المفاوضات بين بغداد وحكومة إقليم كردستان

أقرب إلى التوصل إلى اتفاق عادل من أي وقت مضى

مايكل نايتس

 

في 16 شباط/فبراير، تعقد الحكومة العراقية المركزية و«حكومة إقليم كردستان» جولة أخرى من المفاوضات حول صادرات النفط ومشاركة العائدات، وهو الاجتماع الخامس من نوعه منذ 25 كانون الأول/ ديسمبر. ومع تأخر الموافقة على الميزانية العراقية لعام 2014 بسبب المحادثات، فلدى جميع الأطراف مصلحة قوية في التوصل إلى اتفاق. ولحسن الحظ أن لمثل هذا الاتفاق فرصة أفضل للنجاح حالياً من أي وقت مضى.

ليس فقط حول النفط

عند مناقشة عقود النفط وتقاسم العائدات، غالباً ما يبدأ الأكراد العراقيون بذكر أن النزاع مع بغداد "لا يقتصر فقط على المال". لقد عانى الأكراد على مدار عقود من الاضطهاد الوحشي على يد الحكومة العراقية التي تجاوزت المعايير القاسية من القمع الداخلي في الشرق الأوسط. فمنذ ستينيات القرن الماضي وحتى سقوط نظام صدام حسين، تعرضت العديد من المناطق الكردية للدمار الشامل بما في ذلك جميع قراها، حيث تم هدم كل مبنى وتهجير أو قتل جميع الناس والماشية من المناطق الريفية.

وقد خففت من هذه الصدمة العميقة عملية اللامركزية الإدارية والمالية الهامة التي تم تضمينها في الدستور العراقي عام 2005، الذي نص على مشاركة العائدات القومية على أساس توزيع السكان ومستوى الضرر الذي لحق بالأجزاء المختلفة من البلاد على حد سواء. واعتماداً على تفسيرهم للدستور، ادعى القادة الأكراد في أربيل منذ ذلك الحين حقهم في إدارة حقوق النفط في «حكومة إقليم كردستان» في شمال العراق وبيع النفط من خلال "مؤسسة تسويق النفط الكردستاني" الوليدة. كما سعوا إلى الاحتفاظ بالعائدات المتأتية من تلك المبيعات في حسابات يسيطرون عليها لضمان حصول المقاولين الدوليين على مستحقاتهم، وذلك منذ أن وقعت «حكومة إقليم كردستان» على ما يزيد عن خمسين عقداً لتقاسم الانتاج التي لا تؤيدها بغداد.

العرض الأخير الذي قدمته بغداد

في أواخر العام الماضي، وفي تتويج لسنوات من التطوير المستقل لقطاع النفط، هددت «حكومة إقليم كردستان» بتصدير كميات كبيرة من النفط عبر تركيا دون مشاركة بغداد. وقد أصبح التهديد أكثر مصداقية عندما وقعت أربيل اتفاقاً خاصاً مع أنقرة في تشرين الثاني/نوفمبر يسمح للشركات المدعومة من قبل تركيا بالانخراط في قطاع النفط الكردي، وعندما دخل خط أنابيب تم إنشاؤه سريعاً حيز التشغيل جزئياً في كانون الأول/ديسمبر وذلك بين حقول النفط التابعة لـ«حكومة إقليم كردستان» وموانئ التصدير التركية في جيهان. إن هذه العوامل - إلى جانب التشجيع الذي دعمته الولايات المتحدة وإيران من أجل المصالحة بين بغداد و«حكومة إقليم كردستان» قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في العراق في 30 نيسان/أبريل - قد دفعت حكومة المالكي إلى اقتراح آلية جديدة لتصدير نفط «حكومة إقليم كردستان» وتحويله إلى عملة نقدية. وتشمل النقاط الهامة:

· التسويق. سوف تتولى "مؤسسة تسويق النفط العراقية" و "مؤسسة تسويق النفط الكردستاني" التسويق المشترك للنفط الخام الخاص بـ «حكومة إقليم كردستان»، على أن توافق لجنة عليا مشتركة على التفاصيل التي تشمل السعر والمستخدمين النهائيين. ورغم أن هذا سوف يوجه صفعة لطموحات أربيل في التسويق المستقل، إلا أنه سينطوي على تكاليف قليلة بشكل ملحوظ للأكراد.

· إدارة العائدات. ستتم معالجة عائدات تسويق النفط الخام باستخدام أساليب محاسبة تقليدية معمول بها في "البنك الاحتياطي الفيدرالي" في نيويورك. وسوف تدخل عائدات النفط الخام الخاص بـ «حكومة إقليم كردستان» إلى "حساب استلام عائدات النفط"، مع تحويل 5 في المائة إلى الكويت عبر "لجنة التعويضات للأمم المتحدة" كما هو مطلوب بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1511. ثم تقوم بغداد بعد ذلك بتحويل الأموال المتبقية من عائدات «حكومة إقليم كردستان» كل شهر إلى سيطرة أربيل من خلال حساب فرعي تابع لحساب "البنك المركزي العراقي" في "البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك"، على أساس أن بغداد سوف تقتطع هذا المبلغ من تحويلاتها الشهرية الروتينية إلى «حكومة إقليم كردستان» (انظر أدناه). وهذا العرض يقطع شوطاً في طريق الوفاء بمطلب أربيل في الرقابة على الإيرادات النفطية المتأتية من «حكومة إقليم كردستان»، على الرغم من أن العملية لا تكون كلها تحت سيطرة «حكومة إقليم كردستان».

· تقاسم العائدات. تأتي الميزة الجديدة لأربيل في شكل تقاسم عائدات محسنة. فبغداد تقترح تخفيض النفقات الاستراتيجية باستبعاد 15 مليار دولار من تكاليف النفط الاتحادية المتكبدة في حقول النفط الجنوبية، مما يعمل على زيادة قيمة "حصة" «حكومة إقليم كردستان» البالغة 17 في المائة من الإيرادات القومية الشهرية بزيادة قدرها 2.5 مليار دولار هذا العام.

· مراجعة الميزانية. يتطلب مشروع الميزانية حالياً أن تنتج «حكومة إقليم كردستان» 400,000 برميل من النفط يومياً لصالح الحكومة الاتحادية وإلا سيتم الخصم من تحويلاتها الشهرية. وسوف يتم إلغاء هذا الشرط إذا قبل الأكراد بالصفقة الموضحة أعلاه.

 التداعيات على سياسة الولايات المتحدة

تستحق واشنطن الثناء الكبير على جهودها المستمرة في الضغط على بغداد للتوصل إلى حل وسط. وقد ساعد الانخراط الأمريكي النشط على الإبقاء على المفاوضات الحالية في مسارها، حيث تستفيد واشنطن بذكاء من نفوذها كموفر للمخابرات والأسلحة والدعم الدبلوماسي في القتال ضد تنظيم «القاعدة». ينبغي على المسؤولين الأمريكيين مواصلة الضغط للوصول بالاتفاق الحالي إلى بر الأمان.

إن الضغط المستمر رفيع المستوى يمثل أهمية حيوية نظراً لعدم ضمان التوصل إلى اتفاق على المدى القصير. وقد يمنح المقترح الأخير «حكومة إقليم كردستان» مليارات الدولارات الإضافية ووسيلة لطمأنة شركائها الدوليين من شركات النفط، ولكن سيتوجب أيضاً على القيادات الكردية أن تشرح لدوائرها الانتخابية لماذا تتخذ على ما يبدو خطوة إلى الوراء من [استراتيجيتها المتمثلة] بتسويق النفط بالتعاون مع تركيا - حيث يمثل ذلك رمزاً مهماً لرغبة كردستان العراق في التوصل إلى استقلال اقتصادي.  وفي مثل هذه المرحلة من المفاوضات، يواصل أصحاب المصلحة الرئيسيون من الأتراك والأكراد الجدال ضد عرض بغداد، إما لأسباب اقتصادية ضيقة الأفق أو لأنهم يعتقدون أن بإمكان «حكومة إقليم كردستان» أن تحصل على صفقة أفضل خلال مفاوضات تشكيل الحكومة بعد انتخابات نيسان/أبريل.

وفي غضون ذلك، قد تتبدد المرونة الحالية التي تبديها الحكومة المركزية إذا حجبت «حكومة إقليم كردستان» موافقتها لفترة طويلة جداً. ولا يوجد أي جدل قانوني بشأن الاتفاقات بين بغداد و«حكومة إقليم كردستان» أو القوانين العراقية التي يمكنها أن تثبت أمام المفاوضات في حال فشل التوصل إلى اتفاق سياسي: ففي الواقع، أن الاتفاق المثالي الذي يسعى إليه الأكراد لا يمكن تحقيقه، لذا ينبغي عليهم ألا يتركوا الحل الأمثل ليصبح عدواً للحل الجيد. ولا توجد أي نقائص حقيقية إذا ما قبلوا بالاقتراح الحالي باعتباره اتفقاً مرحلياً ومتابعة تنفيذه. وهذا من شأنه أن يضمن المخصصات الشهرية لـ «حكومة إقليم كردستان» في إطار ميزانية عام 2014 ويتفادى أزمة مالية كبرى في المنطقة الكردية. كما سوف تتاح أمام أربيل فرص مستقبلية لإعادة التفاوض على الاتفاق إذا رأت أنها في موضع أفضل في مرحلة لاحقة - سواء أثناء تشكيل الحكومة بعد انتخابات نيسان/أبريل، أو خلال مفاوضات الميزانية لعام 2015، أو النقاش في النهاية على قانون دائم لتقاسم الإيرادات.

يجب على الولايات المتحدة أن تواصل طمأنة الأكراد بأن القبول بهذا الاتفاق المرحلي لا يعني التنازل في مسائل أخرى طويلة الأجل مثل المناطق المتنازع عليها أو التشريعات الخاصة بتقاسم الإيرادات - وهما مبادرتان يمكن لواشنطن أن تقدم فيهما الدعم النشط لمساعي التوصل إلى اتفاق عادل. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي على الحكومة الأمريكية أن تضمن بوضوح أنها سوف ترد بقوة إن حاولت بغداد التدخل في تحويلاتها المالية التلقائية إلى «حكومة إقليم كردستان». إن شطب "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" من الفئة الثالثة للجماعات الإرهابية سيكون وسيلة أخرى جاءت في الموعد المناسب للتأكيد على وفاء واشنطن باعتبارها صديقاً قديماً وحليفاً حقيقياً.

وبشكل أوسع نطاقاً، إن النجاح في المفاوضات الحالية بين بغداد و«حكومة إقليم كردستان» يمكن أن يحسن المشهد العراقي في نواح كثيرة. فسوف يسمح بالموافقة على الميزانية العراقية كما سيمثل خطوة أولى نحو ضخ ما يصل إلى مليون برميل من نفط «حكومة إقليم كردستان» إلى الأسواق. كما أنه قد ينزع فتيل التوترات في الفترة التي تسبق الانتخابات المقررة في نيسان/أبريل والأشهر التي سيستغرقها تشكيل الحكومة في أعقاب ذلك. كما أن تحسن الأوضاع في العراق يمكن بدوره أن تكون له تداعيات جيوسياسية بعيدة الأثر: ويشمل ذلك توحيد جهود العراق بشكل أكبر ضد المنظمات التي تدور في فلك تنظيم «القاعدة» واتخاذ خطوة مرحلية نحو التقارب بين بغداد و«حكومة إقليم كردستان» وتركيا، التي من شأنها أن تلطف التوجهات السلبية عموماَ والتي يمكن ملاحظتها في جميع أنحاء المنطقة. وهذا التحول نحو الأفضل تحت قيادة الولايات المتحدة سوف يلقى تقديراً وترحيباً واسع النطاق.

* مايكل نايتس هو زميل ليفر في معهد واشنطن ومقره في بوسطن

http://www.washingtoninstitute.org

.............................................

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/شباط/2014 - 16/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م