المصالحة الوطنية علاجا لضرب الارهاب

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى

 

تتصاعد الانهيارات الأمنية في البلد رغم الزخم العسكري الكبير والمحدود الفاعلية الذي لجأت اليه الحكومة في معالجة الارهاب، حيث تعود محدودية فاعليته الى ان المعالجة الامنية لا ينبغي ان تقتصر على سياسة الردع المسلّح وحسب، خاصة وان الارهاب يسعى هو الآخر الى جر الحكومة الى هذا الاسلوب الخطير الذي تنتج عنه تداعيات أخطر تثير الانقسام المجتمعي وتتجه بالبلاد صوب الحرب الأهلية وبذلك تكون الحكومة العراقية نفسها قد أسهمت في خلق بيئة حاضنة للارهاب بدلا من تضييق مساحات وجوده في العراق.

يكاد يتفق الجميع على ان الجهد الاستخباري ما زال ليس بمستوى الطموح في اطار المعركة مع الارهاب في العراق بل تدنىّ الى وتائر تشكل تهديدا خطيرا على الأمن والسلم الاجتماعي معا، ، والأسباب معروفة أهمها فشل الحكومة في اشراك المواطن كطرف رئيسي في النظرية الأمنية، بل على العكس فقد رأينا في الفترة الأخيرة حدوث فجوة كبيرة ليس من السهل ردمها بعد جنوح الحكومة الى المعالجات العشوائية غير العلمية، خاصة وان المؤسسة الأمنية أصلا وكما ينصح بذلك القريب والبعيد لازالت بأمس الحاجة الى الاصلاح واعادة الهيكلة على أسس وطنية تحكمها الكفاءة بعيدا عن الولاءات الشخصية والمحاصصة الحزبية، وذلك مالم يحصل الى اليوم.

فلا زالت الكوادر الأمنية ذات الخبرة الكبيرة في هذا المجال مركونة على رفوف الاقصاء، ولا زالت الاجتهادات الشخصية لصانع القرار ومستشاريه هي المعيار الاساسي في التعيين وملأ الشواغر في المناصب ، وعادة ما يثير الكثيرون عدم دستورية المناصب الأمنية والعسكرية العليا حيث لم تعرض أسماء شاغليها على ممثلي الشعب في البرلمان العراقي وفقا للدستور. ليس هذا وحسب بل يرفض الكثير من الجنرالات الحضور للبرلمان للإستجواب والمساءلة الهادفة الى حث المسؤولين الأمنيين على الارتقاء بمهامهم الوظيفية.

ويعني مثل هذا الأمر بأن العلاقة بين المؤسسة الأمنية والمؤسسة التشريعية هي ليست على مايرام، وذلك على الصعيد الرسمي الذي ينسحب في نفس الوقت على الصعيد الشعبي الذي يرى نفسه في واد والحكومة ومؤسساتها الامنية في واد آخر.

في الحقيقة يصعب التكهن في مسار الحكومة الاتحادية والى أين هي سائرة بالعراق خاصة مع (تناحر السلطات) الذي يعكسه تصريح رئيس الوزراء السيد نوري المالكي المتمثل في الطلب من المحكمة الاتحادية اعتبار مجلس النواب العراقي مؤسسة (لم تعد شرعية)، بشكل أصبحت فيه المحكمة الاتحادية (بُعبُع ديمقراطي) وخرافة تستخدم لإخافة وابتلاع كل من لاينسجم مع رأي الحكومة العراقية أشخاص أو مؤسسات، ولربما حتى مكونات عراقية في المستقبل القريب، فليس من المستغرب ان تصدر المحكمة غدا قرارا بتجريم اقليم أو محافظة ليتم غزوها بطريقة بربرية وبغطاء قانوني من المحكمة الاتحادية.

ليس الأمر بالمستغرب فما يشهده العراق من قرارات ارتجالية في معالجة الأزمات، وماشهده الاقليم من قطع لأرزاق موظفيه ومحتاجيه على يد الحكومة العراقية التي ذهبت برفقة مستشاريها الى تعميم خلافها مع حكومة الاقليم لينال الشعب الكردي حصارا اقتصاديا بطريقة لا تبدو مسؤولة وبعيدة كل البُعد عن القيم الوطنية واستحقاقات وحدة المجتمع العراقي.

يحصل كل ذلك في الوقت الذي يحارب فيه العراقيون الارهاب الذي ينخر في قلب الوطن العراقي والذي يحتاج الى تقريب وجهات النظر وتوحيد الصف الوطني ورفع وتيرة الشعور بالمسؤولية لدى المواطن العراقي ليندفع الى الانخراط في العملية الامنية ومحاربة الارهاب كل من موقعه ومن ثم التضييق على حواضنه داخل المجتمع العراقي. فالشق الأمني هو جزء من المصالحة الوطنية وليس العكس، الا ان مانراه اليوم هو تعثر ان لم نقل جمود مسار المصالحة، بل تراجعها بشكل خطير من الممكن ان تتعرّض معه الثوابت الوطنية للتفكك والانهيار ويعرّض السلم الاجتماعي والوطني لهزّات عنيفة يكون المستفيد الأول منها هو الإرهاب، والإرهاب فقط.

لقد أدركت بعض القوى السياسية وبشكل مبكر استحقاقات العملية الديمقراطية في العراق، ومدى أهمية الفرز بين الشعب والارهاب وبناء دولة المواطنة، ومازال البعض من تلك القوى يؤكد وبشكل كبير على أهمية المصالحة في تحقيق الاستقرار الأمني، وعلى سبيل المثال ائتلاف الوطنية (239) بقيادة الدكتور اياد علاوي الذي جعل من المصالحة الوطنية مطلبا اساسيا في برنامجه الانتخابي ادراكا منه لأهمية ما تشكله المصالحة في توحيد المجتمع العراقي وهزيمة الارهاب من خلال اشراك الفرد والمجتمع في النظرية الامنية بدلا من اقتصارها على العسكرة ومنهجية الفتل الرسمي للعضلات وحسب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 9/آذار/2014 - 6/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م