"داعش" والفراغ السياسي في العراق

الأزمة في الأنبار تخضع للتسييس

جاسم محمد

 

كشف بريت ماكجورك، مسؤول في الخارجية الاميركية يوم 6 فبراير 2013، عن خطة للجيش العراقي لتطهير قضاء الفلوجة بمحافظة الانبار من الارهابيين. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها، عن ماكجورك قوله إن الجيش العراقي يعتزم فرض طوق أمني حول الفلوجة التي يتواجد فيها الارهابيون حتى تتمكن العشائر من تولي زمام الأمور في تأمينها تدريجياً، مبيناً أن الخطة تتمثل في أن تكون العشائر في المقدمة لكن بدعم من الجيش.

المجلس العسكري لثوار العشائر في العراق

سبق ان سيطر مسلحون ينتمون إلى العشائر على مدينة الفلوجة 4 فبرابر 2013 وقاموا بطرد الشرطة المحلية هناك، مع اندلاع الأزمة في محافظة الأنبار، وإعلان "داعش" الفلوجة إمارة لها، وبرزت مجموعات تطلق على نفسها "المجلس العسكري لثوار الانبار"، غالبيتهم من ابناء العشائر. يشار الى ان العشائر في المنطقة الغربية اعلنت جيشها في ابريل 2013 بعد احداث اعتصام الحويجة، شمال غرب العراق. وكان يراد بهذا الجيش ان يكون قريبا من "الجيش السوري الحر" وهو مقرب من جيش الطريقة النقشبندية، التي تعتبر المنطقة الشمالية الغربية معقلا لها ابرزها مدينة كركوك وصلاح الدين والموصل. بالاضافة الى النقشبندية هنالك تنظيم انصار السنة السلفي الجهادي الذي يشترك معها في المساحة الجغرافية. التنظيمات الجهادية، دائما تقوم بتدوير التسميات على تنظيماتها وفصائلها من اجل التجديد وتجاوز تراكمات سابقة وكسب مقاتلين جدد وتأييد الحواضن. وما يبرهن ذلك هو ظهور فصائل بتسميات جديدة لكنها تقوم بعمليات نوعية، مما يعكس انها ذات خبرة قتالية وتنظيمية سابقة واشتركت في مواجهات مسلحة وسوح قاعدية من قبل.

فصل جديد من المواجهة

ظهور ثوار العشائر في الانبار، والتي اعلنتها اعتصامات الانبار مطلع 2013، لتتحول الى فصل جديد من المواجهة مع القوات العراقية اواخر شهر ديسمبر 2013، بعد قرار الحكومة العراقية برفع المنصات بالاتفاق مع العشائر..

الفصل الجديد في المواجهة، هو الانتقال الى المواجهة المسلحة مع الحكومة، والتخلي عن التظاهرات والاعتصامات، بعد ان غاب الحل السياسي مع حكومة بغداد. الانبار ومدينة الفلوجة باتت معروفة بأنها مدينة المقاومة ضد الاحتلال الاميركي وبطابعها الاسلامي وارتفاع الاف المآذن فيها وهي مفتوحة على الحدود البرية مع الاردن وسوريا وليست ببعيدة عن مركز الحكومة في بغداد. فبعد شهر ديسمبر 2011، انسحبت القوات الاميركية، تاركة فراغ سياسي في المحافظة ربما لم يتمثل الا بالسلطة المحلية. هذا لفراغ اعطى فرصة الى "داعش" بإعادة بناء تنظيمها من جديد، لتضرب بغداد بعمليات "هدم الأسوار" التي اخذت الطابع الاستعراضي بتنفيذ سلسلة عمليات ارهابية استهدفت مؤسسات الدولة ومقرات المحافظات بالاضافة الى المناطق العامة، وارتفع خطابها الطائفي.

موقف الحكومة العراقية

اكتفت الحكومة العراقية بإرسال قواتها لضرب طوق على مدينة الانبار، وتقديم الغطاء الجوي الى مقاتلي العشائر التي تقاتل الى جانب الحكومة. يبدو ان الحكومة خضعت الى رغبة زعماء العشائر بعدم الدخول الى المدينة والاكتفاء بتقديم الدعم الجوي والمراقبة. موقف الحكومة العراقية كان وما يزال يخضع الى القرارات والتوافقات السياسية بين الفرقاء الشركاء في بغداد. التصريحات من المسؤولين العراقيين لا تتماشى مع الجهد العسكري للقوات البرية التي تطوق مدينة الانبار. المصادر من داخل مدينة الانبار نقلت بأن الشارع في الانبار يرفض دخول القوات العراقية ولا تريد ان تتعرض مدينتهم الى كارثة انسانية جديدة.

تسييس الازمة

 إن الأزمة في الانبار تمثل احراج للحكومة، وان مطاولة الازمة وابقاء الجيش حول الانبار في موقف المراقب عمل على انهاك واستنزاف بعض قطعات الجيش العراقي وربما اخذلها، خاصة تلك التي تشتبك بخطوط تماس مع مقاتلي "داعش". إن تذبذب القرار السياسي العراقي، صعد كفة" داعش" ومقاتليها. "داعش" تستغل المواجهات لاعلان الجهاد الاعلامي الطائفي الى جانب "الجهاد" على الارض. الصور التي تناولتها وكالات الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي اثارت كثير من التأجيج الطائفي. النتائج تعكس غياب الهوية الوطنية في العراق امام الخطاب الطائفي بكل انواعه السني والشيعي. هذه التطورات في المنطقة الغربية بدون شك تدفع بتداعياتها في الجبهة الثانية من التخندق الشيعي. المنطقة الجنوبية والوسطى من العراق ذات الغالبية الشيعية، لم تكن بعيدة عن الصراع والمواجهات في الانبار. اهالي بغداد شعروا بانخفاض العمليات الارهابية في بغداد خلال الايام الاولى للعمليات الواسعة للجيش العراقي في البادية وصحراء الانبار، لكن بدأت تتصاعد طرديا مع مطاولة لازمة في الانبار وهذا يعكس بأن" داعش" والتنظيمات الجهادية الاخرى وهي مجموعات مسلحة منها "حماس العراق" و"كتائب ثورة العشرين" و"جماعة النقشبندية" و"جيش المجاهدين".

"داعش" تعيد شبكة نشاطها مع طول الازمة

بدأت "داعش" تستعيد قدرتها واتصالاتها مع شبكة تنظيمات جهادية اخرى تتوزع على خارطة جغرافية واسعة من العراق خاصة بغداد والمناطقة الغربية والشمالية الغربية. يشار ان" داعش" استطاعت ان تصل الى هدنة في حلب سوريا مع تنظيم صقور الشام وكذلك الجبهة الاسلامية، هذه الهدنة ربما ساعدها على ادخال وتسرب مقاتليها من سوريا الى العراق عبر بعض المعابر التي تسيطر عليها خاصة عن القامشلي. إن سلسلة العمليات الواسعة خاصة في بغداد، تعكس ان "داعش" والتنظيمات الجهادية لاخرى، بدأت تنفذ اعلان عمليات شاملة في العراق.

ضعف القوات المنتشرة في بغداد

سلسلة العمليات هذه عكست ضعف قدرة وقوة القوات الجيش والامن المنتشرة في بغداد، يجدر بهذه القوات ان ترتقي الى مستوى المواجهة، فكيف تتمكن خلايا وعناصر من التحرك وتنفيذ عمليات تستهدف مؤسسات حكومية؟ هذا الاداء يعكس الفشل اكثر من التراجع في القوات المنتشرة في بغداد على عكس القوات التي تشارك في عمليات الصحراء والفرقة الذهبية التي تميزت بالقدرة والمهنية. وهذا يبرهن الانتقادات الموجهة لمؤسسات الامن والدفاع بغياب التنسيق والكفاءة والخبرة.

تعقيد ازمة الانبار

الازمة في الأنبار باتت معقدة جدا، فهي بدأت تضرب الانبار عموديا وأفقيا. أهل الانبار لديهم مشكلة مع الحكومة العراقية منذ عام 2003 ولحد الان وهنالك انتقادات بتهميشهم وتعرض مدنهم الى المداهمات العشوائية وهنالك مطالب حقيقية ومشروعة تجاهلتها الحكومة وخضعت للتسييس وتسقيط الخصوم. لكن في نفس الوقت اهل الانبار لديهم مشاكل مع مرشحيهم للبرلمان، الذين انشغلوا بمصالحهم الذاتية والحصول على الامتيازات مثل بقية المدن العراقية التي باتت نموذجا للفساد. لذا باتت المشكلة في الانبار سياسية اجتماعية. إن مطاولة الازمة في الانبار وخضوعها الى القرار السياسي وستعمل الازمة الى تأجيج طائفي اكثر.

الخيار العسكري والسياسي

إن إستراتيجية مكافحة الارهاب، الإجراءات السريعة ـ غير البعيدة التي تقوم على الاقتصاد والتنمية ـ تحتاج الى إجراءات عسكرية وقبضة امن شديدة لردم الارهاب، لانه لايمكن التفاوض مع الارهابيين، ألتفاوض سوف يمنحهم القوة والتمادي بالتمرد اكثر، على ان تأخذ العمليات اهمية فصل المدنيين والابرياء وعدم تعرضهم الى انتهاكات وممارسات تتعارض مع حقوق المدنيين وحقوق الانسان خلال النزاعات. إن ازمة الانبار لايمكن استبعادها من سياسة تسقيط الخصوم والتوافقات وتحريك الشارع العراقي التي تتبعها اطراف مسيطرة في الحكومة لأغراض شعبوية انتخابية.

التوافقات السياسية تضعف الأمن

الحكومة العراقية مازال قرارها خاضعا للولايات المتحدة واطراف اقليمية اخرى، لذا ما يجري الان هو حراك سياسي، بعيدا عن اولوية الامن في العراق. الرؤية الاميركية في العراق ربما تكون غير صحيحة.

الضغوط الايرانية والاميركية على الحكومة وتوصيات بايدن الذي يمسك بالملف العراقي، تقوم على قاعدة ترحيل المشاكل وليس حلها وهذه هي ابرز مشاكل العراق، الحكومة الحالية منذ 2010 وكذلك الحكومات التي سبقتها لم تحل اي مشكلة واكتفت هي وغالبية اعضاء البرلمان اصدار القرارات التي تؤمن مصالحهم والحصول على الامتيازات.

تسييس قرارات الامن والدفاع

• تصريحات قائد القوات البرية العراقية الجنرال غيدان ذكرت جاهزية الجيش العراقي، لكنه اضاف قائلا بانه ينتظر اصدار الاوامر من بغداد.

• ان قضية ازمة الانبار هي الاخرى خاضعة الى القرار السياسي، اكثر من إستراتيجية امنية.

• القرارات السياسية في العراق اصبحت اغلبها بالفعل خاضعة الى المساومة والى تسقيط الخصوم والتوافقات وتحريك الشارع العراقي لأغراض شعبوية انتخابية.

• هذه المواقف تخلط الاوراق عند المواطن العراقي وافقدته الثقة في قياداته الامنية والعسكرية التي يفترض ان تكون خارج نطاق التجاذبات السياسية.

• أتفقت وزارة الدفاع في الحكومة الاتحادية العراقية، ووزارة البيشمركة التابعة لإقليم كردستان، على تنسيق جهودهما الاستخبارتية لتصفية عناصر الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، قرب حدود البلاد الشمالية الغربية. هذا التقارب ايضا يخضع للابتزاز والمساومة بين المركز والاقليم، وهو تعاون غير ثابت.

• استغلت "داعش" الفراغ الامني والسياسي في العراق، لأثارة فوضى جديدة على غرار سوريا مستغلة امكانياتها التمويلية واعداد مقاتليها. البغدادي يبدو انه يسير على خطى الزرقاوي، كلاهما واجها انتقادات الشيخ ابو محمد المقدسي، منظر الفكر السلفي الذي طالبهما، اتقاء الله في حرمة دماء المسلمين. إن الفارق بين الزرقاوي والبغدادي، الاول اتبع القوة العسكرية والثاني اتبع الشراسة الاستخبارية، لكنهما يشتركان بالدموية ومقاتلة الجميع.

* باحث في مكافحة الارهاب والاستخبار

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/شباط/2014 - 10/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م