الدعاية..

من قاموس الامام الشيرازي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لكل انسان حاجات متنوعة ومتعددة، منها ما هو حقيقي ومتأصّل في نفسه، ومنها ما هو نتاج المجتمع الذي يمارس على الفرد تأثيره عبر التكييف المتتالي بواسطة مؤسساته الاقتصادية والأيديولوجية والسياسية من اجل التحكم في ردود افعاله وتوجيهها.

وهذه الحاجات غير محدودة في طبيعتها، لكن المتفق عليه بالمقدار الذي تعارف عليه الباحثون والمختصون في النفس الإنسانية، انها احدى عشرة حاجة، هي (الانتماء - الهيمنة - الاعتراف - الاختلاف - تحقيق الذات - حب الظهور - الاستقلالية - العدوانية - الامتلاك - النظام - الأمان).

بالمقابل، يختصرها اخرون في (ميول اصلية) تتحدد من خلالها الكينونة العميقة للإنسان. وتختصر عادة في ثلاثة:

ميول تشمل الغرائز المباشرة في الوجود الإنساني، أي ماله علاقة بالتغذية.

ميول ترتبط بعلاقة الفرد بغيره.

ميول لها علاقة بما نسميه عادة بحب البقاء.

وتشكل هذه الميول الجوهر الرئيس لكل الانفعالات البسيطة منها والمركبة، الحالية او الماضية او التي ستاتي.

كل انسان يعيش في مجتمع يتفاعل معه، وينفعل لقضاياه وهمومه. وهو في كل عمل يقوم به، ينشد لتحقيق وأشبع تلك الحاجات او الميول، بشتى الوسائل والطرق، وهذه الحاجة للإشباع ليست موضوعنا، بل هو عمل الانسان في (الشأن العام) والذي لا يتقوم او يعرف الا من خلال تسويقه ونشره وإيصاله الى الاخرين.

عملية (النشر والتسويق والايصال) هي جوهر وصلب ما يسمى (الدعاية).

والتي تعني في المعجم اللغوي العربي، الدعوة إِلى مذهب أو رأُي بالكتابة أو بالخطابة ونحوهما. أوهي منهج أو طريقة لخلق اتِّجاه مشايع أو معادٍ نحو سلعة أو فكرة أو مذهب بالكتابة أو الإعلان أو الخطابة أو نحوِها.

في زمننا الراهن، توسع مفهوم الدعاية، نتيجة توسع النشاطات والاعمال والأفكار التي تدعو اليها، وتوسع الجمهور الذي تستهدفه.

فهي أصبحت تعني: (النشاط الذى يؤدى الى التأثير فى عقيدة (تفكير) الجمهور، سواء لجعله يؤمن بفكرة أو مبدأ معين، أو من أجل صرفه عن فكرة أو مبدأ يؤمن بها, ولها وسائل متعددة منها: الإعلان, الإعلام, الخطب والأحاديث والمناقشات, تنظيم الاجتماعات, عقد المؤتمرات والندوات, تأليف الكتب والقصص, ترويج الاشاعات) الى اخر ذلك.

أو هي: (محاولة التأثير في الأفراد والجماهير والسيطرة على سلوكهم وذلك في مجتمع معين ولهدف معين أو هي الجهود التي تبذل لتغيير معتقدات الناس واتجاهاتهم وآرائهم باستعمال وسائل النشر المختلفة).

أصل الكلمة لاتيني حيث استعملت أول مرة من قبل البابا چريچوري الخامس عشر سنة 1622 عندما أقام لجنة سماها التجمع المقدس للدعاية وكانت مهمتها نشر العقيدة الكاثوليكية في العالم بأسره.

يتحدد عمل الدعاية في ثلاثة أمور هي : (المثير – الاستجابة - رد الفعل). والدعاية لها تأثير كبير على المجتمع وعلى اعمال افراده.

في كتابه (الرأي العام والاعلام) يفرد الامام الشيرازي الراحل (قدس سره) فصلا كاملا للدعاية وموضوعاتها التي تتفرع اليها.

وهو يحث على التوجه للدعاية والاستفادة منها، لان (لها الأثر الفعال في التأثير على الرأي والسلوك وفي تهيئة مقدمات النهوض وفي ترويج الأفكار والبضائع وما شابه ذلك). وتشترك في الأهمية والتأثير (الدعاية حقا او باطلا).

يقيم الامام الراحل (قدس سره) تمييزا وفرقا بين الدعاية والتبليغ، من خلال التحقق على ارض الواقع، فالدعاية (تستعمل فيما ليس له واقع). بينما (التبليغ هو إيصال المعلومات او الحقائق او الرسائل الى طرف اخر سواء بالنسبة الى الحكومة او الدين او الراي او ما اشبه ذلك مما يريد المبلغ إبلاغه الى الجانب الاخر، ويستعمل اللفظ غالبا في بلاغ شيء واقعي).

بالعودة الى الأثر والتأثير، رغم توزع الدعاية على توجهين، هما الحق والباطل، فان الامام الشيرازي (قدس سره) يقسم الدعاية الى قسمين هما: (الدعاية الإيجابية، وهي التي تروج لشيء معين، مثل الدعاية لذكر محاسن دين او عقيدة او نظام او ما اشبه ذلك).

والقسم الثاني هو (الدعاية السلبية وتسمى بالدعاية المضادة، وهي التي تروج ضد شيء معين وذلك بان يذكر الداعي نواقص الطرف المقابل، وبذلك يوجب التفاف الناس حول طرف الداعية).

كل دعاية تستخدم جملة من (المثيرات) لتحقيق استجابة الجمهور لما تطرحه.

وهي تبعا لنوع (المثير) الذي يخاطب حاجات الانسان الاحدى عشرة، او ميوله الثلاثة، يقسمها الامام الراحل الى ثلاثة اقسام:

(الدعاية الموجهة لمخاطبة العقل: وهي الدعاية القائمة على الاستدلال العقلي.

الدعاية الموجهة لمخاطبة العاطفة: وهي التي تستخدم الأساليب العاطفية لاثارة العاطفة.

الدعاية الموجهة لمخاطبة النفس: وهي التي تستخدم الاثارة النفسية في تحقيق ماتصبو اليه).

ويؤشر الامام الراحل، لحقيقة تتوفر عليها كل دعاية، وهي نوعية خطابها الذي يتوزع بين المكشوف والمضمر، او كما يسميها (الأساليب الظاهرة او المقنّعة)  بغض النظر عن (أهدافها حقا كانت أو باطلة).

يؤكد الامام الراحل (قدس سره) على نبل الوسيلة والغاية في الدعاية، ويرى ان ذلك يتوقف على امرين مهمين هما: (ان يكون الهدف سليما وصحيحا - وان يكون رجل الدعاية شريفا ونزيها).

بغياب هذين الامرين (يمكن ان يستخدم رجل الدعاية، الباطل في تنفيذ ماربه). ويمكن لكل من الحق والباطل ان يصبحا هدفا ويمكن ان يصبحا وسيلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 26/شباط/2014 - 25/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م