في البحرين.. شهداء التعذيب يقصمون ظهر النظام

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: صراخ الأمهات الثكلى وهتافات الشباب الثائر تمزق جدار الصمت العربي والدولي الذي يفصل شعب البحرين عن العالم الخارجي، لتوصل الرسالة الى الكثير في العالمين العربي والإسلامي، ممن يجهلون استمرار الانتفاضة والتظاهرات الاحتجاجية في هذا البلد الخليجي الصغير الوادع قبالة السواحل السعودية.

من جانبهم، حكام البحرين من قبيلة "آل خليفة" يقرأون في المعطيات السياسية الشرق أوسطية، حاجة ملحّة لرسم صورة هادئة عن البلاد، وإخفاء كل علامات الغضب والاستنكار عن وجه البلاد.

وأيضاً إظهار التماسك في نظام الحكم الصنمي القائم في المنامة، وانه يتطلع الى مستقبل بعيد، وغير معني بالمطالبات الشديدة التي دخلت عامها الرابع، بتغييرات أساسية وجوهرية في هذا النظام، وأيضاً المطالبة برحيله وزواله بالأساس.

وهذا يتطلب نهجاً جديداً في التعامل مع الحراك الجماهيري والسياسي، يتمثل في إسكات الصوت المعارض خلف جدران السجون وفي الزنزانات الانفرادية. وليس في الشارع، علماً ان الغازات السامة والخانقة، تُعد لازمة للشوارع التي تشهد التظاهرات الاحتجاجية.

شهيد آخر في قافلة الذين يشهدون على ظلم وقساوة النظام الخليفي، سقط مؤخراً تحت التعذيب، وهو الشاب جعفر محمد جعفر الدرازي، المعتقل منذ كانون الأول الماضي، وتقول مصادر المعارضة وذويه أنه مات متأثراً بحروق وكدمات وصعقات كهربائية تعرض لها في السجن، بينما تقول الحكومة انه مات بسبب مرض ألمّ به. ومع الأخذ برواية وزارة الداخلية، فان السؤال المطروح عن السبب في عدم ارساله الى المستشفى للعلاج وإنقاذ حياته..؟.

المراقبون والمتابعون يجدون في القسوة المفرطة والوحشية في التعامل مع التظاهرات الجماهيرية والمطالبة بالتغيير، أسلوباً للحوار والتعاطي مع مطالب الشعب، بعد أن عوّل البعض على خيارات الحوار والحلول السلمية، وهو ما جنحت له بعض اطراف المعارضة في وقت سابق، وسعت لإنضاجه لإخراج البلاد والعباد من مستنقع الدماء ودوامة العنف.

لكن يبدو ان ثمة اطراف وأيادي من الخارج هو التي تسعى لإذكاء نار الازمة من خلال توجيهها طائفياً، وهذا ما حصل بعد الاجتياح العسكري السعودي لأراضي البحرين بحجة المساعدة على استتباب الأمن.

أحد ابرز قادة الانتفاضة تحدث قبل فترة عن التغيير الحاصل في لغة التحقيق داخل السجن، فقد كانوا سابقاً يبحثون عن الدوافع السياسية، بينما الآن يناقشون في مسائل عقائدية ودوافع طائفية، ويضيف: "يخيل إليّ أني جالس أمام رجل دين وهابي يسعى لإثبات جدارة مذهبه والتنكيل بمذهب التشيع..". لذا نجد كل المتحدثين عن ظروف الاعتقال والتعذيب داخل السجون، يؤكدون أنهم بالحقيقة يدفعون ثمن الانتماء الديني، وليست المطالب السياسية، فاذا كانت اساليب التعامل مع المطالب السياسية على درجة معينة من التنكيل في غرف التحقيق والزنزانات الانفرادية، فان التعامل مع الانتماء المذهبي يحتل مرتبة عالية جداً من التعامل الوحشي واللااخلاقي واللاانساني مع المعتقلين، وهناك صور ومشاهد مريعة رواها المعتقلون مثل الصعق الكهربائي والاعتداءات الجنسية واساليب الاهانة والحرب النفسية.

وبالرغم من كل الدلائل والبراهين على الممارسات الوحشية خارج اسوار السجون، فان النظام الخليفي لم يجد نفسه مجبراً لاتخاذ اجراءات يتراجع من خلالها عن تلكم الممارسات او على الاقل يخفف منها، وفي مقدمة تلك الدلائل الدامغة ما تضمنه "تقرير بسيوني" الذي أكد في إحدى فصوله الاجراءات القمعية والتعسفية من قبل الاجهزة القمعية ضد المتظاهرين في الشارع، او المعارضين في السجون، بيد أن هذه الاشارة الخجولة لم تكن بالمستوى الذي يدافع عن حق الشعب البحريني او يرفع عنه يد العدوان والظلم.

يُضاف الى ذلك صدور بعض التلميحات من منظمات انسانية دولية وعواصم غربية حول القضية، هي الاخرى كانت بمنزلة نسمة هواء بسيطة على وجوه ضباط التحقيق والمسؤولين عن اجهزة القمع في البحرين. وكان آخرها تقرير وزارة الخارجية الأميركية الذي أشار إلى أنه "من بين المشاكل اعتقال واحتجاز المحتجين بتهم غامضة، في بعض الحالات مما يؤدي إلى تعرضهم للتعذيب في الاعتقال، وعدم مراعاة الأصول القانونية في محاكمة نشطاء الحقوق السياسية وحقوق الإنسان وأطباء وموظفين ومعلمين وطلاب مما أدى إلى الأحكام القاسية". كما بيّن التقرير أن من بين المشاكل الحقوقية في البحرين، عدم محاسبة منتهكي حقوق الإنسان، وعدم محاكمة ضباط أمن متهمين بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.

هذه التقارير وغيرها تصدر في وقت تنفي حكومة المنامة وجود سجناء رأي ومعارضين لديها، ومن هو في السجن، من "مثيري الشغب ومعرضي السلامة الوطنية للخطر.."! بمعنى ان قادة الانتفاضة من أمثال الشيخ محمد علي المحفوظ وغيرهم، الذين قادوا الانتفاضة الجماهيرية بسلمية تامّة، وواجهوا بانفسهم مع جموع المتظاهرين، اساليب القمع والبطش في الشوارع، يعدون في قاموس السلطة، "مثيري شغب". وهذا ديدن الانظمة الديكتاتورية التي تسعى لتعزيز موقفها السياسي داخلياً وخارجياً من خلال دفع التهم عنها أو إبعاد المعارضين عن الساحة الداخلية وإلصاق تهمة الارتباط بالجهات الخارجية، بما من شأنه الطعن بهويتهم الوطنية، والتشكيك باهدافهم وطموحاتهم الحقيقية.

المراقبون للوضع البحريني يؤكدون ان سقوط الشهيد تلو الشهيد في ساحة المواجهة مع النظام الحاكم، لاسيما في أقبية السجون وتحت التعذيب، يزيد من انغماس النظام في مستنقع الدم والعنف، بما يبعده عن أي شكل من اشكال الإصلاح السياسي او المراهنة على الحل السلمي، مهما كانت الحاجة اليه، او ربما تكون بعض جهات المعارضة راغبة في هذا الاتجاه، لأن من الصعب جداً تهدئة الغضب الجماهيري العارم بسبب السياسات القمعية، فالذين يسقطون شهداء بين فترة واخرى، من خيرة شباب  البلد وفي عمر الزهور، وعندما يسمع الناس باستشهادهم تحت التعذيب دون محاكمة عادلة او توجيه تهم محددة اليهم، فان الشعور العام يتجه الى المطالبة بالتغيير الشامل لهذا النظام المتوطن على القسوة والعنف والدموية، واستحالة العيش معه. وهذا ما نلاحظه من التظاهرات الحاشدة التي تنظمها الجماهير في الشوارع الفرعية والرئيسية في البحرين، كان آخرها مراسم تشييع الشهيد جعفر الدرازي ، التي تحولت الى تظاهرة كبيرة في منطقة "الديّه". وبعد التشييع توجّه مئات الغاضبين في زحفٍ بشريّ نحو "ميدان الشهداء – اللؤلؤة" القريب من بلدة "الدّيه"، وهم يرفعون شعارات "يسقط حمد"، و"الشعب يريد اسقاط النظام".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 4/آذار/2014 - 1/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م