القمة تتسع للجميع

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في احدى الأمسيات لأستاذ كبير، حيث يلتقي مجموعة من مختلف التوجهات الفكرية والدينية، تحدث احدهم منطلقا من وهم التفوق على الاخرين، لما يعتقد انه قد امتلكه وتفرد فيه عن الاخرين، وهو توهم لا ينطلق من جهد فردي اوصله الى ما هو عليه، بل تدخل فيه عوامل أخرى إضافة الى ذلك الجهد ربما هي التي تشكل المساحة الأكبر من صنع هذا الوهم في التفوق..

بعد وقت قصير، وبعد احاديث منوعة لمتحدثين اخرين، تحدث صاحب الأمسية والمستضيف للحضور، قائلا وهو يوزع ابتساماته على الجميع، ومتنقلا بأنظاره على وجوه الحاضرين: أحيانا يصل الواحد منا الى القمة في كل شيء، أو في شيء معين، نتيجة جهوده وكده، وبمساعدة عوامل أخرى، يتربع على القمة لوحده، وينظر الى الاخرين الذين يحاولون الوصول اليها، ويكونون اسفل منه، وبدلا من ان يمد يده اليهم لمساعدتهم على تسلق الخطوات الأخيرة، الا انه يقوم بركلهم، خوفا من ان يزاحموه على مكانه في القمة..

والقمة هي الجزء الأعلى من كل شيء، فقد تكون قمة جبل، وهو ما يخطر في ذهن الانسان اول وهلة عند سماعه تلك الكلمة، وهو قد يكون قمة جمل، وهو سنامه المرتفع على ظهره، وقد تكون القمة في صفات ومزايا معنوية، كالأخلاق والعلم والثقافة والمعرفة، وغيرها من قمم غير ذلك، أو قد تكون في العظماء، فهم قامات ومنارات يستضاء بعظمتهم، كالأنبياء والائمة وقادة التغيير وعلماء كل مجتمع انساني.

ليس من السهل الوصول الى القمة، انها تحتاج الى مميزات وصفات قد تكون خارقة للفهم البشري البسيط، وقد تكون تلك القدرة الخارقة هي من السهولة بإمكان امتلاك الجميع لها.. ربما قد تكون صفات من قبيل البساطة والوضوح والإخلاص والايمان والحماس والحب، هي صفات مرجحة لتقودك الى طرق الوصول الى القمة والتربع عليها..

وانا اكتب هذه الكلمات، انظر الى صفحة (الوورد) التي امامي في قمتها يوجد عنوان الموضوع ومباشرة خلفه قوسان يضمان كلمتين لا اكثر هما (وضع التوافق).

التوافق والاتفاق هو الشرط اللازم لكل من يصل الى القمة، بغض النظر عمن يكون اول الواصلين..

وهو شرط انساني يفترض وجوده في كل عمل يقوم به الانسان مع الاخرين، وحتى بعيدا عن القمم او الأدوار العليا التي يتسلق اليها الانسان ليصل الى ذروتها..

يمكن ان تنفتح هذه الكلمات على نوافذ أخرى، من قبيل الفردية او الجماعية في الاعمال التي يقوم بها الانسان، وتتقوم من خلالها فلسفة وجوده في هذه الحياة..

العمل الفردي، وهو في حقيقته ليس فرديا خالصا الا بمقدار منفعته المادية البحتة لصاحبه، او المعنوية التي تتحق كإثبات جدارة او تحقيق طموح معين، انه حتى في صلب فرديته تلك لا يمكن ان يكون واضحا ومعروفا الا من خلال الاخرين الذي يكونون طرفا فاعلا في تجسيده على ارض الواقع..

الا ان المحصلة النهائية هي لي وحدي، انا القائم بهذا العمل. وتتسع وتتكاثر أرباح وثمرات عملي الفردي من خلال وضع التوافق مع المحيط الذي اعمل فيه ومن خلاله.

الجماعية تختلف عن ذلك، رغم ان فردانية العمل هي التي تحرك العمل، الا انها في محصلتها النهائية ومع عاملين اخرين، تكون الثمرات والمكتسبات للمجموع، الذي هو فريق العمل..

ويكون وضع التوافق في المجموع اكثر حضورا، او انه يكون اشد مطلبية لتحقيق الإنجاز الذي تحرك دوافعه مجموعة العاملين.

لحظة التوافق هي لحظة صفاء وارتقاء، وهي اللحظة التي تمد يدك فيها الى الاخرين الذين معك لكي يقطعوا الخطوات الأخيرة للوصول الى القمة والجلوس فوقها.

انها لحظة كريمة ونبيلة، وفيها من السخاء الشيء الكثير، ولا يملك السخاء الا من كان متواضعا، سهلا، سمحا، ممتلئا، ثريا، قويا، لا يخشى من الآخرين جلوسهم معه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 25/شباط/2014 - 24/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م