مخاطر السلوك التصادمي

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: من أخطر القضايا التي واجهتها البشرية، عبر رحلتها الطويلة منذ نشأتها على البسيطة والى الآن، قضية العنف وما يتعرض له الانسان من أشكال الموت والتدمير جرّاء العنف المتزايد في المعمورة، ومع كل الجهود التي يبذلها المفكرون الاصلاحيون والفلاسفة الايجابيون، إلا أن وتيرة التطرف لا تزال تشكل خطرا على الوجود الإنساني برمته، حيث صور الدمار تطال أماكن كثيرة وكبيرة تمثل دولا ومجتمعات، أصبح الصراع بينها خطيرا، ليصل في العصر الراهن الى درجة التصادم والاحتراب، نتيجة لتزايد حالات وأفكار وجماعات التطرف.

وقد ورد في نظرية اللاعنف للامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله): أن (التاريخ أعظم سجل دوّن للإنسانية على صفحاتها أغرب أساليب العنف والعدوان والتعسف الفردي تجاه الأفراد، والجماعي ضد الشعوب والمجتمعات.. وما اقترفته المجموعات المتطرفة أو ممن آمنت بسلوك العنف كموصل لأهدافها وتحقيق مبتغاها).

ولعل الخطر الكبير الذي يمثله السلوك التصادمي على البشرية، يتمثل باستفحال هذه الظاهرة في المجتمع، فتتحول الى منهج حياة وسلوك وتربية، ليغدو العنف والاحتراب والاقتتال هو جوهر الحياة البشرية!، في حين أن المطلوب هو الارتقاء بالإنسان لكي ينبذ التربية بالعنف، ويهتدي الى سبل التعايش، وينبذ كل اشكال التطرف، وذلك من خلال زرع بذور الخير ومبادئ السلام في نفوس الناس، أفرادا وجماعات، وهذه المهمة على الرغم من صعوبتها والمشكلات التي تعترض تحقيقها، إلا أن المنظمات والجهات المعنية في المجتمع، ينبغي أن تضع الخطوات اللازمة لنشر روح الألفة والسلام والتعايش بين الناس، بديلا عن العنف وبعيدا عن أشكال التصادم والاحتراب.

دعاة التصادم ودعاة السلام

لا تزال قضية التربية بالعنف تشغل العالم اجمع، بسبب مظاهر التطرف المتنامية في مناطق كثيرة وحساسة من العالم، ولعل الخطر الكبير يكمن في الجماعات المتطرفة التي تنامت واشتد عضدها، وأخذت تخطط للعنف وتنفذه بوسائل وطرق وأدوات شتى. في وقت تغض الطرف وتسد المسامع وتغلق البصائر عن الأصوات التي تدعو للسلام!.

فقد ورد في نظرية اللاعنف للامام الشيرازي في هذا المجال: (إنّ ما يثير الدهشة هو أن صورة العنف أصبحت أكثر شدة وأكثر حدة، وكذلك أكثر تكراراً، ورغم أن دعاة اللاعنف ما زالوا يدعون الإنسانية إلى الركون للعقل واللجوء إلى اللاعنف؛ فهو السبيل العقلاني لحل إشكالات العصر المتزاحمة بفعل فوضى الطموحات المتسارعة ونشر الأفكار القسرية على الناس والشعوب .. إلا أن دعاة العنف يضعون قيمة الإنسان وحريته وكرامته من الأولويات في فض التشابكات، وأول دعاة اللاعنف الدين الإسلامي إذا أخذنا بنظر الاعتبار دعوته إلى اللاعنف كإستراتيجية لها قواعدها وأصولها وتنظيرها الخاص بها).

إن دعوة الامام الشيرازي الى بناء المجتمع بروح التآخي والاحترام ونبذ اسلوب التصادم، جاءت في معظم أفكاره ومؤلفاته، لاسيما في (نظرية اللاعنف)، لكي يبتعد الناس عن التطرف، ولكي يكون هاجسهم البناء والتطور فحسب، وليس الانشغال بتوافه الامور، والاحتراب الذي يشغل المجتمع عن المضي قُدما الى امام، لذلك يحث الامام الشيرازي على عدم التسبب بالأذى للاخرين، والتعامل بالحسنى واللين معهم.

ويعرّف الإمام الشيرازي مبدأ اللاعنف بقوله: (هو أن يعالج الإنسان الأشياء سواء كان بناءً أو هداماً بكل لين ورفق، حتى لا يتأذى أحد من العلاج). لذا هناك تركيز على اهمية تجنب الاذى المادي، أو العدوان باللفظ، حتى لا يتحول ذلك الى تربية أو سلوك عام يمارسه الجميع. لاسيما أن التصادم سلوك ينبع من غريزة التدمير والموت لدى الجماعات المتطرفة. إذ جاء في نظرية اللاعنف للامام الشيرازي: (إن السلوك العدواني والعنف وإيذاء الغير أو الذات، وصور عدة منها عن طريق العنف الجسدي. والعدوان باللفظ: الكيد والإيقاع والتشهير ومختلف السلوكيات المتوقع حدوثها تحت هذا المفهوم ناتجة عن غريزة التدمير أو الموت).

الرفق وتبادل الآراء

من مظاهر ارتقاء الانسان والمجتمع، أن يتحلّى بالقدرة على تبادر الآراء مع الآخر، وأن يكون مستعدا لتبادل الحوار بدلا عن الوسائل المؤذية ماديا أو معنويا، لذلك من أهم اشكال العلاقات الانسانية التي حث عليها الاسلام، التعامل المتبادّل بالحسنى، فهذا المبدأ يجنب الناس والمجتمع حدة التضارب في الآراء، ويخفف من حالات الاحتقان، ويربي المجتمع على التربية الهادئة التي تنبذ الاسلوب التصادمي في العلاقات الانسانية، او الاجتماعية، أو السياسة، او سواها، فالحوار والتربية بنبذ العنف والاحتواء، والابتعاد عن بؤر التطرف، هي الوسائل التربوية السلمية الراقية التي يحث عليها الاسلام.

وهذه هي بعض المرتكزات الفكرية، الاخلاقية، المبدئية، التي ارتكزت عليها رؤية الامام الشيرازي، حول طبيعة العلاقات المجتمعية التي ينبغي أن ترفض الاستبداد، والارهاب، وتنبذ اراقة الدماء، وتلجأ الى الشورى وتبادل الرأي، والابتعاد عن اسلوب التصادم، على أن يتم نشر هذا الاسلوب كمنهج سلوك للمجتمع بكل مكوناته، فيحلّ اسلوب الانسجام بديلا عن اسلوب التصادم في ادارة شؤون الناس كافة.

وقد ورد في نظرية اللاعنف للامام الشيرازي في هذا المجال: أن (الإسلام لا عنف ولا إرهاب ولا دكتاتورية، ولا استبداد، ولا حب في إراقة الدماء وإنما هو عدل وشورى وتبادل للرأي، وحب الخير، ونشر لألوية الأمن، ودعوة إلى السلام في رفق ولين وإخاء كما يتجلى ذلك في قول الله سبحانه وتعالى: *وقولوا للناس حسناً* سورة البقرة/ 83).

من هنا ليس ثمة طريق لدينا نسير فيه، سوى طريق السلام ونبذ التصادم، وهذا يتطلّب جهودا مضاعفة لنشر اسلوب التربية بالحوار، وتبادل الرأي، واللين ونبذ كل اشكال الاحتراب، وهذا الامر ليس لغة وكلمات نتبادلها ونتكلم بها فحسب، إنما ينبغي أن تتحول الى منهج سلوك فعلي نتمسك به، لكي يصبح المجتمع كله منشغلا بالسلام، وهذا هو المطلوب تحديدا.

لذا يؤكد الامام الشيرازي على: أن (الإسلام ينبذ العنف والقسوة والإرهاب قولاً وفعلاً، وقد دعا إلى اللاعنف كبديل لحلول ما يواجه الأمة من ازمات ومشاكل ومصاعب).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 24/شباط/2014 - 23/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م