قيم التقدم: الاعتبار

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: تعني مفردة الاعتبار بالمعنى المتداوَل لها، قيمة الانسان وكرامته، لذلك يُقال على الانسان أن يحفظ اعتباره، بمعنى قيمته وكرامته، وثمة معنى آخر لهذه المفردة، له علاقة بتعلّم الدروس الاخلاقية والانسانية عموما، أو ما يطلق عليها بـ العِبَر من العِبْرة، وتعد قيمة الاعتبار من أهم قيم التقدم، كونها تمثل حرص الانسان على التطور والتعلم من التجارب التي تمر به، فضلا عن اتخاذه النماذج الجيدة مثالا له، كي يتعلم منها السلوك السليم والفكر الانساني المتوازن، ذلك الفكر الذي يضع قيمة الانسان، ومكانته واعتباره وكرامته في المقدمة دائما.

ومما يوصي به العارفون دائما، أن يأخذ الانسان العبرة من غيره، فحينما نؤمن بالعلم، ونبحث بجدية عن التجارب الجيدة من اجل التقدم والتطور الفردي او الجماعي، إنما نسعى فعلا الى البناء السليم للذات وللمجتمع وللدولة في الوقت نفسه، لذلك عندما ينتمي الانسان الى شخصية مرموقة، قدمت للانسانية انجازات كبيرة، كأن يكون مفكرا كبيرا او اديبا بارعا او فنانا متميزا، او رجل دين له قيمة دينية وانسانية كبيرة، مثل هؤلاء الشخصيات، لا ينبغي لنا ان نقدم الفخر بهم على اتخاذ العبرة منهم، لأن العبرة قيمة بناء تسهم في تطوير الانسانية، عندما يتمسك بها المجتمع كمنهج حياة.

ولو أننا دققنا جيدا في المعنى الذي يذهب إليه الامام علي عليه السلام في قوله: (وَلَأَنْ يَكُونُوا عِبَراً أَحَقُّ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مُفْتَخَراً)، فإننا سنلاحظ تفضيل الاعتبار على الافتخار، بمعنى على الانسان أن يفضل قيمة الاعتبار على الفخر بمن ينتمي إليه، نعم يحق لك أن تفتخر بأبيك أو أخيك أو غيرهما، عندما يتميزان في العطاء، وفيما يتم تقديمه للانسانية من جهد وخدمات تصب في تطويرها، ولكن قيمة الاعتبار تتقدم على غيرها، بسبب أهميتها وتميزها، وقدرتها الكبيرة على تطوير المجتمع، على الرغم من أحقية الانسان بالافتخار بمن ينتمي إليهم، من المتميزين والموهوبين والبارعين، لكن تبقى قيمة الاعتبار هي الاهم.

وقد أكد اصحاب الشأن من المفكرين والباحثين المعنيين بعلم الاجتماع، المكانة العالية لقيمة الاعتبار من الآخر المتميز بمنجزه الانساني، والتعلّم منه، والسير وفق خطاه، فقد أثبتت الدلائل كلها، أن الانسان لا يمكن أن يمضي خطوة واحدة الى امام، من دون النموذج الذي يرتقي به الى درجة عالية من العلم والاخلاق، والارادة الخلاقة التي تدفع بالانسان دائما نحو التقدم الى امام، وعدم الركون الى حال الثبات، أو التراجع الى الوراء، فمنطق الحياة يؤكد أن لا مجال للانسان، سوى أن يحث الخطى الى الارقى والافضل والاسمى، وهذا الهدف يصعب تحقيقه، من دون العبرة التي نأخذها من العباقرة، اولئك الذين ابدعوا في تقديم الخدمات البارعة للانسانية، فأسهموا في بناء الفرد والمجتمع على مر الزمن.

ولعلنا الاحوج من غيرنا لقيمة الاعتبار، فنحن من المجتمعات التي لا تزال تحبو نحو الاستقرار والتطور، والتي لا تزال ترنو بعيون وقلوب وعقول حالمة بمستقبل أفضل، لاسيما أننا من اوائل البشر الذين اهتموا بالعلم والتقدم، لكننا بسبب إهمالنا لجوانب اساسية تُعنى بتطوير الحياة، ومنها اهمالنا لقيم التقدم، صرنا نحتل مرتبة متقدمة في الجهل والكسل والتراجع، وباختصار و وضوح، نحتل مرتبة (عالية) من التخلف، لماذا؟، لأننا لم نهتم بالمقدار الكافي بقيمة الاعتبار بالنموذج الأمثل، بل ربما كنا نسخر من نماذجنا، او ننساهم، او نتناساهم، لهذا نحن الان بعيدين عن الركب العالمي المتقدم، ليس هذا الكلام من باب الاسى على الذات، أو تقريعها، إنها الحقيقة (الواقعية) التي نلمسها لمس اليد.

أما كيف نغادر هذه المنطقة المتدنية، من التخلف، الى مرتبة الارتقاء، فإن قيم التقدم ومنها قيمة الاعتبار، كفيلة بنقل الفرد والمجتمع كله، الى منطقة التقدم والتطور والازدهار، شريطة السعي الجمعي الدائم، لإتقان قيم التقدم، والتمسك بها، واعتمادها في إدارة وتفعيل شؤوننا كافة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 19/شباط/2014 - 18/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م