كيف نحصل على التمويل اللازم؟

جميل عودة/مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

 

هذا هو السؤال الأهم والأصعب الذي تواجهه أي منظمة عند التفكير بوجود حاجة لتبني مشروع ما أو برنامج ما.. حيث أثبتت كثير من الدراسات الميدانية التي طبقت على المنظمات غير الحكومية أن مشكلة التمويل هي من أهم المشاكل التي تعاني منها هذه المنظمات.

ان المقصود من عملية (التمويل) هو إيجاد المال اللازم للإنفاق على جميع العمليات الإدارية، وعلى مختلف الأنشطة والبرامج التي تقوم بها المنظمة، ومن ثم يمكن وصف تمويل المنظمات غير الحكومية أنه "ذلك المال الذي تحصل عليه هذه المنظمات من مصادره الخاصة والعامة. طبقا للوائح والقوانين المنظمة ليكون موردا ثابتا ومستمرا للصرف منه على أجهزة المنظمة وعملياتها الإدارية وبرامجها وأنشطتها وتكوين أصولها الثابتة والمتداولة. "

تأتي أهمية التمويل من حيث أنه يتوقف عليه كل من حجم النشاط، ونوعه، ومستواه، وأثره على البيئة، والمساعدة على وضع السياسات العامة للمنظمة والحفاظ على ثباتها واستمراريتها، وزيادة الخدمات المقدمة، أو تطويرها وتحسين مستوى جودتها، أو زيادة عدد المستفيدين من خدماتها، وتقديم وسائل فعالة لتسويق رسالة المنظمة وأهدافها في مجال أوسع، وأخيرا تحقيق الاكتفاء الذاتي، والاستقلالية.

 والحقيقة أن مفهوم (التمويل) لا يجب أن يقتصر على الدعم المالي فقط، لان الدعم المالي هو عنوان واحد من عشرات العناوين التي تدخل في مفهوم التمويل، وبصورة عامة، فان التمويل الذي يمكن أن تحصل عليه المنظمات غير الحكومية، قد يكون تمويلا غير مالي، وقد يكون تمويلا ماليا.

 أولا- التمويل غير المالي: وهو نوع من التمويل يقدم للمنظمات، ولكنه لا يتضمن ولا يحتوي على دفع نقدي للمنظمة، مثل: التطوع بالوقت، المنح العينية، المشورة والنصحية، التدريب والاستشارات، والتأييد والدفاع عن متبنيات المنظمة وغيرها. والحقيقة التي لا شك فيها أن كل تمويل غير مالي في النهاية لابد أن يكون له ترجمة مالية تعود على المنظمة، وإن كانت في صورة غير مباشرة، والتمويل غير المالي عادة ما يكون له قيمة معنوية تفوق في أحيان كثيرة قيمته المالية.

 ثانيا- التمويل المالي: فهو نوع من التمويل يقدم للمنظمات، ويشتمل على دفع نقدي للمنظمة، وهو قد يكون تمويلا ذاتيا، وهو تمويل مرتبط بالمنظمة ذاتها، فلا يأتي من جهة خارجية أي كانت هذه الجهة، وإنما يأتي من خلال المنظمة، وبسبب تنفيذها لأنشطة وبرامج ومشروعات خاصة بها أو تقديمها لخدمات بمقابل مالي.

 وقد يكون التمويل من خلال الأفراد، وهي التبرعات أو المنح النقدية التي تأتي من أفراد لهم علاقة بالمنظمة أو أعضاء فيها أو من مهتمين بما تقوم به من أنشطة ومشروعات، أو يكون من الدولة، وهو نوع من المنح تقدمه الهيئات الحكومية للمنظمات لتمويل أنشطة محددة، أو يكون من الهيئات الدولية، وهي المنح التي تقوم الهيئات الدولية بتقديمها للمنظمات لتمويل برامج ومشروعات محددة، وغالبا ما تكون هذه المنح على برامج ومشروعات تحددها الهيئات المانحة مباشرة أو لتمويل برامج ومشروعات تحددها المنظمة وتقتنع بها الجهة المانحة. وفي الحالتين تكون هناك ضرورة أن تقدم المنظمة مقترحا لما ترغب في تنفيذه من برامج أو مشروعات وفقا لنظام محدد من قبل الجهة المانحة أو وفقا للأصول المتعارف عليها في هذا الصدد.

 أو يكون التمويل المالي من المؤسسات والمنظمات الكبيرة، وهي منح تقدمها المؤسسات غير الحكومية والتي تعتبر وهي منظمات كبيرة الحجم ولها مصادر تمويل خاصة بها وتقوم هذه المؤسسات وفقا لأهدافها بتقديم هذه التمويلات للمنظمات غير الحكومية الأصغر حجما. أو يكون من منح الشركات، والمقصود هو ما تقدمه شركات القطاع الخاص من فرص تمويلية للمنظمات غير الحكومية لتنفيذ برامج ومشروعات تقع في دائرة الاهتمامات التنموية الخاصة بهذه الشركات وغالبا ما تصنف هذه التمويلات تحت مفهوم المسئولية الاجتماعية للشركات الخاصة.

 في العراق، حدد قانون المنظمات غير الحكومية رقم (12) لسنة 2010 في الفصل الرابع -الأحكام المالية في (المادة 13) موارد المنظمة غير الحكومية في ثلاثة موارد أساسية وهي:

 أولاً: اشتراكات الأعضاء. ثانياً: التبرعات والمنح والوصايا والهبات والهدايا الداخلية والخارجية. ثالثاً: العوائد الناتجة من نشاطات المنظمة ومشاريعها. وهناك مصادر أخرى نصت عليها المادة (14):

 ثانياً: للمنظمة المشاركة في العطاءات التي تعلن عنها السلطات العامة، على أن تدخل المواد أو الخدمات المطلوبة في العطاء ضمن مجال اختصاص المنظمة.

 ثالثاً: للمنظمة حق تملك العقارات بالقدر الضروري لاتخاذ مركز لها ومراكز لفروعها أو محل لاجتماع أعضائها أو لتحقيق أهدافها وفقاً للقانون.

 رابعاً: للمنظمة أن تبيع أي عقار لم يعد ضرورياً لأهدافها وفق القانون ويقيد ثمن العقار إيراداً لها. كما نصت المادة 17 أولاً: تعفى المنظمة ذات النفع العام من ضريبة الدخل وضريبة القيمة المضافة والتعريفات والرسوم الكمركية وضرائب المبيعات.

 السؤال هنا، هل استطاعت المنظمات غير الحكومية أن تستثمر لمصلحتها المصادر المالية والمصادر غير المالية المتاحة لها، كم استثمرت من مصادر التمويل الداخلية، ومصادر التمويل الخارجية، كم استثمرت من مصادر التمويل الذاتية، ومصادر التمويل الحكومية؟

 والجواب، هو إن المنظمات غير الحكومية عموما وفي العراق بالخصوص تعاني من ضعف الموارد المالية والفنية والبشرية، ومن نقص الخبرة الإدارية لدى أعضاءها، والعجز أو القصور في التخطيط وإعداد البرامج والمشروعات التي لها صفة الاستمرارية، ومن ضعف قدرة المنظمات على تنمية المشاركة المجتمعية وتفعيل المساهمات المجتمعية، ومن ضعف القدرة على الاستمرار في المشروعات الناجحة التي تبدأ بها في حالة انقطاع المعونات الخارجية.

 للأسف الشديد، في كثير من المؤتمرات وورش العمل، يتم التركيز على التمويل الحكومي والتمويل الخارجي للمنظمات غير الحكومية، مع أن وكالات وصناديق الأمم المتحدة في العراق لم تسهم بشكل منظم بعملية تنمية وتطوير قدرات المنظمات غير الحكومية، وأن الحكومات العراقية لم تضع خطة إستراتيجية من شأنها أن تعزز قدرات المنظمات المحلية عدا إقرار قانون المنظمات غير الحكومية رقم (12) لسنة 2010، وما ترتب عليه من تأسيس دائرة لتسجيل المنظمات غير الحكومية، وأن المنظمات غير الحكومية لم تتمكن من إعانة نفسها بنفسها ولم تكون منذ تأسيسها منظمات مدنية قوية داعمة لحركة المجتمع المدني.

 وهنا نقول إنه مع أهمية وجود التمويل الحكومي، ومع أهمية التمويل الخارجي، ولكن على المنظمات غير الحكومية- اليوم- أن تراجع استراتيجياتها وتفكر بشكل جدي باستثمار المصادر البشرية والمالية والنقدية المتوفرة في البلد وهي كثيرة ومتنوعة، لان هذا النوع من مصادر التمويل هي مصادر إستراتيجية لا تنضب أبدا بخلاف مصدر التمويل الحكومي، ومصدر التمويل الخارجي.

 بناء عليه فان المنظمات غير الحكومية من أجل الحصول على التمويل اللازم لمشروعاتها فان عليها القيام بعدد من الإجراءات وهي:

 - تعزيز مفهوم المشاركة المجتمعية كاسلوب لتنمية موارد المنظمة، أي مشاركة أفراد المجتمع بأفكارهم ومساهماتهم العينية والمالية لتحقق أفضل عائد للتنمية؛

- اعتماد التطوع كاسلوب لتنمية الموارد المنظمة، فهناك الكثير من الطاقات المعطلة يمكن استثمارها وجذبها إلى المنظمة؛

- اعتماد التمويل الذاتي كأحد استراتيجيات وهو المال الذي تحصل عليه المنظمة بجهود أعضائها وأجهزتها المختلفة والتبرعات والوصايا والهبات من الأشخاص الطبيعيين المنتمين للمنظمة، وإيرادات ورسوم الخدمات التي تقدمها المنظمة للجمهور، وإيرادات الأنشطة والمشروعات والبرامج، وهي مصادر هامة للمنظمة، وتفعيل إيرادات الأملاك والأصول الثابتة التي تمتلكها المنظمة؛

 - اللجوء إلى الشراكة والتشبيك كأحد استراتيجيات التمويل المهمة: حيث نجد أن قدرة المنظمات المتشاركة مجتمعة ستكون أكثر تأثيرا في الجهات المانحة والممولة وأكثر اجتذابا لهذه الجهات والتي يعنينها في المقام الأول أن تتعامل مع كيانات قوية ولديها قدر عالي من الالتزام والمهنية في التعامل وفي التنفيذ من جهة، ومن جهة أخرى فان تكاتف المنظمات المتشاركة والمتشابكة يجعل قدرتها على الوصول للمجتمع وتعبئة موارده كبيرة ومؤثرة..

 وفي كل الأحوال لا يجب أن تعتمد المنظمة على مموّل واحد. بل عليها أن تصل إلى مجموعة واسعة من مصادر التمويل، من بينها المؤسسات والشركات، والحكومات، والأفراد مضافا إلى تدعيم برامج التمويل الذاتي.

 وأخيرا، علينا أن نتذكر دائمًا أن العديد من المنظمات تبدأ عملها من دون الحصول على منح رسمية أو مصادر تمويل طويلة الأمد. إنها تحصل على المتطوعين وعلى التبرعات الابتدائية، ثم تسعى للحصول على تمويل من مؤسسات ووكالات حكومية ومن عامة الناس بعد أن يصبح لديها نتائج لإظهار تأثير جهودها.

.....................................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

موبايل/009647712421188

http://adamrights.org

[email protected]

https://twitter.com/ademrights

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/آذار/2014 - 30/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م