إستحضار روح نعجة

هادي جلو مرعي

 

يخاف أحد الموسيقيين العرب الذي يعمل على حفظ التراث الموسيقي من ضياع النسيان، لامن ضياع التراث فقط. فالنسيان ضرورة لتجاوز مايمكن أن نجتره من الماضي ونتعكز عليه دون سعي لبلوغ المستقبل، وتكاد الأمم الأخرى لاتنظر الى الوراء على الإطلاق إلا للإستمتاع والعبرة، بينما ننظر نحن الى الماضي لنتعارك، وبسببه قتلنا من بعضنا عشرات الملايين دون رحمة أو شفقة، ووضعنا في السجون أضعافهم، وهجرنا مثلهم، وأمرضنا وجوّعنا وعذّبنا مالايحصى منا، وحكمنا بالنار والحديد، وكل ذلك من أجل الماضي وإستحضارا له في صراع سئ لايبلغ أحد فيه مأربه، ولايحصل سوى على العذابات والذل والمهانة، فالضحية في الحالين حاضرة، إن كان الظالم أو المظلوم.

 وإذا عرفنا مسبقا حال المظلوم " إن كان من الشعب أم من المعتدى عليه من شعب آخر، أو كان الظالم نفسه حين يقع في شر أعماله " فإن العبرة حاضرة، لكن ذلك لاينفع في بناء المستقبل، ولايوفر لأجيالنا سوى العذابات والتشفي والرغبة المضاعفة في الإنتقام.

قامت حروب مريرة بين المسلمين داخل البلد الواحد، أو بين بلدين وأكثر، وكان الجميع خاسرا، وعبر التاريخ تقاتل العرب بشراسة، وتقاتل المسلمون، وغزا أراضيهم التتار والمغول، تصارعت تركيا مع إيران، وإجتاحت مصر اليمن وتداخلت سوريا بلبنان، وتواجه المغاربة والجزائريون، وتناجز العراقيون والإيرانيون مع بعضهم وإستحضروا التاريخ القومي والمذهبي، غزا صدام الكويت وقفز من الجدار ليدخل الأراضي السعودية، تصرف الحكام كالبهائم الجائعة مع شعوبهم، تقاتلت الشعوب العربية والمسلمة على الدين، وعلى القومية، وعلى الأرض والمال والثروات الساكنة في الأعماق، وهددوا بعضهم البعض، وصلوا الى مرحلة الصراع الطائفي، دخلوا في هيجان الثورات العربية وماسمي بالربيع العربي.

 حولوا بلدانهم الى خردة يزهد فيها التجار والعيارين. تقاتل العراقيون مع بعضهم. لحق بهم اليمنيون والمصريون والتوانسة والسوريون والخليجيون، وكان الصراع على أشده في القارة الهندية، وتعلم العرب الذبح على الهوية، بينما الحقيقة تكمن في الماضي في عمق الصحراء، في البداوة المتأصلة في النفوس وليس في اللحظة، فالماضي الحاضر يفعل فعله، ويؤجج الحماس للصدام ونفي الآخر وتهميشه، ولارغبة في البقاء إلا لنوع واحد ووجود واحد دون الآخر.

النعاج لاترغب في المستقبل فهي تخاف الذئب وترتجف حين تشم رائحته، ولكنها تستمر في إجترار الطعام من أمعائها برغم أنها بلعته منذ الصباح وقبل ساعات طويلة، وتبقى مستلقية في الليل تسحب من خزينها الإستراتيجي، وتلوكه وتتسلى وتسهر مستمتعة بمايخرج من الماضي.. صرنا كالنعاج نجتر بطريقة سيئة، ومانجتره هو فضلات كريهة.النعجة متفاهمة مع غدها ومع أمسها، وتجتر بمعرفة وبغريزة واعية موجهة من السماء، بينما نفتح أبوابنا للشيطان مسلمين له كل الذرائع والحجج والخرائط ليفعل فعله، ويقودنا الى الهاوية السحيقة.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/شباط/2014 - 14/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م