الصوت الانتخابي وصناعة القرار

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: يُقصد بصناعة القرار، مجموعة الافراد والمؤسسات التي تمتلك صلاحيات إدارة شؤون الدولة، من خلال حزمة القوانين والقرارات التي تصدرها في هذا المجال أو ذاك ضمن الصلاحيات الممنوحة دستوريا لها، وغالبا ما ينحصر هذا الامر في السلطتين التشريعية (البرلمان)، والتنفيذية (الحكومة)، ولكن في الدول المتقدمة يكون القول الفصل لصوت الناخب، بمعنى أوضح في الغالب، يتدخل الرأي العام بقوة في تحديد شكل وجوهر السلطتين المذكورتين أعلاه، من هنا تأتي الأهمية القصوى للصوت الانتخابي. 

وتلجأ كثير من الدول الى النظام البرلماني، كونه يعطي للناخب مساحة كافية في حرية الاختيار للنائب الذي يمثله تحت قبة البرلمان، فعندما يصبح المرشح نائبا برلمانيا، فهو في هذه الحالة، يمثل مجموعة الاصوات التي صوتت لصالحه في صناديق الاقتراع، وهو احد اعضاء السلطة التشريعية التي تعمل في صناعة القرار، وهكذا عندما يكون منح الصوت الانتخابي مدروسا وسليما، تكون عملية صناعة القرار جيدة، ولهذا يكون دور الأحزاب مهما وفاعلا في بلورة وتوجيه مسارات الانتخابات.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (الشورى في الاسلام)، في هذا المجال: (لقد ثبتت بالتجربة إنّ النظام البرلماني فـي بلاد ما سيكون ثابتاً ومستقراً إذا كانت هناك أحزاب نشطة تتنافس فيما بينها فـي الرأي والعقيدة وتبحث في القضايا السياسية وتضع آراءها واتجاهاتها أمام الرأي العام من أجل التحكيم، وبمثل هذه الطريقة فقط يمكن إشراك الرأي العام فـي النقاش السياسي العام وجعل الناخب على رغبة واهتمام بالشؤون السياسية في البلاد).

الحرص على تمثيل الناخب

بطبيعة الحال، لا يتمكن الفرد الواحد من تنفيذ رؤية سياسية معينة، إذا لم ينشط ضمن صفوف حزب سياسي له حضوره في الساحة، ومن خلال هذا الحزب، يمكن لمن ينتمي له، أن يطرح رؤيته كي يتم تنفيذها تشريعيا، خاصة تلك التي تتعلق بصناعة القرار، وهكذا يتبين لنا الدور المؤثر للحزب في تنفيذ تطلعات الشعب، عبر مجموعة الافكار والآراء والتطلعات التي يطرحها اعضاء الحزب، ثم يتبناها النائب الذي يحصل على مقعد في البرلمان عبر تصويت اعضاء الحزب له، وهكذا تتم مشاركة الصوت الانتخابي في عملية صناعة القرار بالنيابة، وكلما كان الصوت الانتخابي في مكانه الصحيح، كلما كانت النتائج جيدة في صناعة القرار، والسبب أن السياسي حاله حال الآخرين، يحرص على تطوير وضمان مستقبله السياسي، لذا يكون حريصا على تمثيل الصوت الانتخابي عبر تصنيع القرار بصورة صحيحة وجيدة. وهكذا يتبيّن لنا الدور المهم للمشاركة في الانتخابات، من أجل التغيير الافضل والتحكم بصناعة القرارات بالنيابة بوساطة الحزب السياسي.

لذا يؤكد الامام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه، على: (إنّ من جملة الواجبات الرئيسية الهامة للأحزاب السياسية هي المشاركة فـي الانتخابات البرلمانية؛ وانطلاقاً من ذلك، فانّ المراكز الحزبية تنشط بشكل غير عادي فـي مواسم الانتخابات، وانّ من أكثر المراحل أهميّة وحيويةً في حياة الأحزاب السياسية هي مرحلة الانتخابات العامة).

يتضح لنا أن الصوت الانتخابي لكي يضمن مشاركة فاعلة في صناعة القرار، عليه أن يذهب في المسار الصحيح فيما يتعلق بالتصويت لصالح هذا المرشح أو ذاك، وهنا يظهر بقوة دور الحزب وقدرته التنظيمية في تحويل الصوت الانتخابي الى قوة فاعلة في تصنيع القرار عبر النائب البرلماني الذي صعد الى البرلمان بأصوات الشعب وبوساطة الحزب.

السمعة الجيدة للاحزاب

يتفق جميع المعنيين بالعمل السياسي على أن السمعة الجيدة للفرد أو للحزب، تأتي من خلال التمثيل الصحيح للناخب، وتنفيذ تطلعاته وطموحاته في بناء المجتمع المتحضّر والدولة المدنية، وهكذا يتم تشجيع وتحفيز الناخب على المشاركة في الانتخاب، حتى يتحول صوته الى قوة متحكِّمة ومشارِكة في صناعة القرار، فالناخب عندما يثق بالمرشح، ويثق بالحزب الذي ينتمي إليه المرشح للبرلمان من خلال السمعة الجيدة والعمل الدؤوب للحزب واعضائه، فإنه سوف يمنحه صوته عن طيب خاطر، لأنه مؤمن بأن الحزب والمرشح الجيد الذي منحه صوته، سوف يمثله في السلطة التشريعية خير تمثيل.

لذا يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع: (إذا كانت الأحزاب السياسية ذات ماضٍ حسن وإيجابي وسمعة طيبة على صعيد النشاطات السياسية والاجتماعية، وكان الناس يتحسسون تأثيرها في الظروف الاقتصادية والاجتماعية، فأنهم ينظرون إلى المرشحين الحزبين على انهم ممثلون لهم، ولذا يتوجهون إلى صناديق الاقتراع، ويدلون بأصواتهم لصالح هؤلاء المرشحين).

ولا شك أن هناك مسؤولية كبيرة على الناخب، تتعلق بقضية الاختيار للمرشحين، فعندما يذهب صوته في الاتجاه الخاطئ، ويشارك في تصعيد مرشح غير مؤهل لتمثيله، عليه ان يتحمل مسؤولية هذا الخطأ، وغالبا ما تأتي النتائج ليست في صالح الناخب، وتقصيه من المشاركة في صناعة القرار، لان النائب الذي يمثله في البرلمان لا يعبأ به ولا بتطلعاته، بل النائب الذي صعد الى البرلمان (بأصوات خاطئة)، لا يفكر بمن صوتوا له، انما يفكر بمصالحه الفردية والعائلية والحزبية، وهذه بطبيعة الحال نظرة ناقصة وضيقة تؤدي الى فشل السياسي الفرد والحزب معا.

لذلك يقول الامام الشيرازي من الامور المهمة أن يكون الناخب (في بحث دائم ودراسة للقضايا السياسية التي تطرح للنقاش من جانب الأحزاب المختلفة ثم يختار في خضّم تضارب الآراء والأفكار المختلفة، الرأي الذي يقبله ويصوّت لصالح أولئك الأشخاص الذين يليقون بمهمة تطبيق ذلك الرأي في يوم الانتخابات البرلمانية).

وهكذا يمكن ان يكون الصوت الانتخابي فاعلا ومؤثرا، عندما يذهب في المسار الصحيح، والعكس يصح تماما، لذلك تعد الانتخابات فرصة نادرة لعملية التغيير السياسي الافضل، عبر التثقيف ومضاعفة الوعي السياسي.

لذا يؤكد الامام الشيرازي في كتابه نفسه، على هذا الجانب، ويمكن ملاحظة ذلك عندما نقرأ قول الامام أنه من خلال الانتخابات: (يمكن أن يظهر دور الرأي العام، ويتجسد الوعي والتثقيف السياسيان لأي شعبٍ من الشعوب في العالم).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/آذار/2014 - 7/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م