التدخين... كارثة إدمان الموت

 

شبكة النبأ: ان اهتمام الانسان بصحته البدنية امر ضروري، وعادةً ما يراجع أي شخص عندما يشكوا الوجع الى الطبيب، لكن عندما يتعلق الامر بالتحذيرات المستقبلية التي قد تصيب المدخنين من كوارث "السيجارة" لا يعيرها الكثيرين أي أهمية تذكر.

بعض الخبراء أشاروا الى وجود حالة من الإدمان على التدخين، واخرين شبهوها بالسلوك المعتاد عليه، وهو أقرب الى الممارسات النفسية التي الفها المدخنين والتي تحاكي أي سلوك اعتاد الأشخاص على تكراره بصورة يومية.

لكن الدراسات الحديثة اكدت على ضرورة تجنب ممارسة التدخين أيا كانت الأسباب، ونصحت المدخنين بالامتناع التدريجي من اجل الابتعاد عن الاخطار الصحية الكبيرة التي سوف تلحق بالمدخين من جراء دخول الالاف المواد السامة مع استنشاق كل نفس قاتل من السيجارة، التي برع المنتجين في تسويقها من خلال الإعلانات المغرية، فضلاً عن ابتكار أنواع جديدة من السيجارة.

فقد كشف تقرير نشرت نتائجه مؤخراً أن الآثار المرتبطة بالتدخين في تزايد مستمر ومن بينها سرطان الكبد وسرطان القولون والمستقيم والسكري والتهاب المفاصل الروماتويدي بل وضعف الانتصاب، وجاء التقرير بعد مرور 50 عاما على صدور أول تقرير من كبير الأطباء في الولايات المتحدة يعلن خطورة التدخين على صحة الإنسان.

وأظهر التقرير الجديد والأول من نوعه خلال أكثر من عشر سنوات أن التدخين أودى بحياة ما يربو على 20 مليون أمريكي في سن مبكرة على مدى الخمسين عاما الماضية ويحذر من أنه في حال استمرار هذا الاتجاه فإن 5.6 مليون طفل معرضون لخطر الوفاة في سن مبكرة.

ورغم أن معدلات التدخين بين البالغين الأمريكيين تراجعت إلى 18 بالمئة من 43 بالمئة في عام 1956 أشار التقرير إلى أن أكثر من 3200 شخص دون الثامنة عشرة يبدون التدخين كل يوم، وقال القائم بأعمال كبير الأطباء الدكتور بوريس لوشنياك في مقابلة هاتفية "الأمر بلغ مداه، نحتاج إلى القضاء على التدخين والتمهيد لجيل خال من التبغ".

ويحمل التقرير اسم "تداعيات التدخين على الصحة - 50 عاما من التقدم"، ويذكر التقرير بالتفصيل التطور العلمي بخصوص هذه العادة إذ يستعرض الأمراض والمشكلات الصحية التي يسببها التدخين منذ أن أصدر الدكتور لوثر تيري التقرير التاريخي يوم 11 يناير كانون الثاني 1964 والذي كان أول تقرير يؤكد أن التدخين يسبب سرطان الرئة.

وفي التقرير الأول كان سرطان الرئة هو المرض الوحيد المرتبط بالتدخين، وقال لوشنياك "وصلنا الآن إلى 13 (مرضا) - 13 نوعا مختلفا من السرطان مرتبطة بالتدخين في عام 2014"، ويضيف التقرير الجديد سرطان الكبد وسرطان القولون والمستقيم إلى قائمة الأمراض ويوضح بالتفصيل عددا من المشكلات الصحية الأخرى التي يسببها التدخين ومن بينها داء السكري والتهاب المفاصل الروماتويدي وضعف المناعة والحلق المشقوق في الأطفال.

ومن الإحصاءات المروعة التي كشف عنها التقرير أن التدخين السلبي يزيد خطورة الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة تتراوح بين 20 و30 بالمئة، وأوضح التقرير أن التدخين يكلف الدولة نفقات طبية مباشرة قيمتها 130 مليار دولار كل عام. بحسب رويترز.

وتطرق التقرير باقتضاب إلى السجائر الالكترونية المثيرة للجدل وهي عبارة عن أجهزة مصممة لتوصيل النيكوتين عبر البخار بدلا من دخان التبغ مشيرا إلى أن بعض الشركات الكبرى استثمرت أموالها في هذا المنتج، وكانت دراسات سابقة أشارت إلى أنه من الممكن استخدام الأجهزة كأداة للإقلاع عن التدخين ولكن بعض المدافعين عن الصحة العامة باتوا يشعرون بالقلق من أن تزيد السجائر الإلكترونية عدد متلقي النيكوتين.

ويقول بعض المعارضين لهذا المنتج إن السجائر الإلكترونية المزودة بنكهات فاكهة وحلوى تثير قلقا أكبر نظرا لأنها قد تجذب المزيد من الأطفال إلى التدخين، علاوة على ذلك لا تزال هناك تساؤلات بخصوص مدى سلامة البخار المنبعث من السجائر الإلكترونية.

الإقلاع عن التدخين

فيما يساهم الإقلاع عن التدخين في تحسين الرفاه الذهني، تماما كما هي الحال عند الخضوع لعلاج مضاد للاكتئاب، وفق ما جاء في دراسة نشرت في المجلة الطبية "بريتيش ميديكال جورنال" (بي ام جي)، فقد كشف باحثون بريطانيون حللوا نتائج 26 دراسة عن هذا الموضوع أن آثار الإقلاع عن التدخين قد "تساوي أو تتخطى تلك التي يتم التوصل إليها بعد تناول مضادات الاكتئاب لمعالجة القلق المرضي أو اضطرابات المزاج".

وشملت أبحاثهم مدخنين كانوا يدخنون بين 10 سجائر و40 سيجارة في اليوم الواحد، هم من الرجال بنسبة 48% مع معدل عمر يناهز الرابعة والأربعين، وقد درس الباحثون حالة المدخنين قبل إقلاعهم عن التدخين وبعده واستنتجوا أن هؤلاء الذين توقفوا عن استهلاك التبغ كانوا أقل إحباطا وقلقا وتوترا وأكثر إيجابية في نظرتهم إلى الحياة.

وكان هذا التحسن ملحوظا أيضا عند الأشخاص المصابين باضطرابات ذهنية بعد توقفهم عن التدخين، وأعربت منسقة هذه الدراسة جينما تايلور من جامعة بيرمنغهام عن أملها في أن تساهم هذه النتائج في كسر الأفكار النمطية الخاطئة المرتبطة بالتدخين الذي تنسب إليه منافع مهدئة ومخففة للتوتر. بحسب فرانس برس.

ومن المعلوم أن استهلاك التبغ يزيد من خطر الإصابة بعدة أمراض، من بينها السرطان وأمراض القلب، وبحسب منظمة الصحة العالمية، يودي التدخين بحياة نحو 6 ملايين شخص في السنة الواحدة، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 8 ملايين بحلول العام 2030.

السجائر الالكترونية

الى ذلك لجأ تشو ليانغ وهو بائع عمره 30 عاما يعيش في شنغهاي إلى استخدام السجائر الالكترونية تاركا تدخين السجائر المعتادة عندما أصبحت زوجته حاملا، واستخدام السجائر الالكترونية غير شائع في الصين رغم انها اكبر منتج لهذه السجائر في العالم، وابتكر باحث طبي صيني السجائر الالكترونية قبل نحو عشر سنوات.

وتسد بلده كل الطلب العالمي تقريبا، ويتزايد استخدام السجائر الالكترونية عالميا لكنها لا تشكل إلا جزءا ضئيلا من صناعة السجائر التي تقدر قيمتها بحوالي مئتي مليار دولار، وزيادة الوعي العام بمخاطر التدخين إلى جانب تبني الصين موقفا صارما من التدخين في الاماكن العامة يتيحان فرصة أمام السجائر الالكترونية لتحقيق نجاحات داخل أكبر سوق للتبغ في العالم، وقال تشو "مع حظر التدخين في المزيد والمزيد من الاماكن، أجد نفسي أستخدم السجائر الالكترونية أكثر".

ومنذ بدأ في استخدام السجائر الالكترونية قبل ست سنوات لأسباب صحية أخذ تشو في بيعها بنفسه ليتسع نطاق هذه الصناعة من الاقتصار على التصدير إلى البيع في السوق المحلية، وتباع معظم السجائر الالكترونية في الصين عبر الانترنت حيث لاتزال التشريعات الحكومية بشأن التدخين غير صارمة، بينما تحظر بلدان مثل سنغافورة والبرازيل السجائر الالكترونية حاليا، وتتمركز صناعة السجائر الالكترونية في مدينة شينتشن بجنوب الصين حيث تنتج شركات صينية حوالي 95 بالمئة من الانتاج العالمي.

وينظر إلى السجائر الالكترونية باعتبارها بديلا أقل خطورة على الصحة من التدخين اذ يمنع غياب الاحراق بعضا من الاثار الجانبية لتدخين التبغ، غير ان عدم توفر أدلة علمية على المدى الطويل تؤكد سلامة وفعالية السجائر الالكترونية يمثل إشكالية كبيرة دفعت منتقدين مثل الجمعية الطبية البريطانية إلى التحذير من مخاطر الاستخدام غير المقنن لها.

ويتوقع بعض المحللين ان تتخطى مبيعات السجائر الالكترونية نظيرتها التقليدية في غضون عشر سنوات، ونمت مبيعات السجائر الالكترونية في الولايات المتحدة بنسبة 115 بالمئة سنويا بين عامي 2009 و2012 وقد تصل النسبة إلى 240 بالمئة هذا العام بحسب تقديرات الخبراء، وتقول بعد التقديرات إن السوق العالمية للسجائر الالكترونية قد تزيد خمسة امثال إلى عشرة مليارات دولار بحلول 2017.

وفي حين تزدهر سوق الصادرات يغري الطلب المحلي المحتمل المصنعين الصينيين، فجزء ضئيل من اكثر من 300 مليون مدخن سيكون جائزة كبرى، وفي عام 2012 دخن الصينيون 2.46 تريليون سيجارة بمعدل 4.8 سيجارة لكل مدخن يوميا، ويشكل هذا ثلث الاستهلاك العالمي.

من جانب اخر فان انتشار السيجارة الالكترونية يؤدي الى تراجع التدخين في فرنسا التي سجل فيها تراجع لعلاجات الاقلاع عن التدخين للمرة الاولى في العام 2013 على ما افاد مرصد المخدرات والادمان، وقد جرب 8 الى 9 ملايين فرنسي "السيجارة الالكترونية" فيما يستخدمها مليون الى مليوني يوميا على ما اظهرت ارقام المرصد لمبيعات التبغ في العام 2013.

وقال المرصد ان استخدام السيجارة الالكترونية "يخفض الكمية الوسطية التي يستهلكها المدخنون" ويفسر جزئيا مع ارتفاع الاسعار، تراجع المبيعات في العام 2013، وللمرة الاولى تراجعت مبيعات التبغ التي يستمر سعرها بالارتفاع دون الستين مليون طن مع تراجع في مبيعات السجائر (حوالى 80 % من السوق) بنسب 7,6 %.

ولا تزال سجائر اللف تسجل ارتفاعا لكن اقل من السنوات السابقة مع زيادة نسبتها 2,6 %، لكن 1 % من الفرنسيين فقط يؤكدون انهم تخلوا كليا عن التدخين بفضل السيجارة الالكترونية عند انجاز الدراسة في تشرين الثاني/نوفمبر 2013 وقد شملت عينة من 2052 شخصا بين سن الخامسة عشرة والخامسة والسبعين.

واعتبر رئيس هيئة التدخين الفرنسية البروفسور برتران دوتزينبرغ "كل ما يساهم في خفض عدد السجائر (المدخنة) يشكل نبأ سارا"، وللمرة الاولى منذ العام 2009، تراجعت مبيعات العلاجات المساعدة على الاقلاع عن التدخين، فقد تراجع عدد المرضى الذين تلقوا علاجا بنسبة 10 % ليصل الى 2,1 مليون شخص في 2013 في مقابل 2,4 ملونا في 2014، ويبدو ان نسبة المدخنين في صفوف الفرنسيين تراجعت دون 30 % في مقابل 33,7 % في 2010.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 6/آذار/2014 - 3/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م