قيم التخلف: اليأس!

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هناك كتاب ذائع الصيت، لمؤلفه الكاتب الامريكي دايل كارنيجي، يحمل عنوان (دع القلق وابدأ الحياة)، يقدم هذا الكتاب تصورات واضحة ودقيقة عن حالات القلق التي تنتاب الانسان، ثم يؤكد مضمون الكتاب المقولة المعروفة (لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس)، ويقدم هذا الكتاب تجارب و وقائع حدثت فعلا لأناس أصابهم اليأس بصورة تامة، ولكنهم تغلبوا عليه من خلال ارادة قوية واصرار على الانتماء للحياة وجمالها، ونبذ اليأس كقيمة من قيم التخلف، تشل طاقات الانسان ومواهبه وتحيل قيمته الى صفر على الشمال!.

لذا يعد اليأس من أسوأ القيم التي تقف كحجر عثرة، في طريق تطور الانسان وتقدمه في المجالات كافة، وكما يقول علماء النفس، أن اليأس آفة تفتك بقدرات الانسان بشقّيها المادي والمعنوي، فهي تشل عقله بصورة شبه تامة، وتمنعه عن التفكير في أي شيء، سوى تلك المشاهد والمواقف والصور السوداوية التي تحيط به وتلوّن حياته، واذا استمر الحال هكذا، ربما يقود اليأس صاحبه الى حالات أذى خطيرة كالانتحار مثلا.

أما الاسباب التي تقف وراء تصاعد وتنامي هذه القيمة المتخلفة بين الافراد، او بين شرائح واسعة من المجتمع، فإنها كما يرى المختصون، تعود الى التربية في المحيط الاصغر (العائلي)، وطبيعة الافكار التي يتغذى عليها ذهن الطفل، صعودا الى مراحل المراهقة والشباب والكهولة، فالاساس التربوي للانسان له دور حاسم في خلق شخصية متوازنة، او مهزوزة، و يائسة، وقد يكون للوراثة دور ما في هذا الجانب، إلا أن المحيط الذي ينشأ فيه الانسان، له دور حاسم في القضاء على اليأس، وطرده من حياة الانسان أو العكس!.

إن الانسان كما نعرف جميعا، ينحو الى التطور دائما، ويتطلع الى التقدم وانجاز ما يطمح اليه، لكي يُشار له بالبنان، من اقرانه والمحيطين به، ولذلك تحدث حالات المنافسة بين الاصدقاء، والاشقاء، والعاملين في مجال واحد، وقد تتحول هذه المنافسة الى صراع، والسبب دائما رغبة الانسان في التقدم والانجاز الافضل والتميّز عن الاخرين، ولكن عندما تتسلل قيمة اليأس الى طبيعة وسلوك الانسان، فإنه تصيبه بحالة من الانطواء والكآبة، وتقوده شيئا فشيئا الى حالة من العجز التام، فيغدو معطّلا عن التفاعل والابداع والخلق، كونه يصبح كائنا يائسا، لا يجد ما هو مجدي وجميل في حياته، او حتى في حياة من يحيطون به، من اهل واقارب واصدقاء وغيرهم، وبهذا يتحول بسبب اليأس، الى طاقة قيمتها صفر، فيشكل بذلك حملا على الاخرين، كالعائلة او ارباب العمل وما شابه، وما أصعب أن يتحول الانسان الى كائن عاجز تماما عن الفعل أو التفكير، لأنه في هذه الحالة لا ينتج، ولا يقدم ما يستحق كي يبقى على قيد الحياة!ّ.

من هنا كلما ازداد عدد اليائسين، كلما تكرّست قيم التخلف في عموم المجتمع، لهذا يؤكد علماء النفس على أهمية العلاج النفسي، كون اليأس في أغلب الاحوال، تقف خلفه أسباب نفسية، لهذا لابد أن يتم منع تأثير حالات اليأس على الناس، ومنع انتشارها بينهم بكل السبل، على أن يكون العمل على ذلك منظما، والمبادرة في ذلك تبدأ من لدن الجهات الرسمية المختصة، ثم المنظمات المدنية القادرة على مد يد العون لليائسين، بالاضافة الى المؤسسات الخيرية.

وأخيرا فإن قيمة اليأس التي تنتمي بلا شك الى قيم التخلف، تستدعي تعاملا جديا واستعدادا دائما للحد من تأثيراتها، وانتشار مخاطرها، لانها ببساطة يمكنها أن تصنع مجتمعا مشلولا تماما، يعيش عالة على الشعوب الاخرى، من خلال المساعدات وما شابه، حتى لو امتلك الثروات الكبيرة، لإن اليأس يعطّل التفكير والتخطيط السليم، بل ويعطّل التنفيذ السليم، فيبقى المجتمع الغني بثرواته فقيرا، بسبب هيمنة قيمة اليأس مع قيم التخلف الاخرى على المجتمع، فتحد من تقدمه الى أمام، لذلك فإن الجميع مطالبون بوأد تأثير هذه القيمة المتخلفة وهي في مهدها، أما كيفية القيام بذلك، فقد ذكرنا الدور المهم والكبير للعائلة، في منع حالة اليأس عن السيطرة على افرادها، بالاضافة الى العمل المنظّم للمؤسسات الرسمية المعنية بمقارعة اليأس عن الشباب وسواهم، من خلال مراعاتهم وامتصاص البطالة والفراغ من حياتهم، فضلا عن الانسان نفسه، إذ تقع عليه مسؤولية كبيرة، في منع اليأس من التسلل الى نفسيته، حتى يبقى عنصرا فاعلا ومبدعا في الوقت نفسه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 26/شباط/2014 - 25/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م