امارة القوقاز ذراع القاعدة في روسيا

إنعكاسات الجبهة الإسلامية في سوريا على أمن موسكو

جاسم محمد

 

انطلقت يوم 7 فبراير 2014 بالملعب الأولمبي "فيشت" في مدينة "سوتشي" الروسية مراسيم حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، وسط تهديدات "إمارة القوقاز" بإفشال دورة الألعاب من خلال تنفيذ عمليات ارهابية. وتعرف هذه الألعاب التي تنظمها روسيا لأول مرة في تاريخها، مشاركة حوالي 6 آلاف رياضي ورياضية من 90 بلدا. مايحدث في روسيا لم يكن بعيدا عن مايجري في سوريا، التي نتجت عنها تأزم العلاقات الثنائية مابين موسكو والرياض.الاتحاد السوفييتي، كان أول دولة اعترفت بالمملكة العربية السعودية في فبراير 1926عندما كان الاسم الرسمي للمملكة لا يزال "مملكة الحجاز وسلطنة نجد وملحقاتها". وشهدت العلاقات الثنائية الكثير من التعقيدات وانقطاعات ابرزها منتصف عقد الثلاثينات من القرن الماضي. ولم تتم إعادة العلاقات إلا في عام 1990 على إثر موقف الاتحاد السوفييتي الإيجابي بالوقوف إلى جانب التحالف الدولي إبان غزو الكويت. وكانت زيارة الرئيس فلاديمير بوتين للرياض عام 2007 أول زيارة رسمية لرئيس روسي للمملكة في تاريخ البلدين، وفي المقابل فإن أول زيارة لأعلى مسؤول سعودي لروسيا كانت في 2003 عندما زارها الملك عبدالله عندما كان وليا للعهد.

إمارة "القوقاز"

اعلن مقاتلو الشيشان والقوقاز "إمارة القوقاز" في 31 أكتوبر 2007 على لسان دوكو عمروف زعيم المقاتلين الشيشان. وتضم الإمارة كل جمهوريات شمال القوقاز وهي (داغستان، نخشيشو الشيشانوغلغايشو، إنغوشي وإيرستون أوسيتيا الشمالية وولاية كابردا بلكار ـ كرشاي المجتمعة وهي جمهوريتي قبردينو - بلقاريا وقراتشاي ـ تشيركيسيا). وإشارة الى معلومات الموسوعة الحرة، انتُخب جوهر دودايف1991رئيسا للشيشان في انتخابات عامة في 1991. ثم اعلن رئيس جمهورية الشيشان جوهر دوداييف استقلال الشيشان، مما أشعل الحرب بين الروس والشيشان 1994. حدث خلال الحرب الشيشانية الروسية بين الأعوام 1994 ـ 1996عدة عمليات احتجاز رهائن نفذتها مجموعات شيشانية في مناطق روسية مختلفة. وكانت أبرز تلك العمليات ما قام به القائد الشيشاني الميداني شامل باسييف ومجموعته التي احتلت مستشفى وحجزت كل من كان فيها وهددوا بقتل كل من فيها من أطباء وعاملين ومرضى، وانتهت العملية بقبول شروط باسييف. يتزعم إمارة القوقاز التي دوكو عمروف، تعتبر الرافد الرئيسي الآخر لإرسال المقاتلين الشيشان إلى سوريا. ويقوم عيسى عمروف، بالتنسيق مع معين أبو مصعب و أودوغو وعثمان فرض الله والثلاثة مرتبطون بمعين أبو مصعب في سوريا، عبر الأراضي التركية. وهنالك ايضا شبكات عمل اخرى لإدخال المقاتلين الى سوريا. دعا دوكو عمروف عام 2013، وهو احد زعماء الحركة الاسلامية المسلحة في جمهوريات القوقاز الروسية، اتباعه الى النفير لتقويض الدورة الاولمبية الشتوية المقرر اقامتها في منتجع سوتشي الروسي منتصف عام 2014.

عمليات انتحارية في روسيا

واستهدف هجوم انتحاري محطة قطارات "فولغوغراد" المدينة يوم 29 ديسمبر 2013 وأسفر عن مقتل 16 شخصا. وتبعه انفجار ثان في غضون يومين ادى الى مقتل عدد من المدنيين استهدف حافلة لنقل الركاب في مدينة "فولغوغراد" الروسية. وكانت العبوة التي استخدمت في الهجوم احتوت على 10 كيلوغرامات من مادة "تي ان تي"، وكانت محشوة بالقطع المعدنية، وانها فجرت قرب جهاز كشف المعادن عند مدخل المحطة. وفي وقت سابق في أكتوبر 2013 نفذت انتحارية عملية داخل حافلة مدنية في فولغوغراد، مدينة ـ ستالينغراد. إن استخدام مثل هذا النوع من العمليات بعكس بان صنع القنابل كان بامكانيات محدودة واستخدام المواد المعدنية في التفجير يهدف الى الحاق اكثر عدد من الضحايا. اما تفجير الانتحاريين انفسهم امام حواجز التفجير، فهو يبرهن تحدي لمقاتلي امارة القوقاز والمضي في عملياتها الانتحارية، رغم انها تعكس بان الانتحاريين لم يستطيعوا ان الوصول الى اهدافهم، يشار ان روسيا تراقب بشدة "امارة القوقاز" وفرضت حواجز تفتيش عند المحطات والمناطق المزدحمة. الاهداف التي تستهدفها امارة القوقاز في تكون اهداف رخوة وسهلة وتتركز في المناطق المدنية. امارة القوقاز اصبحت معروفة باستغلال النساء في العمليات الانتحارية، اغلبهن من أرامل انتحاريين او زوجات معتقلين لدى الحكومة الروسية. الحكومة الروسية عرفت باتخاذ الحزم والشدة بالتعامل مع العمليات والمجموعات الارهابية.

المقاتلون الشيشان والجهاد العالمي

تشير التقارير الميدانية بان مقاتلي الشيشان شاركوا في ساحات "جهادية" واسعة منها في العراق والباكستان وكشمير والان في سوريا. ويبدو ان مقاتلي الشيشان من اكثر المجموعات المقاتلة حماسا للالتحاق "بالجهاد" العالمي، وربما يأتي هذا الاندفاع الشيشاني من بعد الشيشان جغرافيا عن التنظيمات الجهادية، وممكن اعتبارها محاولة من "امارة الشيشان" بكسب مقاتلين عرب واسلامويين لدعم إمارتهم ضد موسكو. ورغم قلة اعداد الشيشان في سوريا التي تقدر بالعشرات، فانهم يتميزون بالقدرة البدنية وشراسة القتال ويمثلون دعم معنوي لبقية الفصائل. إن مطاولة الصراع في سوريا الى مايقارب ثلاث سنوات خلق شبكات عمل وتواصل اجتماعي وتنظيمي بين المقاتلين عبر العالم. هذه العلاقة ساعدت على إستقطاب المقاتلين حتى بعد عودتهم الى اوطانهم. وهذا مايزيد قلق روسيا بالاشتراك مع الدول الغربية، من عودة المقاتلين الاجانب الى اوطانهم من سوريا بعد تدريبهم على يد "داعش" وتنظيمات جهادية اخرى، واكتسابهم خبرات عسكرية واسعة.

وقال احد قياديي مقاتلي الشيشان بانه تم الإعلان في مدينة حلب شمال سوريا، تشكيل كتيبة مسلحة جديدة تابعة لتنظيم القاعدة تضم أكثر من الف مقاتل وهم من قدامى المقاتلين المجاهدين في الشيشان والقوقاز. وتقول ادبيات إمارة القوقاز بانه "سيتم في المستقبل القريب تحرير القوقاز، وسنتوجه بعدها إلى أيدل أورال وسيبريا الغربية وسنعمل بكل قوتنا على تحرير أراضي إخواننا من نير الكفر لإقامة شرع الله، بعد ذلك سنتوجه إلى كازاخستان وآسيا الوسطى." هذه الطروحات تعكس عولمة "الجهاد" والتوحيد لتكون امارة القوقاز ذراع القاعدة في روسيا والقوقاز.

ردود فعل موسكو

نقلت وكالة أنباء "انترفاكس" عن بوتين قوله " إن علينا الحد من هذه المحاولات بشكل اكثر صرامة والرد بطريقة مناسبة دائما "، وحذر الرئيس من أن الوضع فى شمال القوقاز ما يزال يمثل تحديا لأمن الدولة، وأضاف بوتين إنه" بالرغم من التطورات، فإن الوضع فى شمال القوقاز يحقق تحسنا ببطء. ولم يتم التخلص من التهديدات الارهابية والتحديات الموجهة للأمن"، وأشار إلى أن كل هيئات تنفيذ القانون يجب حشدها للحفاظ على القانون والنظام والسلام العام في المنطقة التي تضم العديد من الجمهوريات العرقية.

لقاء بوتين مع بندر بن سلطان

التقى بوتين في 3 ديسمبر 2013 بندر بن سلطان وناقش معه الوضع في سورية في ضوء التحضير لعقد مؤتمر جنيف2. وجرى خلال أللقاء مناقشة الوضع فى منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا مضيفا كما جرى تبادل الاراء بشكل مفصل حول الوضع في سورية في ضوء التحضير لمؤتمر جنيف2.

وسبق ان زار بندر بن سلطان موسكو فى يوليو2013 حيث اشار تقرير دبلوماسي نشرت أجزاء منه على وسائل الاعلام، الى أن بندر عاد صفر اليدين بخصوص سورية وايران أثناء زيارته الى موسكو التي أحيطت بكتمان شديد والتي حاول فيها حسب التقرير التأثير في موقف روسيا من الازمة في سورية والملف النووي الايراني الا أن القيادة الروسية أكدت ثبات سياستها وتجاهلت العروض الاقتصادية المغرية التي عرضها بندر.

الاتفاق الإيراني الأميركي حول الملف النووي والاتفاق الاميركي الروسي حول السلاح الكيميائي في سوريا، كلاهما لم يصبا يصالح المملكة العربية السعودية. مما دفع الرياض رفضها شغل المقعد الدوري في مجلس الامن. المملكة السعودية لم تتردد بالتعبير عن غضبها من السياسة الخارجية الاميركية والتقارب مع طهران، بعض المسؤولين في الاستخبارات السعودية وصفوها بانها " ضربة في الظهر" رغم محاولة واشنطن من امتصاص هذا الغضب بزيارة كيري المتكررة الى الرياض.

هذه التغيرات دفع بالمملكة العربية السعودية بالتقرب من حكومة باريس، واعلانها بأنها مستعدة للمضي في سياستها بشكل منفرد من اجل الاطاحة في نظام بشار. الخطوة السعودية جائت من خلال تسريع دعمها الى الجبهة الاسلامية المعارضة في سوريا، هذه الجبهة، توصف من قبل المراقبين بأنها اقل تطرفا من "داعش والنصرة" التقارير الميدانية، وعكست نجاح الجبهة الاسلامية بتحقيق انجاز على الارض، الذي ممكن ان يدخلها اجتماعات جنيف. الرياض تحاول ان تخلق من الجبهة الاسلامية بيضة القبان امام المعارضة السوري السياسية التي باتت ضعيفة امام ما حققته القوات السورية على الارض باستعادة سيطرتها على بعض من ريف دمشق والقلمون وريف حلب، لتكون جاهزة بالاشتراك مع حزب الله عند حدود عرسال ويبرود، لتشكيل كماشة ضد التنظيمات الجهادية في جبال القلمون. وفي ذات السياق أكد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة الجعفري ان جميع السعوديين الذين قدموا للقتال في سورية جاؤوا بعلم المخابرات السعودية وعدد كبير منهم كان محكوما بالاعدام او بالسجن مدة طويلة اطلق سراحهم مقابل الذهاب للجهاد في سورية وقتل السوريين.

روسيا والسعودية تقاطع سياسات

التقاطع في السياسة الروسية السعودية بات مكشوفا، رغم زيارة بندر بن سلطان، لتكون على لسان كبار المسؤوليين. المخاوف الروسية لم تأتي من فراغ، فأن تفجيرات "فولفغراد" شمال موسكو، لم تكن ببعيدة عن مايجري في ريف حلب والقلمون ودمشق. التقارير الأستخبارية أظهرت تورط بعض من المقاتلين السعوديين، على شكل أشخاص في عمليات انتحارية في موسكو منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي ولحد الان. وربما تصاعد عمليات امارة القوقاز طرديا مع الخلاقات الروسية السعودية ترجح كفة التحليلات التي اتهمت الرياض بغض النظر عن مواطنيها للالتحاق بأمارة القوقاز.

ما استطاعت الجبهة الاسلامية من تحقيقه ضد داعش هو محاولة من المملكة السعودية لايجاد زخم يعوض ماخسرتها مع حليفتها واشنطن للاطاحة بالاسد وفرض ثقلها في جنيف 2 وما تبعه من اجتماعات. وان الاتفاق السعودي القطري بدعم التنظيمات والفصائل تحت الجبهة الاسلامية سرع وشد من قوة تلك الجبهة لتستطيع تهديد "داعش" في معقلها الرقة. اما الاصرار والتشدد الروسي في مواجهة التنظيمات الجهادية، فهو يعكس السياسة الروسية المعروفة بقبضتها اكثر من الموقف الاميركي المتذبذب في مواجهة التنظيمات الجهادية. مازلت روسيا لديها هواجس من وجود انتحاريين سعوديين في منطقة شمال القوقاز الروسية، التي ممكن ان تكون قاعدة للتنظيمات الجهادية ضد حكومة موسكو، والتي تعتبرها الاستخبارات الروسية تهديدا للامن القومي.

إن الاتفاق القطري السعودي، من شأنه ان يعمل على تراجع تنظيم داعش في سوريا، وتسعى سياسة الولايات المتحدة وفق إستراتيجياتها في مكافحة الارهاب الى تغيير مسار التنظيمات الجهادية اكثر من مواجهتها. وتحاول فتح ابواب خلفية مع التنظيمات "الجهادية" وربما فتح ابواب امامية واتصالات مباشرة مثل محاولات السفير الاميركي فور الذي كان لعقد اجتماع في اسطنبول مع قيادات الجبهة الاسلامية كان يهدف الى ذات الغرض، بتحويل تلك التنظيمات" الجهادية" الى تنظيمات سياسية رغم عدم مشاركتها مباشرة جنيف 2 او ما بعده.

* باحث في مكافحة الارهاب والاستخبارات

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 18/شباط/2014 - 17/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م