كانون الثاني 2013 مبعوث سوريا، اكدت فيها تأييدها الى الانتقال السلمي للسلطة في سوريا، وهي تعتبر خطوة نوعية جديدة اتخذتها السعودية تجاه نظام بشار بعد ان تمكن من المطاولة رغم ضربات المعارضة الشديدة على الارض. هذه الخطوة سبقتها ايضا فتاوى سعودية جديدة تحرم الجهاد في سوريا.

وحذت السعودية بهذه الخطوة، حذو مصر والإمارات العربية المتحدة في حظر جماعة الإخوان واعتبارها حركة إرهابية، بعد تأكد ضلوعها في اعمال ارهابية وخلايا وشبكات عمل سرية تهدد الامن الوطني. الحكومة المصرية حظرت الاخوان واعتبرتهم جماعة إرهابية في ديسمبر 2013. إن ملف الاخوان في المنطقة بدأ يتكشف وبدء يطيح برؤوس كبيرة في المنطقة ومنهم عرابو الاخوان من المنابر الدينية والسياسية.

* باحث في مكافحة الإرهاب والإستخبار

.............................................

المراجع

1ـ كتاب الإخوان المسلمين في الخليج / مجموعة كتاب، مركز المسبار للدراسات

2 ـ كتاب د.احمد صبحي منصور، التدين المصري والتدين النجدي./ (الانسان والتطور العدد 61

3 ـ محمد نبيل / محرر اخبار ابو ظبي 7.كانون الثاني 2013/ ميدل ايست اون لاين

4 ـ سلسلة مقالات علي سعد الموسى، صحيفة الوطن السعودية

5 ـ صحيفة الوطن السعودية 08.04.2012

6 ـ موقع ستراتفور الأمريكي ـ 05/03/2012

7 ـ حسن البنا، مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 18/آذار/2014 - 15/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م