الحياة تحت أزيز الرصاص

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الفارق الواضح ما بين المجتمع المدني، والمجتمع الفوضوي المتطرف، لغة الرصاص وأزيزها، فالمجتمع الاول لا يتقن لغة الرصاص بل ينبذها، ويطردها خارج مدارات حياته، بكل الطرق والسبل المتاحة له، وأول وأهم هذه السبل، انتعاش لغة الحوار، واعتماده بديلا مرموقا عن لغة الرصاص، أما المجتمع اللّامدني، القائم على التعصب والتطرف والارتجال، فإنه لا يستطيع التخلص من أزيز الرصاص، وهو في الغالب يحلّ الإشكاليات البسيطة منها والمصاعب المستعصية بطريقة واحدة، هي لغة الرصاص بديلا عن لغة الحوار.

ظاهرة العيش تحت رحمة البندقية، موجودة في مجتمعنا، ولا يمكن أن ننفيها، واذا فعلنا ذلك، فإننا نصبح كمن يدسّ رأسه في الرمال طلبا للحماية من الخطر، كما تفعل النعامة!، لا أحد يستطيع أن ينكر هذه الظاهرة، وحضورها الفعلي في حياتنا، مهما كان هذا الشخص مسؤولا كبيرا في الدولة او سواه، إننا نعيش تحت رحمة الرصاص وأزيزه شيئنا أم أبينا، وكأننا مجتمع خُلق كي يكون طعاما للحروب والاحتراب والاقتتال والإرهاب وما شابه، لا سبيل لنا لإنكار هذا الواقع الذي كلَّل أعمارنا بلغة لا تحبها كائنات الأرض كلها، لغة همجية متغطرسة يرافقها الموت وتعطيل الحياة بصورة وحشية!.

تُرى متى نغادر هذه المرحلة؟. وننتقل الى مرحلة المجتمع المدني القائم على الحوار ونبذ العنف، ورفض الميلشيات ومعالجة الاستعصاء بالتفاهم والحوار؟، لماذا حتى عندما نعبر عن افراحنا نلجأ الى الرصاص؟، وهو أمر يعرفه الجميع لانه متأصّل فينا، بل حتى في التعبير عن احزاننا لا نستطيع أن نغادر لغة الرصاص، فعندما نفرح بمناسبة او فوز كبير تشتعل سماء العراق بالرصاص فرحا، وأي فرح هذا الذي غالبا ما يخلّف ضحايا من الموتى والجرحى، كذلك عندما نشيّع جنازة معروفة، فالرصاص يحضر بقوة ايضا، ويؤدي دوره في التعبير عن الحزن؟؟، لكنه حزن مغلَّف بالكبرياء المزيفة أو الخاطئة.

هكذا تفرض لغة الرصاص نفسها بقوة على مقدّراتنا، فضلا عن مظاهر العسكرة التي تغمر وتملأ المدن والشوارع والساحات!، وكل هذا يعني غيابا كليا، أو ضعفا في مقومات المجتمع المدني الذي سبقتنا إليه مجتمعات اخرى، أصبحت اليوم هي الارقى في العالم، كونها تتقدم الركب العالمي المتمدّن، فأين نحن من هذه المجتمعات؟ ومتى نعمل جميعا، لاسيما من يتصدون للمسؤولية، من قادة ومتنفذين في الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية وغيرها، متى يتحرك كبار القوم والمجتمع، كي يضعوا حدا لهذه اللغة المقيتة، ونعني بها لغة الرصاص، ويخلصوا المجتمع من مظاهره، وأزيزه الكريه الذي يحيل حياة الجميع، صغارا وكبارا، نساءً ورجالا الى فواجع وآلام لا تتوقف، بل تشل الحياة وتوقفها، لأن الرصاص والحياة على نقيض تام كما هو معلوم.

لذا نحن نحتاج كدولة، الى مراجعة جدية للتضخم الامني غير المبرر، كما أننا نريد أن نغادر مظاهر العسكرة والمليشيات، ونطمح أن نصبح مجتمعا مدنيا، قوامه الانسجام، وأداته لحل المعضلات الشائكة، لغة الحوار البنّاء، كما أننا بحاجة ماسّة الى نبذ الخطاب العنيف، أياً كان مصدره أو تبريراته، لأننا في هذه المرحلة بالذات، نحتاج الى لغة هادئة متوازنة، تحمل في حروفها وكلماتها وسطورها ومعانيها، المحبة، والتعايش، والاحترام، والقبول بالآخر، ونتمنى أن تتحلى هذه اللغة بالمبادئ الانسانية العظيمة التي تؤاخي بين الانسان والانسان بغض النظر عن الانتماء (العرقي، والديني، والمذهبي) وما شاكل.

وهكذا علينا -لاسيما المسؤولون الذين يتقدمون الصف- أن نؤمن جميعا بدرء خطر الرصاص، ونبذ العنف، وأن نرفض العيش تحت رحمة البندقية، وعلى من يظن أن البندقية ستوفر له الحماية المطلوبة، والحاضر الافضل، والمستقبل المضمون، عليه أن يفهم بأنه سيكون أول ضحية للبندقية، لأن الذي يعتمد لغة الرصاص اسلوبا وطريقا لحياته، لا يفارقه الرصاص الى الابد، وقد يكون هدفا للبندقية نفسها!، هكذا يغدو حلم المجتمع المدني هاجسنا جميعا، مثلما نتفق جميعا على وأد لغة الرصاص وهي في مهدها.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 22/شباط/2014 - 21/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م