الأزمة الأوكرانية والصراع الروسي الأمريكي الأوربي

في ملتقى النبأ الأسبوعي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: قد لا يكون التصويت على استقلال شبه جزيرة القرم او الانضمام الى روسيا هي نهاية المطاف لكرة الثلج الاوربية التي انحدرت من القمة الروسية وتنتظر أمريكا سقوطها في سلة النظام العالمي الجديد الذي بشر به المحافظون الجدد قبل عقدين من الزمن.

سبق اللحظة الأخيرة عدة مواقف تنحو الى التصعيد بين ساعة وأخرى، الرئيس الأميركي باراك أوباما كان قد اشار الى أن بلاده تدرس سلسلة إجراءات لعزل روسيا اقتصادياً وديبلوماسياً، بسبب مواقفها تجاه الأزمة الأوكرانية وتدخلها العسكري في جمهورية القرم ذات الحكم الذاتي التابعة لأوكرانيا.

واعتبر أوباما عند اندلاع الخلاف أن (روسيا انتهكت حقوق الإنسان والمواثيق الدولية من خلال تدخلها في شؤون دولة أخرى)، وأن أمام الولايات المتحدة (خيارات عدّة لمواجهة موسكو). وأوضح أن (المجتمع الدولي متفق على أن روسيا أخلّت بكل الاتفاقات الدولية المتعلقة باحترام السيادة الوطنية ووحدة الأراضي للدول الأخرى). وأضاف: (روسيا تقف في الجانب الخاطئ من التاريخ).

في محادثات الفرصة الأخيرة قبل الفيتو الروسي في مجلس الامن الدولي والامتناع الصيني عن التصويت، لم تخرج مباحثات الوزيرين الأمريكي والروسي باي نتائج تذكر، ولم يتوصلا إلى أرضية مشتركة للتفاهم، وخرج كل منهما ليطلق تصريحات لا تشي بالتفاهم ، بمقدار ما تعبر عن قلق كل منهما.

وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عقب محادثاته مع نظيره الأمريكي، جون كيري، إنه لم يتم التوصل إلى أرضية مشتركة مع الغرب بشأن طريقة حل الأزمة في شبه جزيرة القرم، ولا بشأن الإجراءات المحددة التي يمكن أن يقوم بها الشركاء من الخارج  وتابع بقوله: (ليست لدينا رؤية مشتركة للوضع.. ما زالت هناك اختلافات، ولكن المحادثات مفيدة بالتأكيد، من أجل فهم أفضل لمواقف بعضنا، والسياق العام للطيف الواسع من القضايا في العلاقات الأمريكية الروسية، من هذا المنطلق، فإن المفاوضات مفيدة).

من جانبه قال نظيره الأمريكي، جون كيري، إن الولايات المتحدة تشعر بقلق عميق حول نشر القوات الروسية في إقليم القرم، وعلى طول الحدود مع أوكرانيا، وأبلغ كيري الصحفيين بأن هناك طريقة أفضل يمكن من خلالها أن تحقق روسيا مصالحها المشروعة في أوكرانيا.

وأكد كيري أن أي خطوة من البرلمان الروسي لضم القرم، بعد الاستفتاء، سوف تجلب عواقب مهمة على روسيا، وأكد كيري أن موضوعاً واحدا فقط تمت مناقشته مع لافروف، في المحادثات، وهو (التوتر المتزايد)، نتيجة نشر القوات الروسية على الحدود مع شرق أوكرانيا، وقال إن الولايات المتحدة تريد سحب تلك القوات من أجل (خفض ذلك النوع من التوتر).

وعلق كيري على موضوع الاستفتاء من جهته، بأن روسيا يمكن أن تحترم نتيجة الاستفتاء على انفصال القرم، دون أن تمضي قدماً في ما أسماه سياسة (الضم من الباب الخلفي) للإقليم الأوكراني.

حول الازمة الأوكرانية وتداعياتها عالميا وإقليميا والتي تعتبر أسوأ أزمة في اوروبا منذ سقوط جدار برلين، ، كان محور ملتقى النبأ الأسبوعي، والذي اقترح مناقشته الدكتور خالد العرداوي مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية، وتحدث في بدايته عن عناصر القوة التي يشترط ان تمتلكها أي دولة في العالم وهي  (القدرة العسكرية – السياسية – الاقتصادية – الموقع الجغرافي – عدد السكان)، وتأثير ذلك على سياساتها الخارجية وعلاقاتها مع بقية الدول.

يطرح الدكتور خالد، تساؤلا يراه مهما في معرفة ابعاد هذه الازمة وتداعياتها وسؤاله هو: لماذا ترغب روسيا في ابقاء اوكرانيا ضمن نفوذها؟ وفي المقابل، لماذا هذا الحراك الاوكراني للانضمام الى أوربا؟.

في اجابته عن هذا التساؤل قدم لمحة تاريخية عند شبه جزيرة القرم، وكيف اهداها الزعيم السوفييتي السابق خروشوف الى أوكرانيا، احدى الجمهوريات السابقة للاتحاد السوفييتي، وكيف كانت أوكرانيا هي مستودع الأسلحة النووية التي أصبحت من نصيب روسيا على اعتبارها الوريث لتركة الاتحاد السوفييتي، وكانت أوكرانيا تدخل في ضمن الملف الروسي، والتي أصبحت منزوعة السلاح النووي بعد سحبه من مستودعاتها.

يعقد العرداوي مقارنة بين الازمة الأوكرانية والازمة البولندية، أيام ليش فاليسا، رغم اختلاف الأيديولوجيات في الازمتين. وهو يرى ان الازمة الأوكرانية ستصبح كارثية على اوربا اذا استمرت في هذا التصاعد، والخوف ان يتطور ذلك النزاع الى صراع مسلح. ودور اوربا في هذا النزاع وهل ستبقى متفرجة ام انها ستدخل فيه من بوابة حلف الناتو؟

يعتقد العرداوي، ان الصراعات بين الدول في الوقت الحالي، ليس بالضرورة ان تشترك فيها الدول المعنية بالخلافات بصورة مباشرة، فهي عادة ما تبقي على لغتها ذات المرونة العالية في دبلوماسية التصريحات، لكنها كثيرا ما تضرب تحت الحزام في مواقع أخرى، دون ان تظهر صورتها امام الاخرين.

ينتقل خالد العرداوي الى نقطة قانونية هذه المرة وهو يتساءل عن التصويت على استقلال شبه جزيرة القرم او انضمامها الى روسيا واثاره المترتبة والناشئة عنه مقارنة باوضاع أخرى، مثل اقيلم كردستان في العراق لو أقدمت على خطوة من قبيل اعلان الاستقلال أو الانضمام الى تركيا على سبيل المثال، وهو من الناحية القانونية الدولية يعتبر حق تقرير للمصير.

مداخلة مرتضى معاش، مدير مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، حاول من خلالها رسم صورة أوسع من تشكيلاتها واجزائها الحالية، عبر سؤال يعتقده جوهريا في معرفة دوافع السياسة الامريكية، وهو: ماهي المصالح العليا للولايات المتحدة الامريكية؟

من خلال اجابته على هذا السؤال، يفند ما تذهب اليه اغلب التحليلات العربية، من أن النفط والحفاظ على أماكن انتاجه والتحكم في تصديره هي سياسة استراتيجية أمريكية، يدعم استنتاجه، ان أمريكا تصدر ما يبلغ عشرة ملايين برميل يوميا إضافة الى خزينها الاستراتيجي، وبالتالي فالنفط لا يمثل لها إستراتيجية عليا.

يرى معاش ان (العملات) هي حرب أمريكا المقدسة، وان الدولار وبقاءه هو الهدف الاستراتيجي الأعلى لأمريكا مقابل اليورو الاوربي.

يستمر شارحا وجهة نظره: اليورو الأوربي يقوم على اقتصاد حقيقي، بينما الدولار يقوم على اقتصاد سياسي، يتبع صعود او هبوط مكانة أمريكا في العالم. ويذكر بالازمة المالية العالمية، وهي ازمة ائتمانات وقروض وما ترتب على سندات التامين على الديون، اشترتها الكثير من دول اوربا من أمريكا، وهو كان اشبه بالفخ الذي نجحت أمريكا في نصبه لهذه الدول واقتصاداتها الصاعدة والتي تتعامل ياليورو.

في تحليله للازمة الأوكرانية، يرى معاش ان اللاعب الأمريكي يلعب بوجهين مع اوربا، فهو في خانة الاصطفاف معها، وفي المقابل هو ينسق مع الروس عند السقوف العليا لمصالحه. ويدرك في الوقت نفسه نظرة الاحتقار التي تكنها اوربا له.

يضيف مرتضى معاش، ان اوكرانيا تعتبر من اقوى الاقتصادات التابعة لروسيا، وان اوربا تعيش على الغاز الروسي، وان أي تفكير في فرض عقوبات على روسيا هو بمثابة انتحار اقتصادي اوربي، نظرا للضائقة المالية التي تمر بها اكثر دوله، واما حلف الناتو فهو حلف ميت سريريا، لا يمكن له ان يقود نزاعا مسلحا مع الروس، ان لجهة التكاليف المادية أو التكاليف البشرية.

في توقعاته لتطور الازمة، يرى معاش ان اوربا تعرضت للخداع من الجانب الأمريكي، وهي التي توقعت اجبار روسيا على التراجع عن خطواته في شبه جزيرة القرم، ويرى أيضا ان المانيا العضو الفاعل في الاتحاد الأوربي ستتخلى تدريجيا عن شركائها الاوربيين الذي اصبحوا باقتصاداتهم المتهاوية عبئا عليها، وستتجه الى شراكة جديدة مع ما يشبّهه معاش بدول المحور والحلفاء في الحرب العالمية الثانية، التي انقسم العالم بينهما، ويرى ان المانيا ستدخل في المحور الأمريكي والروسي الذي سيؤسس لمفهوم جديد من المشاركة في المصالح والنفوذ للدول الكبرى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/آذار/2014 - 14/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م