المنظمات الإنسانية بين دور الإغاثة وعقبات السياسة

سوريا مثالاً

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: عندما تندلع الحروب ويتمزق جدار الأمن ولا يبقى للشعوب ما يتسندون اليه في حياتهم، سوى أن يهيموا بوجوههم صوب الصحاري والفيافي بعيداً عن نيران الحروب والدمار والموت، تكون المنظمات الإنسانية الدولية، بمنزلة بصيص الأمل الوحيد للحصول على لقمة الخبز والمكان الآمن والدفء وبعض المتطلبات الأساسية للعيش.

وبما أن الشعوب تعد طرفاً في الحروب، سواءً الأهلية منها او الدولية، من حيث تريد أو لا تريد، فهي من الناحية العسكرية والميدانية تمثل "منطقة محرمة" في ساحة المواجهة كل من يدخلها من طرفي النزاع يكون سبباً في عمليات قصف مدفعي او صاروخي او حتى عمليات قنص وغيرها من أسباب الموت التي يدفع المدنيون ثمنها ايضاً، لذا نجد هذه المنظمات هي الوحيدة القادرة على اختراق الميدان بوصفها جهة محايدة وخارج دائرة الصراع، فتأتي بعجلات وشاحنات تحمل مواد الاغاثة للمنكوبين، او ربما تأتي بحافلات لنقل الاطفال والنساء وكذلك الجرحى والمرضى ومهام عديدة اخرى.

بيد أن هذه المهام الانسانية البريئة ربما تصطدم او تتعرض للتصدّع خلال احتكاكها بالمحادثات مع طرفي الحرب والنزاع، لاسيما وأنهما يدعيان دائماً وعلى طول الخط، أنهما صاحب الحق والآخر على باطل، وهو المعتدى عليه، والآخر المعتدي.. وأي نيران تواجهها خلال اعمال الإغاثة او عقبات في الطريق، فهي من الطرف المقابل..!.

وإن كان لها اصرار على تنفيذ مهامها والوصول الى جميع المنكوبين والمشردين، وعقدت اتفاقيات مع احد طرفي النزاع او حتى تكون منطلقة بالأساس من أحدهما، حينئذ الطامّة الكبرى، اذ ستفقد الحيادية والموضوعية في التعامل مع الحدث. وبالتالي ربما تحقق نجاحاً في مكان يسيطر عليه طرف ما في الميدان، وتعجز عن الوصول الى المكان الآخر الذي يسيطر عليه الطرف الغاضب عليها.

ولعل الوضع الإنساني في سوريا يكون مثالاً للمعاناة التي يواجهها حوالي عشرة ملايين انسان داخل البلاد وخارجها، فاضافة الى ما نسمعه من صيحات ونداءات إغاثة من هؤلاء، نسمع اليوم شكوى المنظمات الانسانية من عدم قدرتها على تنفيذ مهامها في مساعدة النازحين في المخيمات او العالقين بين نيران المعارك، والسبب هو ما لا يجب ان تغفله في ساحة المواجهة بين نظام حكم قائم يعد نفسه صاحب الشرعية في الداخل والخارج، وهو المعتدى عليه، وبين جماعات المعارضة المسلحة التي تقول إن الجرائم والاعمال اللاانسانية التي ترتكب ضد المدنيين هي نتاج سياسات النظام..!.

وابرز مشكلة يواجهها النازحون في سوريا، قلة عدد المنظمات الانسانية الدولية المحايدة، فما موجود على الساحة عدد كبير من الاسماء التي تعود لاطراف المعارضة السورية التي تتخذ من عواصم اقليمية ودولية مقراً لها، وتنظر اليها الحكومة السورية بعين الريبة، فهي ان تمكنت من فعل شيء، فهو في المخيمات الواقعة على الحدود مع تركيا حيث معاقل المعارضة، او في مخيمات اللاجئين في الاردن، أما المحاصرين في سوح المعارك مثل مدن حمص وحلب وادلب وغيرها، فهم يعلنون صراحة أنهم مهمتهم هناك  "مستحيلة".

بعض المراقبين والمتابعين للشأن الانساني في سوريا، يرون أن غياب منظمات دولية، مثل الصليب الاحمر او الهلال الاحمر، او منظمات انسانية تابعة للمنظمة الدولية، يعود الى حرص "الجماعات الاسلامية" التي تعد نفسها طرفاً اساس في المعارك مع الحكومة السورية، على التواجد لانقاذ الاطفال والنساء، لاسيما وان بينهم أسر لناشطين وأعضاء في هذه الجماعات، فبين العوائل النازحة من يكون معيلهم في السجن او قتل في المعارك، او ما يزال يعمل في صفوف المعارضة. 

مثال ذلك؛ ما يطلق عليه بـ "الإغاثة الاسلامية" التي تحدث مندوبها الى وسائل الاعلام مؤخراً وهو يشكو "التمويل الذي يمثل عائقا أساسيا فهو ليس بحجم الأزمة التي تتفاقم يوما بعد يوم"، كما يشير الى شحة المحروقات والمواد الطبية في مخيم  "يالاداغ" على الحدود التركية السورية. بما يعني أن هذه المنظمة او الجماعة الانسانية تتوقع من العالم رصد الاموال لها لتقوم هي بدورها بتوفير الغذاء والدواء والدفء والمستلزمات الاساسية للنازحين، وهذا بحد ذاته يطرح التساؤل العريض لدى الرأي العام العالمي، عن السبب في قلة التمويل اذا كانت هوية المنظمة الانسانية "اسلامية".

ولعل هنالك من يحاجج بقوة شكوى قلّة الامكانيات لدى "منظمة إنسانية إسلامية" ولقضية مأساوية بحجم المأساة التي يعيشها السوريون، فقد نشرت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية مؤخراً خبراً مفاده أن ولي العهد السعودي الامير سلمان بن عبد العزيز، استأجر جزر المالديف السياحية ولمدة ثلاثة أيام فقط بمبلغ ثلاثين مليون دولار، من اجل قضاء هذه الايام الثلاثة في اجواء مشمسة ورائعة على الشواطئ الخلابة..! فهل يصدق العالم بعد ذلك، وجود مشكلة مالية لدى منظمة إغاثة اسلامية..؟.

وفي الوقت تستمر معاناة النازحين السوريين، تستمر ايضاً نشاطات المنظمات الانسانية السورية، ليس فقط في اعمال الاغاثة فقط، وإنما في لملمة أطرافها وتنظيم صفوفها، ربما حتى لا تصاب بالداء التمزق والتشرذم الذي ابتليت به الجماعات السياسية والتنظيمات الارهابية المسلحة، وكان منها المؤتمر التأسيسي لـ "شبكة إغاثة سورية" الذيي عقد في مدينة "غازي عنتاب" التركية، بحضور نحو سبعين منظمة سورية غير حكومية عاملة في مجال الإغاثة الإنسانية داخل سورية وخارجها، تمهيداً لبناء هيكليتها التنظيمية وانتخاب كوادرها وتنسيق العمل بين المنظمات الأعضاء فيها.

ويهدف المؤتمر – حسب القائمين عليه- إلى "عرض الواقع والتحديات واستشراف المستقبل للوضع الإغاثي في سورية وخلق آليات تنسيق بين المنظمات المختلفة للاستجابة لتحديات تدهور الحالة الإنسانية هناك ومخيمات اللجوء، كما سيتم إنشاء الهيكلية الخاصة بالشبكة المتضمنة انتخاب مجلس أمناء الشبكة ورئيس الشبكة، وإقرار النظام الأساسي لها.. ويتخلل المؤتمر مناقشة تقارير حول الأزمة الإنسانية في سورية، دور الجانب الإغاثي في بناء التلاحم الاجتماعي ودور المرأة، وأهمية أمن المعلومات والاتصالات للعاملين في الإغاثة الإنسانية، والمعوقات وطرق التنسيق والتعاون المقترحة بين المنظمات، وكذلك تقديم تقرير خطة التحول الديمقراطي في سورية".

كما هو واضح، فان هذا التشكّل وغيره، والذي يضم رقماً كبيراً من منظمات باسماء ربما لايكون لها وجود حقيقي ومتكامل على ارض الواقع، يعطي الشرعية لنفسه بنفسه، ويخيل الى المتابع أن سوريا، مجرد أرض محروقة فيها شعب دمرت منازله وفقد مقومات العيش، وهو بحاجة الى من يوفر له الخبز والماء والكهرباء والأمان و.. في حين الواقع غير ذلك، فالحكومة السورية لها ايضاً نشاطها في المجال الانساني، فهي تتحدث باستمرار عن خطط لاعادة البناء والإعمار ومتابعة المتضررين من المعارك داخل المدن. نعم؛ إن حصل هنالك تنسيق بين المنظمات الانسانية في العواصم الإقليمية والمنظمات الانسانية في العاصمة دمشق، حينئذ يمكن الاستبشار بخطوة متقدمة نحو إغاثة شاملة وحقيقية لجميع المتضررين من ابناء الشعب السوري، وإن كان هذا التنسيق موجوداً بنوايا صادقة، لما سمعنا وشهد العالم الصور المريعة والمؤلمة لأهالي حمص وهم يقتاتون على الحشائش والنفايات ليبقوا على قيد الحياة قبل ان يتوصل طرفا الحرب الى اتفاقية تضمن لهؤلاء الحياة لفترة معينة اخرى. ولما شهدنا أعمال القنص التي تستهدف المدنيين الخارجين من "جحيم حمص" مما يضطرهم الى الاحتماء بسيارات الامم المتحدة التي ترفع الاعلام البيضاء والخروج سالمين من المدينة.

من هنا، يبدو من الضروري جداً ابتعاد اعمال الاغاثة الانسانية عن أي نوع من النشاط السياسي او حتى التاثر بمواقف طرفي النزاع في سوريا، والاقتصار على الهمّ الانساني وايصال المساعدات الى المنكوبين والمتضررين، بل حتى في إبعادهم عن نيران المعارك ومخاطر الموت وبالتالي للتخفيف عما لحقهم من محن ومعاناة سببها الصراع العقيم على السلطة في سوريا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 24/شباط/2014 - 23/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م