مشكلة الطلاق في العراق

لطيف عبد سالم العكيلي

 

تشكل ظاهرة الطلاق في بلد خرج حديثا من اتون الدكتاتورية بعد أن عصفت به ثلاثة حروب على مدى العقود الثلاثة الماضية القاسم المشترك لأبرز آثار التغير البنيوي الذي عرفته خلال السنوات القليلة الماضية مختلف الشرائح الاجتماعية في العراق.

 إذ تعكس الزيادة المتنامية في عدد دعاوى الطلاق المرفوعة إلى المحاكم، مؤشرا عمليا على بوادر أزمة جديدة تخترق بسرعة متناهية بيت الزوجية، ما ينذر بتفكك الروابط الاجتماعية في البلاد، على خلفية ارتفاع نسبة الطلاق المتأتية من تداخل مجموعة من العوامل الموضوعية التي ساهمت بإنضاج وبلورة هذا الواقع المخيف، ولاسيما مشكلة نقص الوعي الثقافي والاجتماعي والديني للأزواج، فضلا عن عدم أهلية كثير من الشباب الدخول بعش الزوجية والشروع بمهمة بناء أسرة جديدة.

 وعلى الرغم من القرارات التي أصدرتها رئاسات المحاكم في بعض محافظات البلاد حول ضرورة اطلاع الباحثين الاجتماعيين على دعاوى الطلاق المقدمة قبل تداولها؛ بغية إصلاح ذات البين والحد من تفاقم هذه الظاهرة المقلقة، فإن معدلاتها ما تزال آخذة في التزايد، وبخاصة ضمن فئة الشباب الذين كثيرا ما اقتصرت زيجاتهم على فترة قصيرة، قد لا تتعدى في بعض الأحيان أشهر عدة.

ويمكن القول أن في مقدمة الأسباب الرئيسة لوقوع أبغض الحلال عند الخالق تبارك وتعالى هو ارتفاع نسبة البطالة ما بين صفوف الشباب وتجاوزها الحدود المسموح بها على وفق المعايير المعتمدة عالميا، ما أفضى إلى جنوح الشباب المتزوجين صوب الطلاق، بوصفه أيسر الخيارات المتاحة للخروج من دوامة اليأس وفقدان الأمل، وما يصاحبهما من توترات عصبية متأتية في قسم كبير منها من متطلبات العائلة التي يصعب تحقيق أدنى مضامينها في ظل تفشي ظاهرة البطالة بمجتمعنا، ما يؤشر حقيقة أن الفقر والعوز أصبحا في مقدمة العوامل المساهمة بانهيار البناء الأسري الذي يشكل أبرز مقومات البناء الاجتماعي.

 ومن العوامل الأخرى المساهمة في نشوء هذه الظاهرة هو ما يتعلق بعدم إدراك بعض الشباب لمسؤولية الزواج التي تبدو امامهم سهلة المنال، وبخاصة حين تكون محفزاتها علاقة عاطفية قصيرة العمر، لا تسمح بتعرف الطرفين على بعضهما بعناية ودقة؛ بالنظر لسيادة الأجواء المحافظة على مجتمعنا التي من شأنها تضييق فرص قراءة أفكار وتوجهات الشباب المرتبطين على عجالة مع بعضهما.

وبحسب المصادر القضائية، فإن حالات الطلاق التي حدثت في السنوات الماضية، جرى أغلبها بأسلوب ما يعرف قضائيا باسم (طلاق المخالعة). إذ يحضر الزوجان اللذان اقتنعا باستحالة العيش المشترك تحت سقف واحد، وهما متفقان على إجراء الطلاق والخلاص من هذا الواقع، مقابل تنازل أحد الطرفين عن جميع حقوقه أو بعضها، على وفق اتفاق الطرفين الذي يعبر في واقعه الموضوعي عن معالجة مشكلة عدم انسجامهما بطريقة التراضي خارج فضاء المحكمة.

 ويربط علماء الاجتماع تزايد حالات الطلاق بظاهرة التفكك التي واجهها المجتمع العراقي منذ بدء حروب الخليج، وتداعياتها الكارثية التي في المقدمة منها الحصار الاقتصادي الجائر الذي استمر لأكثر من عقد من الزمان؛ ليتسبب في إصابة الاقتصاد الوطني ومنظومة التربية والتعليم والمؤسسات العلمية بالركود والتفكك. وهو الأمر الذي أثر بشكل سلبي على رؤى وسلوكيات المواطن العراقي، فضلا عما أعقب انهيار النظام السابق في عام 2003 م، من ظواهر جديدة لم يألفها مجتمعنا مثل الطائفية وتهجير العوائل القسري. وقد كان لدخول التكنولوجيا الحديثة إلى مجتمعنا على خلفية انفتاح العراق على العالم في اعقاب عزلة دولية استمرت أكثر من ثلاثة عقود من الزمان، حيث ظهرت لأول مرة الصحون اللاقطة في أسطح منازل العراقيين، فضلا عن تيسر خدمات الشبكة الدولية (الانترنت) وأجهزة الهاتف المتحركة، ما أفضى إلى شيوع كثير من أنماط الحياة الغربية التي تبيح بعض المحذورات مثل سعي بعض الشباب لإقامة علاقات عاطفية مع أكثر من فتاة، وتبني الإناث بعض الرؤى والتوجهات التي تجعل منها أكثر استقلالية.

ويلعب زواج الاقارب دورا مهما في ثنايا هذه المشكلة؛ لانتشاره في بلادنا بشكل واسع، ولعل من أبرز محاذيره هو اجبار الفتاة على الزواج من أحد أقاربها على الرغم من اختلاف الرؤى وسعة البون في التحصيل الدراسي، إضافة إلى سماح هذا النوع من الارتباط العائلي الرجل في إقامة علاقات عاطفية أخرى لإشباع نزواته. ولا يمكن نكران نجاح بعض زيجات هذا الزواج، إلا أن محاذيره تتجاوز بعض الأحيان مسألة البناء الاجتماعي، لتصل إلى صحة ابناء الزوجين الذين ربما يولدون غير أصحاء.

 ويشكل تعرض الفتيات إلى العنف البدني أو النفسي أو المادي أحد الأسباب المهمة الأخرى التي تؤول في النهاية إلى الطلاق، ولاسيما حين تكتشف الزوجة تعدد علاقات زوجها العاطفية على الرغم من جمال ذكريات حكايات الأمس الحالمة بعش زوجي سعيد وحياة زوجية هانئة. وعلى الرغم من تداخل العوامل المؤدية إلى حدوث استحالة العيش المشترك، فإن الزواج المبكر وصغر عمر المتزوجين يؤدي في غالبه إلى زواج سريع وطلاق أسرع؛ بالنظر لمحدودية تفكير الشباب وانغماس أغلبهم في إفرازات الثورة التكنولوجية المعاصرة والعيش رهينة معطياتها، ما تسبب بفتح كثير من الأبواب التي تقود تهميش العلاقة الزوجية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/آذار/2014 - 14/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م