الفساد في اسبانيا.. فضائح العائلة الملكية تثير سخط الشعب

 

شبكة النبأ: فضيحة فساد جديدة تضاف الى سجل فضائح الفساد المالي والسياسي في إسبانيا، فضيحة اليوم قد تكون اكثر سخونة وسابقة مهمة في تاريخ اسبانيا، لكونها ارتبطت بشكل مباشر بالأميرة كريستينا ابنة المك خوان كارلوس والتي وجهت إليها اتهامات رسمية بالضلوع في قضيا فساد و تهرب ضريبي وهو ما اعتبره البعض نهاية العائلة الملكية التي فقدت حصانتها الرسمية مع اول محاسبة قضائية لاحد أفرادها وبشكل علني، وهو ما أثار حفيظة الشعب الاسباني الذي يعاني الكثير من المشاكل الاقتصادية التي اسهمت بارتفاع معدل البطالة، وكان سبب مهم في تراجع شعبية الملك الذي بات الإسبان يرغبون في تخليه عن العرش لفائدة ابنه فيرناندو.

وفي هذا الشأن تمثل الأميرة كريستينا، أصغر بنات ملك اسبانيا خوان كارلوس، أمام المحكمة على خلفية مزاعم تورطها في قضية غسيل أموال وتهرب ضريبي. وتحمل الفضيحة التي ملأت صفحات الجرائد الإسبانية لسنوات عدة بين طياتها إشارات ضمنية للخط الذي يهدد سمعة ومستقبل العائلة الملكية في اسبانيا. وبالرغم من أن زواج الأميرة كريستينا من لاعب كرة اليد الاسباني إناكي أوردانغارين في برشلونة عام 1997 كان حديث الساعة آنذاك ووصف بأنه زفاف أسطوري.

ولكن مع اقتراب نهاية عام 2011، ارتبط اسم أوردانغارين في وسائل الإعلام الإسبانية بتحقيق طويل الأمد في قضايا فساد قبل أن توجه إليه التهم رسميا بالتورط في قضية فساد في ديسمبر كانون الأول من نفس العام. وكانت المزاعم التي تناقلها الإعلام الاسباني تشير إلى أن زوج ابنة ملك اسبانيا وشريكه انذاك رجل الأعمال دييغو توريس استغل معهد "نوز" غير الهادف للربح في تنظيم مناسبات ومؤتمرات لصالح الحكومتين الإقليميتين في "فالنسيا" و "جزرالبليار" مقابل أسعار مبالغ فيها. وبدأت محاكمة زوج الأميرة في مايوركا 2012 واستمرت في عام 2013 .

وأكد أوردانغارين لوسائل الإعلام خلال دخوله إلى إحدى جلسات المحاكمة أنه بريء وأنه قادر على إزالة ما لحق باسمه من ضرر. وقبل هذا الحدث وفي إطار النهج الذي تتبعه الأسرة الملكية في التعامل مع الفضيحة، ظهرت تصريحات حازمة للملك خوان كارلوس قال خلالها إن "العدالة لابد وأن تُطبق على الجميع" في إشارة إلى الفضيحة التي تطارد زوج ابنته وذلك في احتفالات أعياد الميلاد في 2011.

ويبدو أن هناك استراتيجية وضعت في الدائرة المحيطة بالعائلة الملكية على أمل ألا تطال اتهامات الفساد الموجهة لأوردانغارين الأميرة الاسبانية وأن تبقى كريستينا في منأى عن تلك الفضيحة التي لا تخلو منها صفحات الجرائد والعناوين الرئيسية في وسائل الإعلام الإسبانية. ومع ذلك، بدأت تظهر سريعا اتهامات ضد الأميرة كريستينا وتساؤلات طرحت سواء في السر أو العلن.

وفي أبريل/ نيسان من العام الماضي، أصبحت الأميرة رسميا أحد المشتبه بهم في تلك القضية. لكن الاستئناف الذي قدمه محامو الأميرة وافقت عليه محكمة مايوركا وقضت بعدم مثول الأميرة أمام المحكمة لعدم كفاية الأدلة. أما القرار الأخير الذي صدر بوضع الأميرة على قائمة المشتبه بهم الرئيسيين في القضية ودعوتها للمثول أمام المحكمة بتهم غسيل الأموال والاحتيال الضريبي جاء بعد تحقيقات جديدة أجراها قاضي التحقيق. بحسب بي بي سي.

وتتركز المزاعم التي تواجهها الأميرة كريستينا حول امتلاكها شركة "آيزون" مع زوجها، وهي الشركة التي اتهمت بتقاضي أموال الدولة ومن ثم انتقلت تلك الأموال للمؤسسة التي يملكها زوجها بطريقة غير قانونية. وبعد أن تقرر مثول الأميرة كريستينا أمام المحكمة للتحقيق في القضية، أصبح من الصعب على العائلة الملكية إبعادها عن دائرة الشبهات حيث تحولت أصغر بنات الملك خوان كارلوس إلى مشتبه به رئيسي في القضية. ويظل الآن التساؤل: إلى أي مدى ستضر الفضيحة بسمعة العائلة الملكية وتأثيرها على مستقبلها. وتتناول الصحافة الإسبانية أخبارًا عن علامات الشيخوخة التي بدأت تظهر على ملك إسبانيا وقالت مراسلة صحيفة الموندو الاسبانية لشؤون العائلة الملكية أنا روميرو "سمعة العائلة تعرضت لضرر هائل بسبب تطورات الموقف فيما يتعلق بمثول الأميرة أمام المحكمة."

سمعة العائلة الملكية

من جانب اخر بين قصر ميرافنت الانيق المطل على البحر المتوسط الى المرسى السياحي، اعتادت بالما دي مايوركا على استقبال العائلة المالكة الاسبانية بسرور عندما تاتي لقضاء إجازاتها، حتى اثارت الفضائح الاستنكار في هذه المدينة الهادئة. وقالت طبيبة القدم ماريا دي يوتش (34 سنة) "انها خيبة أمل كبيرة"، مشيرة الى التحقيق القضائي الذي يستهدف صهر الملك خوان كارلوس وزوجته الانفانتي كريستينا التي ستمثل امام القاضي للاشتباه في تورطها في عملية احتيال ضريبي.

واضافت المرأة التي تسكن مدينة ماناكور، وتقول انها من "انصار النظام الملكي"، ان "الناس يقدرون الملكية لكن مع كل ما جرى تبدو العائلة المالكة وكأنها سقطت في الحضيض". وقد تبدو جزر الباليار بشواطئها الخلابة وحفلاتها الصاخبة بعيدة كل البعد عن الازمة العميقة التي تجتاح اسبانيا.

وقالت آينا كالفو الرئيسة الاشتراكية السابقة لبلدية بالما "صحيح ان لدينا الكثير من الاثرياء هنا، لكن 18% من سكان الباليار فقراء". وأضافت "الناس يشعرون بالغضب"، حتى وإن لم تخرج تظاهرات احتجاج في الشوارع الصغيرة التي تحيط بالقصور القوطية الجميلة ذات الحجارة المذهبة. واضافت آينا كالفو ان "الناس يتوقعون أن يتصرف من يتحملون مسؤولية عامة مثلنا، بصورة مثالية، وفجأة يكتشفون وجود اختلاس للمال العام، بما فيه مال الاكثر فقرا. يصعب استيعاب ذلك".

وتدل على ذلك الغضب، المبادرة التي صادق عليها المجلس البلدي في بالما عندما قرر ازالة اسم شارع كان يحمل اسم"دوقا بالما" اللقب الذي منحه الملك (لابنته) "الانفانتا" وبالتالي لزوجها اينياكي اوردنغارين بعد زواجهما في 1997. وصادقت الكتل الممثلة في المجلس البلدي بالإجماع على هذه المبادرة التي اقترحها الجمهوريون من حزب "ميس مايوركا"، وقالت آينا ان "الفكرة، بدلا من اثارة الجدل قوبلت بالتصفيق من طرف اغلبية المواطنين".

وعم شعور بخيبة الامل وزوال الوهم في كافة ارجاء اسبانيا ليس بسبب ملاحقة انياكي اوردنغارين بل بسبب جملة من المغامرات السيئة والفضائح. وكتبت آنا روميرو التي تغطي نشاط العائلة المالكة في صحيفة الموندو منذ 2010 "انها عاصفة ساحقة" واضافت "كل العناصر الضرورية لدفع الملكية الى الوضع الحالي متوفرة، لكن قضية اوردنغارين هي التي فجرتها".

وفي بالما، يبدو هذا الاستنكار شديدا سيما لان اسم الجزيرة اقترن منذ اكثر من ثلاثين سنة بإجازات العائلة الملكية في قصر ميرافنت. وكان سكان الجزيرة يستمتعون عندما يلتقون بالملكة صوفيا وهي تشتري من الدكاكين وبالدعاية الإيجابية التي تنعكس على الباليار نتيجة لذلك. وقالت ماريا دي يوتش "كانوا دائما يستمتعون بمايوركا. كان الملك يذهب الى المطعم ويتناول البيض المقلي مع البطاطا المقلية، وكانت العائلة تذهب الى قرية قريبة لشراء الخبز التقليدي والكعك" واضافت "بطبيعة الحال لا يمكن القول انهم كانوا يختلطون بالناس لكنها لم تكن عائلة ملكية تقليدية". بحسب فرانس برس.

غير ان الملك خوان كارلوس باع يخته "فورتونا" بسبب الازمة، واصبحت العائلة اكثر تحفظا. وقالت ماريا يوتش "هذا الصيف لم نسمع شيئا عنهم" واضافت بشفقة "مسكين الملك، اظن ان حالته الصحية سيئة لأنه مهموم بسبب ابنائه". واضافت "في الماضي كانوا يبدون خفيفي الروح والان انظر اليهم: انهم مثل الاخرين" في اشارة الى قضايا الفساد السياسي الاخرى التي تهز اسبانيا.

وباتت أخبار القصر الملكي الذي كان معتادا على تعاطف الناس معه، ممتلئة بالفضائح والتسريبات والانتقادات التي تتدفق عبر الصحافة. وقالت آنا روميرو ان "المكتب الصحافي للقصر الملكي يبذل جهد عملاقا من اجل التكيف مع الوضع (...) لكنها جهود تبدو ضعيفة جدا للبعض. ولكن لا يمكن فجأة وخلال سنتين ازالة تبعات نهج مستمر منذ ثلاثين سنة".

تنازل الملك

في السياق ذاته أظهرت نتائج استطلاع للرأي أن نحو ثلثي الاسبان يرغبون في تنازله عن العرش وتتويج ابنه بعد تدني شعبية عاهل البلاد إلى مستوى قياسي. وكان الملك خوان كارلوس الذي جلس على عرش البلاد 38 عاما أحد أكثر ملوك العالم شعبية واحتراما بسبب القبول الذي يحظى به وجهوده في قيادة اسبانيا نحو الديمقراطية في السبعينات بعد وفاة الدكتاتور فرانشيسكو فرانكو. لكن مشاعر الإحباط تزايدت بين الاسبان بسبب تحقيق طويل حول الفساد خصوصا في وقت تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية وفي ظل تفشي البطالة.

كما تعرضت شعبية الملك لضربة قوية في ابريل نيسان 2012 عندما سقط وأصيب بكسر في الفخذ خلال رحلة سفاري لاصطياد الأفيال في بوتسوانا وهي رحلة باهظة التكلفة بتمويل خاص وكانت سرية حتى وقوع الحادث وجاءت في وقت شهد خفضا كبيرا في الإنفاق العام. وقال 62 في المئة ممن شملهم الاستطلاع إنهم يعتقدون أنه يتعين على الملك أن يتنحى مقابل 44.7 في المئة قبل عام حسبما أظهر الاستطلاع الذي أجراه مركز سيجما دوس ونشرته صحيفة الموندو.

ولم يبد سوى 41.3 في المئة ممن شملهم الاستطلاع رأيا طيبا أو طيبا جدا في الملك نزولا من أكثر من 76 في المئة قبل عامين.

وأظهر الاستطلاع أن الغالبية العظمى من الاسبان الأصغر سنا الذين لم يولدوا خلال سنوات فرانكو يؤيدون التنحي. وحقق الأمير فيليب (45 عاما) معدلات قبول عالية بلغت 66 في المئة وقال غالبية من شملهم الاستطلاع إن الملكية قد تستعيد مكانتها إذا تبوأ العرش. بحسب رويترز.

وأثارت سلسلة من العمليات الجراحية في الفخذ والظهر وغيرها من المشاكل الصحية تكهنات بأن الملك البالغ من العمر 76 عاما قد يتنازل عن عرشه إلا أنه أكد في كلمته عشية الاحتفال السنوي بعيد الميلاد أنه لا يفكر في مثل هذه الخطوة. وأجرى الاستطلاع بطريق الهاتف بمشاركة 1000 شخص بالغ.

مقاطعة بلنسية

من جانب اخر وبعد ان فاجأهم الاعلان عن اقفال وشيك لتلفزيون مقاطعة بلنسية باسبانيا، رد موظفو هذه المؤسسة الاعلامية بأفضل سلاح لديهم وهو البث الذي بدأوا يستخدمونه في الايام الاخيرة لتوجيه رسائلهم الاحتجاجية. ورد مقدمو برامج القناة 9 بعد بث تحقيقات حول هذه المنطقة الواقعة على الساحل المتوسطي "من دون راديو وتلفزيون بلنسية (آر تي في في) لن تروا ذلك بعد الان".

وفي الزاوية اليمنى من اعلى الشاشة، كتبت عبارة "آر تي في في نويستانكا"، اي "آر تي في في" لا يقفل، بلغة المقاطعة المنبثقة عن الكاتالونية، اللغة التي يستخدمها هذا التلفزيون في بث برامجه. ويتمحور كل برنامج اخباري على رفض قرار الاقفال ويسرد سيلا من رسائل الدعم الصادرة على شبكات التواصل الاجتماعي او من شخصيات مثل لاعبي كرة قدم وباحثين او مجموعات موسيقية. حتى ان اخبار الاحوال الجوية باتت تقترن بمشاهد لتظاهرات الموظفين.

ولا يزال هؤلاء تحت صدمة النبأ: وبعد بضع ساعات بالكاد من اعلان القضاء الغاء الخطة الاجتماعية التي تشمل الفا من اصل 1700 موظف، قررت المنطقة الاكثر مديونية في البلاد، اقفال الشبكة التلفزيونية مبدية عجزها المالي عن اعادة دمج الموظفين المسرحين. وهو اول قرار باقفال تلفزيون اقليمي في اسبانيا التي تعد اضافة الى وسيلة الاعلام الوطنية "تي في اي"، 13 تلفزيونا اقليميا عاما ولدى البعض منها عدة شبكات.

وبدا ان الجمهور رحب بهذا الموقف لان النسبة المتواضعة لمشاهدي الشبكة تضاعفت ثلاث مرات لتصل الى 9,4 بالمئة. وتغيير اللهجة هذا يتناقض مع سنوات من لهجة الدعم حيال الحزب الشعبي (يمين) الحاكم في المنطقة: فطيلة 24 سنة من وجودها، كانت الشبكة "العوبة واداة دعائية باهظة الكلفة وفي خدمة السلطة"، كما في جاء في انتقاد لصحيفة ال باييس.

واضاف فنسنت سولر عميد كلية الاقتصاد في جامعة بلنسية الى ذلك بالقول انها كانت "العوبة حزبية، العوبة متعصبة لوجهة نظر سياسية لانه لم يكن هناك تعددية". وقال ايضا "هذه الالعوبة تحطمت". ويتذكر قائلا ان "اصوات المعارضة لم يكن لها مكان في التلفزيون"، وان "مضاعفة نسبة المشاهدين ثلاث مرات في اليوم الذي استعاد فيه (الصحافيون) حريتهم، تعتبر مؤشرا". "اكاذيبي على القناة 9"، هكذا اقرت الصحافية يولاندا ماموي عبر تويتر، هذا ما كانت ادارتها تجبرها عليه.

وكتبت تقول "اذكر عندما كانوا يفرضون علينا تصوير ادواردو زابلانا (رئيس المنطقة السابق) في افضل مظهر له" و"عندما منعوني من قول ان (رئيس الحكومة الاشتراكية في تلك الفترة خوسيه لويز رودريغيز) ثاباتيرو اعلن عن تقديم مساعدة للمواليد الجدد، كما لو ان ابناء فالنسية لن يطلعوا على النبأ بهذه الطريقة". واقرت ايلبيديا بيلفر الصحافية منذ 17 عاما في القناة 9 بان "نشرة الاخبار كانت نو - دو"، على اسم نشرة الاخبار ابان عهد فرانكو (1939-1975). وروت ان "العديد من الناس تعرضوا للعقاب والاستبعاد من الاخبار لانهم وجهوا انتقادات"، وبدلا منهم "وصل اناس مطيعون".بحسب فرانس برس.

وحذر البرتو فابرا رئيس الحزب الشعبي في المنطقة من ان اقفال القناة "غير خاضع للنقاش" وسيطبق "في اقرب وقت". وعين بصورة عاجلة مديرا جديدا لقناة "آر تي في في"، معربا عن الامل في استعادة السيطرة على القناة حتى اقفالها. لكن الموظفين لن يستسلموا ايضا. واكد فنسنت مونتاغود رئيس قسم الدوليات في القناة 9 "لدينا النية الحازمة بالبقاء في اعمالنا".

وقالت سالود الكوفر رئيسة لجنة الشركة في "آر تي في في" انه "سنبقي على البرامج الاذاعية والتلفزيونية لاننا محترفون". واضافت "اذا اراد احد وقف القناة، فليفعل". وعلى الرغم من حركة التمرد، قالت الصحافية ايلبيدا بيلفر انها وزملاءها ياتون الى العمل "وهم خائفون". وتقول "لا نعرف حتى ان كانوا سيسمحون لنا بالدخول" او اذا كان التلفزيون قد اقفل.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/شباط/2014 - 14/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م