التغيير في العراق وحبة ماتريكس الزرقاء

باسم حسين الزيدي

 

في فلم "ماتريكس" الشهير بأجزائه الثلاثة التي تدور حول غزو الأرض من قبل فضائيين، كانت الحبة التي تناولها البطل هي الفارق بالنسبة له للخروج من الواقع الافتراضية للمصفوفات التي صنعت من قبل آلات الحاسوب المتطورة من اجل تحويل الإنسان الى داجن وإخضاعه لاستخدامه فيما بعد كمولدات طاقة لصالحهم.

ويبدو ان "المصفوفات" التي يعيشها العراق وشعبة لا تختلف كثيراً عن ذلك العالم الافتراضي لماتركس، باستثناء غياب المنقذ والمعارضة الواعية الساعية للتغيير الحقيقي بدلاً من التكرار المقيت لمسلسل الأحداث الجارية والتي ستجري في العراق مستقبلاً، وفي غياب التخطيط وسيطرة العقليات السياسية التي لا تعرف ما تريد صنعة لمستقبل العراق ما خلا السباق المحموم فيما بينها لتحقيق المصالح الحزبية الضيقة وضمان مستقبلها الشخصي كما الحال في التصويت الأخير على التقاعد الخاص للنخبة الحاكمة.

الفضائيون موجودون من حولنا في العراق، اولهم في وزارة الخارجية العراقية التي اشارت في موقعها الرسمي عن توجهاتها الكبيرة لرسم مستقبل العراق بالقول "تأتي مسيرة السياسة الخارجية لجمهورية العراق ضمن مسار زمني يشهد تحولات اساسية في المنطقة والعالم وهي بمجملها تمثل تحديا اضافيا لاستحقاقات السياسة الخارجية العراقية واهدافها، ومن اهمها موجة الثورات العربية التي تعصف بالمنطقة، فقد حرص العراق عبر دبلوماسية هادئة وفعالة على الوقوف بمسافة واحدة من جميع أطراف التغيير"، ويبدوا ان الدبلوماسية "الهادئة" وصلت حد "النوم" كما في مصفوفة ما تركس، لتجد ان الخارجية العراقية تعيش في وادي يختلف تماماً عن الوادي الذ يعيش فيه الاخرين برغم التحديات الهائلة التي القيت على عاتقها في العراق الجديد.

ربما الابتعاد عن السياسية وصراعاتها ونقص الخدمات والطائفية والفساد المستشري في مفاصل الدولة وتردي الامن، يكون هو الأنسب في الوقت الحاضر لدى الكثير من العراقيين، فما عليك سوى تناول الحبة الزرقاء (عكس ما تناوله المنقذ نيو)، وبعدها كوب من الماء، لتعيش بقية حياتك امناً، الزواج والعمل والنوم والاكل واخيراً الموت، من دون أي صداع او وجع راس للتفكير بمستقبل العراق او ما يدور حولنا.

لكن الى متى، وهل نحن من يعيش في زمن التغيير ونستحق ذلك، ام التغيير هو من يدور في فلكنا وينتظر منا التحرك؟

المشكلة التي يعيشها العراق تحتاج الى الكثير من التأمل والدراسة، "الحبة الزرقاء" التي يحتاجها الجميع في العراق، بضمنهم كاتب السطور، تتمثل في إعادة صياغة الواقع الثقافي والشعبي الذي جلب لنا كل الكوارث السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي نعيش ارهاصاتها في الوقت الراهن، علينا ان نكون بمستوى التحدي، ونثور ضد أنفسنا، صمتنا، تفكيرنا، لنكتشف الحقيقة، بعدها، لا ان ننطلق من فرضيات مسبقة جعلناها مكان المسلمات وهي ليست كذلك بالفعل.

المشكلة الأخرى التي يعاني من العراق في زمن المصفوفات، ان الجميع تخلى عن التغيير، وتحولنا الى مراقبين ومقيمين للوضع الداخلي والخارجي، وكان الامر لا يعنينا او نحن أفضل من الاخرون، وربما يكون العكس صحيح، البعض يلقى اللوم على السياسيين، النخبة المثقفة، الإرهاب، دول الجوار، لكن لم نسمع من يلوم نفسه او يسألها، على الاقل، ماذا قدم لبلدة وهل يطمح فعلاً لرفض الواقع المفروض عليه؟

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 22/شباط/2014 - 21/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م