مسرح الطفل.. تعليم الحياة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: المسرح كما هو معروف.. يمتلك قدرة هائلة على التغيير، وذلك من خلال العروض الفنية الهادفة التي تتشكل فوق خشبة المسرح، وفي الفضاء المسرحي، حيث ترسم لنا السينوغرافيا تفاصيل حياة يكتشفها ويصممها الكاتب في ذهنه ومخيلته، فتبدو للرائي صورة مصغرّة لحياة المشاهد الحاضر في المسرح، فقد ربط أحد النقاد بنجاحه في تقديم حياة الناس بتفاصيلها واشكالها، وقال كلما كان المسرح أقرب الى الناس كلما كان نجاحه مضمونا.

أما العبارة المشهورة التي قالها الكاتب المسرحي ستان سلافسكي، فهي تنطوي على الصدق والاقناع معا، فقد قال ستان سلافسكي (اعطني خبرا ومسرحا اعطيك شعبا مثقفا)، هذا هو الدور الحقيقي للمسرح، ولكن هل يعني هذا ان قاعة العرض تقتصر على الكبار فقط؟ وهل العرض المسرحي يخاطب شريحة الكبار فقط؟.

بطبيعة الحال ان المسرح لا يقتصر على من يمتلكون وعيا اكبر، لان الاطفال وصغار السن والمراهقين، لهم حصتهم في المسرح ايضا، لذلك هناك مسرح خاص بالاطفال، اطلق عليه نقاد المسرح، تسمية (مسرح الطفل)، وهذا يؤكد أهمية الفن المسرحي بالنسبة للاطفال والمراهقين، وقدرته على الاسهام في بناء شخصياتهم، بما يضمن نجاحها وتوازنها، وتفوقها في مجالات تنمية المواهب والقدرات الذاتية كافة.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة.. هل الجهات المعنية، لاسيما الحكومية منها والمؤسسات الثقافية والتربوية، تؤدي دورها المطلوب في هذا المجال؟،، ونعني مسرح الطفل تحديدا، هل اهتم المعنيون بهذا الفن وقدراته الكبيرة في تطوير الوعي الجمعي للاطفال، بما يحقق لهم حاضرا جيدا، ومستقبلا مشرقا، من خلال الاندفاع نحو الابتكار والتجديد وصناعة الافكار الخلاقة؟.. بطبيعة الحال الاجابة ستأتي بالنفي، لاننا لم نلحظ الاهتمام الكافي في هذا الجانب، ولم يتم مراعاة حاجة الاطفال لفن المسرح.

نعم تقام بين مدة واخرى انشطة مسرحية خاصة بالاطفال، لكنها في الحقيقة ليست كافية وربما تكون نسبة تأثيرها قليلة، فقد أقيم مؤخرا مهرجان خاص بمسرح الطفل في مدينة كربلاء المقدسة، حضرته فرق مسرحية من خمس محافظات، وقدمت الفرق عروضا تهتم بالطفل وتحاكي وعيه ومستواه الذهني، ولكن هل هذا يكفي؟ وهل مثل هذه المهرجانات (الفقيرة فنيا)، قادرة على صناعة شخصية الطفل العراقي كما يجب؟، بطبيعة الحال ستأتي الاجابة بالنفي، فكلنا نتفق أن مثل هذه المهرجانات لا تكفي، ولا تسد حاجة الاطفال والمراهقين الى العروض المسرحية الخاصة بهم، فالمهرجان او العروض والانشطة المسرحية التي تقوم بها وزارة الثقافة او التربية المدرسي، لا تكفي لصناعة شخصية متطورة للطفل، وقد ذكرنا السبب سابقا، لان مثل هذه الفعاليات تنتهي بسرعة، وتترك تأثيرا سريعا لدى مشاهدي العروض المسرحية.

لذلك اذا كان هناك ايمان فعلي بمسرح الطفل، من لدن القائمين عليه والمسؤولون عنه، فإنهم يجب أن لا يكتفوا بهذه العروض الموسمية السريعة، بمعنى اوضح، مطلوب احياء مسرح الطفل على مدار السنة، ويجب أن لا يقتصر على اطفال المدارس فقط، هناك نسبة عالية من المراهقين، تتسرب من المدرسة لهذا السبب أو ذاك، هؤلاء من يبني شخصياتهم، ومن يجعلهم قوة مستقبلة فاعلة للمجتمع؟، بدلا من أن تصبح قوة هدم للمجتمع، عندما ينحرف المراهق بسبب الاهمال الذي يتعرض له.

لذلك يجب أن يصل المسرح الى جميع الاطفال والمراهقين، ويجب أن يخاطب ذهنية الطفل، وأن تقوم الجهات الحكومية والاهلية المعنية بمسرح الطفل، على وضع الخطط الكفيلة التي ترتفع بمستوى هذا الفن، وتجعله قابلا للوصول الى كل الاطفال بلا استثناء، ولا شك أن المدرسة والتربية والمؤسسات التعليمية كالجامعات وسواها، يجب أن تهتم بهذا الجانب.

لقد كان الكاتب والفنان المسرحي الراحل (عزي الوهاب)، مؤسسا وداعما لمسرح الطفل، وأسهم في تطوير هذا المسرح، فكان هذا الكاتب المتميز الواعي، يتجول على الطلبة في صفوفهم، وينتقي منهم ذوي المواهب، فيشكل منهم فرقا مسرحية تحاكي المستوى الذهني للاطفال، وكانت العروض تنجح نجاحا كبيرا على الرغم من قلّتها، لكن بعد ذلك لم يقم المعنيون بمسرح الطفل الآن بدورهم كما جب، نعم هناك عروض مسرحية للاطفال، ولكنها قليلة وشكلية وغير فاعلة، وتأتي في اطار اداء الواجب الوظيفي، بينما المطلوب ان يدخل مسرح الطفل ضمن الاهتمام اليومي لنا، حتى يمكن توظيفه لصالح التأسيس والبناء لشخصية تذهب الى الابتكار والكشف والتعامل مع المبتكَر الأفضل والجديد دائما.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/آذار/2014 - 8/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م