ثورة حقوق المرأة في المملكة السعودية..

انتهاكات بين التشدد والوعود الوهمية بالإصلاح

 

شبكة النبأ: حاولت بعض النساء في السعودية التحدث بصوت عال عن منح بعض الحقوق المصادرة من المرأة، ولعل الحملة الأخيرة لتحدي قرار منع قيادة النساء للسيارة من قبل بعض الناشطات، والمواقع الالكترونية التي رفضت سيطرة رجال الدين المتشددين (الوهابية) على الحياة العامة والمتمثلة بـ(هيئة الامر بالمعروف) ذات الصلاحيات الواسعة، إضافة الى الحملات الدولية التي قادتها نساء سعوديا مغتربات في الغرب، كلها وغيرها جات في سياق التعريف بحجم المعاناة التي تعيش واقعها النساء في السعودية في ضل القرن الحادي والعشرين.

في سياق متصل انتقد أحد اعضاء هيئة كبار العلماء ارفع سلطة دينية في السعودية، تساهل النساء في مراجعة الاطباء من دون محرم مؤكدا ان هذا الامر "محرم شرعا"، ونقلت صحيفة الحياة عن الشيخ قيس آل الشيخ مبارك قوله ان "النساء تساهلن في مراجعة الاطباء من دون محرم وهذا محرم شرعا".

واضاف ان "الاصل كشف المرأة أمام الطبيب، وهذا لا يجوز، ويزداد الامر حرمة عندما يكون العضو المكشوف عنه عورة مغلظة، ومن ذلك عملية التوليد، وما قد يتبعها من جراحة في أسفل البطن، فستر العورات واجب شرعا"، وتضم هيئة كبار العلماء المقربة من السلطات 21 من الشخصيات التي نالت قسطا وافرا من العلوم الدينية والشرعية.

وقد اثارت مسالة وفاة جامعية سعودية تأخرت سيارة الاسعاف في نقلها للمستشفى، بسبب منع الاختلاط وعدم وجود محرم جدلا في بعض وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، الى ذلك، ذكرت الصحيفة ان الشرطة الدينية بالمنطقة الشرقية منعت نساء من ارتياد مراكز صحية خاصة من دون محرم. بحسب فرانس برس.

ونسبت الى مصادر لم تحددها قولها ان "افراد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دخلوا إلى مركز تغذية صحي، ومنعوا المراجعات من الدخول على اختصاصي التغذية، إذا لم تكن برفقة محرم"، يشار الى ان السعوديين يقبلون حاليا وبكثافة على مراكز التغذية الصحية في الرياض حيث يتم تخصيص ايام معينة للنساء والرجال بهدف عدم الاختلاط.

فيما قرر قائمون على مؤسسات تعليمية سعودية منع دخول غير المحجبات والملتزمات بالزي الشرعي الى مدارس الفتيات، وعدم السماح للرجال ايضا تجنبا للاختلاط، بحسب صحيفة "مكة"، واضافت الصحيفة ان قرار المنع يشمل الطالبات والموظفات والمراجعات غير الملتزمات بالحجاب الشرعي وفقا لتعميم وجهته ادارات المدارس الحكومية.

واضافت ان "جولات مراقبي الخدمات العامة في وزارة التربية والتعليم لعدد من مدارس البنات رصدت تقصيرا في أداء المهام لبعض حراس مدارس البنات والمستخدمين فيها"، وتابعت الصحيفة "ألزمت الادارات التعليمية مديرات مدارس البنات بتوجيه حارس وحارسة المدرسة بالتزام أحكام الاسلام والتقيد بالأنظمة والتعليمات وقواعد السلوك واجتناب كل ما هو مخل بشرف المهنة".

كما ان الادارات شددت على عدم "السماح بخروج أي طالبة أو موظفة قبل نهاية الدوام والتأكد من البطاقات الشخصية للسائقين وعدم السماح بدخول الرجال إلى المدرسة إلا في ظروف خاصة بعد أخذ الحيطة ضمانا لعدم الاختلاط"، وطالب التعميم "المستخدمات بمساعدة المعلمات المناوبات بمراقبة الطالبات قبل الدوام وبعده"، وتعتمد السعودية تطبيقا صارما للشريعة الاسلامية يمنع الاختلاط بين الذكور والاناث.

وقد اثارت وفاة طالبة جامعية سعودية اوائل الشهر الجاري جدلا في مواقع التواصل الاجتماعي والصحف في ظل اتهامات لحرس الجامعة بمنع دخول سيارة الاسعاف لإنقاذها بذريعة تجنب الاختلاط، واعادت هذه الحادثة الى الاذهان فاجعة احتراق 15 تلميذة احياء في احدى مدارس مكة قبل 12 عاما عندما منعن من مغادرة حرم المدرسة اثر اندلاع حريق بسبب عدم ارتداء الزي المناسب.

وقال شهود عيان في حينها ان عناصر الشرطة الدينية (هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) منعن الفتيات اللواتي راوحت اعمارهن بين 12 و14 عاما من الخروج لأنهن غير محجبات ويرتدين العباءات.

تجاوب خجول

فيما بدا التجاوب خجولا مع دعوة ناشطات سعوديات لقيادة السيارات بهدف اعادة إطلاق حملة المطالبة بإعطاء النساء في المملكة الحق في قيادة السيارة، وافادت ناشطة ان الشرطة اوقفت امرأة كانت تقود سيارتها في جدة غرب المملكة، في حين ان سيدة اخرى قادت السيارة طيلة ساعتين وكان زوجها الى جانبها من دون ان يتم التعرض لها.

وقالت الناشطة ايمان النفجان "ان الشرطة اوقفت تماضر اليامي بعد عشر دقائق فقط على قيادتها سيارتها"، واوضحت ان اليامي كانت تحمل شهادة سوق دولية وكانت برفقة سيدة اخرى تدعى ساميا المسلماني قامت بتصويرها خلال القيادة.

واستدعت الشرطة زوج تماضر اليامي الى مكان توقيفها حيث اجبرت على التوقيع على تعهد بانها لن تقود سيارة بعد الان في المملكة العربية السعودية، حسب ما افادت اليامي على حسابها تويتر، واكدت ساميا مسلماني هذه الرواية للحادث مضيفة ان السائقة عادت الى منزلها برفقة زوجها.

وكانت ناشطات سعوديات دعون في الرابع من كانون الاول/ديسمبر الحالي الى اعادة تحريك حملة المطالبة بحق القيادة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وحددن يوم الثامن والعشرين من كانون الاول/ديسمبر موعدا للنزول الى الشارع وقيادة السيارات.

وقالت الناشطة نسيمة السعدة يومها "الهدف من هذا النداء هو التشديد على حقنا بالقيادة والذي سنواصل المطالبة به حتى الحصول عليه"، وكانت وجهت دعوة اخرى الى السعوديات لقيادة السيارات في السادس والعشرين من تشرين الاول/اكتوبر الماضي الا ان الدعوة سحبت بعدها لتجنب حصول مواجهة مع السلطات التي كانت وجهت تحذيرات شديدة اللهجة لهن.

ومع ذلك اعتقلت 16 امرأة اثناء قيادتهن السيارات في هذا اليوم واجبرن على دفع غرامات مالية، وعلى التوقيع مع محرم على تعهد بعدم خرق مجددا القوانين المرعية الاجراء في المملكة، والعربية السعودية هي البلد الوحيد في العالم الذي يحظر على النساء قيادة السيارات.

من جهة أخرى تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي خبر توقيف الشرطة السعودية في العاصمة الرياض ناشطتين أثناء قيادتهما سيارة واستدعت أولياء أمرهما لتوقيع تعهدا بعدم تكرار ذلك، تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي أنباء حول توقيف الشرطة السعودية في الرياض الناشطتين بارعة الزبيدي وعزة الشماسي أثناء قيادتهما سيارة.

وجاء في تغريدات على تويتر أن الشرطة استدعت أولياء أمرهما لتوقيع تعهد بعدم تكرار ذلك، وكانت الشرطة قبل أيام أوقفت ناشطتين أخريين كانتا تقودان سيارة في أحد شوارع العاصمة ووقعتا تعهدا بعدم قيادتهما السيارة مرة أخرى، ودعت ناشطات عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى حملة جديدة لقيادة السيارة في 28 ديسمبر/كانون الأول.

وقالت الناشطة نسيمة السادة إن "غرض الدعوة التذكير بهذا الحق لكيلا يموت وسنستمر في ذلك إلى حين الحصول على حقوقنا"، وكانت نسيمة السادة رفعت في نوفمبر/تشرين الثاني "دعوى قضائية ضد وزارة الداخلية ممثلة بإدارة المرور بديوان المظالم بالدمام" طالبت فيها بإلغاء القرار الإداري القاضي بمنع المرأة من حق الحصول على رخصة قيادة السيارة.

ويذكر أن ناشطات سعوديات أطلقن عريضة في سبتمبر/أيلول الماضي تدعو النساء إلى قيادة السيارات في 26 أكتوبر/ تشرين الأول، إلا أن الناشطات، تفاديا منهن للصدام مع السلطات، التزمن قرار المنع الذي صدر عن الداخلية، ورغم قرار المنع، قادت عدة نساء السيارات في بعض مدن المملكة وتلقين مخالفات من الشرطة، والسعودية هي البلد الوحيد في العالم الذي يمنع النساء من قيادة السيارات.

كما ذكرت صحيفة كويتية ان امرأة كويتية اعتقلت في السعودية لمحاولتها نقل والدها الى المستشفى في سيارة تقودها وذلك بعد اسبوع من احتجاج نساء سعوديات على حظر تفرضه المملكة على قيادة النساء للسيارات، ويسمح للكويتيات بالقيادة في بلدهن ويتمتعن بحقوق اكثر بفارق كبير عن السعوديات اللائي لا يسمح لهن بالسفر للخارج او فتح حساب مصرفي او العمل بدون اذن من ولي الامر.

وذكرت صحيفة كويت تايمز الناطقة بالانجليزية ان المرأة كانت تقود السيارة في منطقة بعد الحدود مباشرة وكان والدها بجوارها حين اوقفتها الشرطة، ويعبر الكويتيون والسعوديون الحدود بانتظام وعادة ما تكون المجتمعات التي تعيش على طول الحدود خليطا من السكان من البلدين، وقالت الصحيفة نقلا عن الشرطة ان المرأة التي قالت ان والدها المصاب بالسكري لا يمكنه القيادة وكان بحاجة لنقله للمستشفى للعلاج محتجزة انتظارا للتحقيق معها.

ولم تشر الصحيفة الى ان المرأة كانت تحتج على الحظر السعودي على قيادة النساء للسيارات، وحولت الشرطة السعودية في بلدة الخفجي الحدودية مكالمات بشأن الواقعة الى شرطة المرور المحلية التي لم يتسن الوصول لها للتعليق، وقال مسؤولون في وزارة الداخلية الكويتية انه لا يمكنهم التعليق على وقائع تحدث خارج الكويت.

وحصلت الكويتيات على حق التصويت والترشح للمناصب السياسية في 2005 بعد سنوات من المطالبة وضغط من اعضاء كبار في الاسرة الحاكمة، وسبق ان عرقل اعضاء محافظون في البرلمان الكويتي الاصلاحات قائلين ان الشريعة الاسلامية تمنع النساء من تولي المناصب القيادية.

ثورة تحت الحجاب

الى ذلك يروي كتاب "ثورة تحت الحجاب" لصحافية فرنسية كفاح نساء سعوديات للحصول على ابسط حقوق المرأة في مجتمع مغلق تحكمه تقاليد واعراف تجمع بين مفاهيم دينية متشددة وممارسات اجتماعية يطغى عليها الجمود، وتقول كلارينس رودريغز "ان تبوح المرأة بمكنونات صدرها ليس امرا سهلا في مجتمع محافظ ومتشدد مع النساء مثل السعودية".

وتضيف الصحافية التي تراسل العديد من وسائل الاعلام الفرنكفونية "التقيت العديد من النساء اللاتي ابدين تحفظات حيال اسئلتي في بادئ الامر"، وتتابع "لذا، كان من الضروري التصرف بطريقة تمكنني من نيل ثقتهن، شعرت بفضول شديد لمعرفة ماذا يوجد تحت العباءة او الحجاب".

وتضم دفتي كتاب "ثورة تحت الحجاب" الذي صدر في باريس عن دار "فيرست" للنشر، مقابلات مع ثماني نساء والقانوني سعود الشمري من اعضاء مجلس الشورى، وأبرز من التقتهم رودريغيز الاميرة عادلة ابنة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، والناشطة مديحة العجروش التي كانت بين 43 تجرأن على قيادة السيارات في الرياض، بالإضافة الى منال الشريف.

ولا تزال المرأة السعودية في حاجة الى ولي امر او محرم لإتمام كل معاملاتها بما في ذلك الحصول على جواز سفر، كما انها لا تستطيع السفر من دون موافقة ولي الامر بغض النظر عما اذا كانت والدته او ابنته او زوجته او شقيقته، والموافقة ليست حصرا على العنصر النسائي فقط انما على الذكور الذين لم يبلغوا الحادية والعشرين.

كما ان السعودية هي الدولة الوحيدة في العالم حيث ما تزال المرأة ممنوعة من قيادة السيارات، ومن الناشطات الوارد ذكرهن في الكتاب هيفاء المنصور مخرجة فيلم "وجدة" الذي شارك في مهرجان البندقية السينمائي ونال جائزتين في مهرجان دبي السينمائي الدولي، كما حاز جائزة الجمهور في مهرجان فريبورغ السويسري.

وليس امرا متاحا تصوير فيلم في بلد لا توجد فيه قاعات سينما فيما النساء شبه غائبات عن الساحة العامة، ففي الرياض اضطرت المنصور الى التصوير في شاحنة صغيرة بعيدا عن الانظار وادارة ممثليها عبر جهاز لاسلكي، كما ان عددا من السكان في بعض احياء المدينة حاولوا وقف التصوير احيانا.

ومن الذين التقتهم رودريغيز عضو مجلس الشورى الجامعية هدى الحليسي، والناشطة على تويتر ايمان النفجان والرياضية التي شاركت في اولمبياد لندن العام 2012 وجدان شهركاني، ولمى العقاد، وتؤكد الصحافية "لقد بذلت محاولات حثيثة للتقرب منهن للاطلاع على احوالهن عن كثب وصارت الابواب تفتح شيئا فشيئا الى ان حظيت بثقتهن كاملة"، وقد التحقت الصحافية الاربعينية بزوجها اثر حصوله على وظيفة في المملكة "اذ لم يكن امامي خيار اخر، اما ان اكون معه او البطالة" بحسب قولها.

وتقول "انها المرة الاولى التي تقدم فيها ثماني نساء شهاداتهن بقلب منفتح انه امر لا سابق له"، وتضيف "لقد رفضت البقاء اسيرة افكار واراء تؤكد ان السعوديات لا يفعلن شيئا او لا يفقهن شيئا"، وهي تعتبر الكتاب "مناسبة للنساء لكي يتحدثن عن أنفسهن فالكل يتحدث عنهن من دون التقائهن او معرفتهن".

واجابت ردا على سؤال حول اختيارها هؤلاء بالتحديد "لان المرأة بدأت التحرك من اجل تغيير الواقع ومنذ سنتين يسعى الملك الى ادماجها في المجتمع عبر السماح لها بالعمل في بعض القطاعات والترشح والتصويت في انتخابات الشورى والبلديات"، يذكر ان الملك اقر الحقوق السياسية للمرأة اقتراعا وترشحا في ايلول/سبتمبر 2011 وحق العمل في محلات المستلزمات النسائية في حزيران/يونيو 2012.

وحول البدايات والانطلاقة، تقر رودريغيز أن بعض النسوة "موجودات بفضل تأييد وتشجيع الاباء لهن والا كان الامر سيبدو مستحيلا تقريبا"، وترى ان المملكة "تستحق وقتا اكثر لمراقبة الامور وما يجري بداخلها للانعتاق من الافكار المسبقة عنها"، وتضيف المراسلة انها وصلت الى الرياض صيف العام 2005 ومنذ ان وطأة قدماها ارض السعودية وهي تبحث عما يدور تحت الحجاب.

وتؤكد ان الكتاب وهو من الحجم الوسط ويقع في 325 صفحة يأتي ثمرة عمل ثماني سنوات بدأتها كمراقبة، وتشير الى انها ارادت في البدء انتاج افلام وثائقية "لكنني صرفت النظر عن ذلك وبدأت العمل في الكتاب العام 2011 بتشجيع من المعارف والاصدقاء".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1/آذار/2014 - 28/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م