مسارح.. بين الإهمال والسخرية والقمع

 

شبكة النبأ: واقع المسرح اليوم وعلى الرغم من بعض النصوص المطروحة هو واقع مؤلم مليء بالعديد من المشاكل والمعوقات، التي أثرت بشكل سلبي على مسار وأهداف هذا الفن المهم الذي يحمل رسالة وهدف خاص كما يقول بعض أصحاب الاختصاص، الذين أكدوا على وجود العديد من الصعوبات والتحديات التي يعاني منها المسرح ومنها غياب الدعم المادي والمعنوي الذي أدى الى تناقص الإعمال المسرحية المؤثرة، هذا بالإضافة إلى التهميش والإهمال المتعمد من قبل المؤسسات الحكومية التي تناست أهمية خشبة المسرح التي كان لها دور بارز في توعية وتثقيف المجتمعات.

 وفي هذا الشأن فقد بات بإمكان فناني المسرح في نيجيريا وهم ورثة تقليد غني يجسده فوز وولي سوينكا بجائزة نوبل للاداب، ان يعرضوا اعمالهم في اماكن غير مألوفة من بينها مرآب تحت الارض. واذا كان المسرح شهد فترة ذهبية في التاريخ الحديث لهذا البلد الاكبر سكانيا في افريقيا، ولا سيما في نضاله للاستقلال، الا انه يعاني الان تراجعا وضمورا. ويقول بان ايفانز وهو استشاري اتى من لندن للمساهمة في تنظيم اول مهرجان للمسرح في لاغوس "هناك جيل كبير من أهل المسرح المتحمسين (..) لكنهم يواجهون عقبات جمة لاسيما في ما يتعلق بالبنى التحتية"، وخصوصا النقص في قاعات العرض.

فقد حولت الكثير من قاعات المسرح في لاغوس الى كنائس في ظل ارتفاع وتيرة الاقبال على الكنائس الانجيلية في البلاد، بحسب ما تقول اوجوما اوشاهي نائبة مدير مركز "بريتيش كاونسيل" الذي اطلق فكرة المهرجان. أما القاعات القليلة المتبقية، فهي تطلب من الراغبين باجراء عروض، مبالغ كبيرة جدا تفوق قدرة صغار المنتجين. والهدف من هذا المهرجان الاول، هو اظهار ان الاعمال المسرحية يمكن ان تعرض في أي مكان، وليس بالضرورة على خشبة مسرح، على أمل ان يشكل ذلك حافزا للمخرجين على استخدام اماكن عرض بديلة.

وقدمت العروض المختارة في فندق ايكو الفاخر، والذي ترتاده النخبة السياسية والاقتصادية في البلاد، وهو يقع على جزيرة فيكتوريا في لاغوس، وقد اقيم كل عرض في مكان غير مألوف في الفندق. ففي موقف السيارات المظلم كان عرض "غرفة الانتظار" يحاكي جريمة قتل جرت بهدف الحصول على أموال التأمين. اما عرض "انيانتي" الذي يعالج قضية اغتصاب رجل نافذ لفتاة مراهقة، فانه ينتقل بممثليه وجمهوره من قاعة الفندق الى غرفة النوم في الجناح الرئاسي.

وفي عرض استعادي، تقدم مجموعة من الممثلين "غريب ام"، وهو عمل كلاسيكي كتبه في العام 1973 الكاتب الدرامي اولا روتيمي، وقد قدم هذا العرض في ظل الاشجار المجاورة لحوض السباحة في الفندق. وتختلف أماكن العرض هذه عن مسرح شيكسبير غلوب المرموق في لندن مثلا، حيث قدمت فرقة نيجيرية عرضا مسرحيا عن رواية "حكاية شتاء" في العام 2012.

ويقول ديليكي غبولادي مخرج مسرحية "غريب ام" انه يحب ان تشاهد الطبقات الوسطى والفقيرة اعماله، لكن هذا الامر لا يكفي للاستمرارية. ويضيف "ان فرق المسرح تتخلى عن المهنة او تكافح للتوفيق بين الامرين". ويكمن التحدي في المحافظة على القالب الذي يقدم فيه هذا النوع من التعبير الفني، والذي كان على مدى التاريخ المعاصر في نيجيريا "أكثر من مجرد عمل ترفيهي"، بحسب ما يقول المؤرخ دورو اوني المتخصص في المسرح في جامعة لاغوس.

وتعود ولادة المسرح في نيجيريا الى نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما بدأت الاعمال المسرحية تخرج من الكنائس والاسواق بحثا عن المكان المناسب لعرضها. وفي مسرح غلوفر هول في احد اقدم أحياء العاصمة لاغوس، قام رائد المسرح النيجيري هربرت اوغوند بتأسيس اول فرقة محترفة قدمت عرضا على خشبة مسرح، بحضور جمهور يمثل النخبة المحلية وطبقة العمال.

ويقول اوني ان هربرت اوغوند "كان يرى في المسرح سلاحا سياسيا" في حقبة كانت تشهد عروضا صغيرة متفرقة في مختلف مناطق البلاد تناصر قضية التحرر من الاستعمار. فمسرحية "رقصة الغابات" التي قدمت لاول مرة لدى استقلال البلاد في العام 1960، كانت تنتقد بوادر الوهن في هذه الامة الفتية، ولا سميا الفساد الذي ينهش البلاد حتى اليوم. ويقول اوني "لم يمر الامر بشكل جيد مع السلطات"، مشيرا الى ملاحقة الحكومات المتعاقبة، من مدنية وعسكرية، للفنانين.

فالمسرحي وولي سوينكا، حائز جائزة نوبل في العام 1986، كان مسجونا خلال الحرب الاهلية بين العامين 1967 و1970، لاتهامه بالتجسس بعد زيارة قام بها الى منطقة بيافرا الانفصالية، فيما كان يحاول التوصل الى اتفاق سلام. ويواصل المسرحيون الشباب التطرق الى المشاكل التي يعاني منها مجتمعهم، لكن اثرهم يبدو محدودا في الوقت الذي يبدو فيه المسرح النيجيري بشكل عام "على سرير الموت"، بحسب ما تقول الكاتبة بوزي افولايان الاستاذة في جامعة لاغوس. بحسب فرانس برس.

ومن هذه الاسباب التي تضعف ال مسرح، ازدهار قطاع السينما النيجيرية "نوليوود" الذي ينتج افلاما فقيرة في مضامينها ووسائل تنفيذها. وتقول افولايان "لقد قتلت نوليوود المسرح باستخدامها المفرط للجنس والظواهر الغيبية". في المقابل، تؤكد اوني ان الكثير من اعمال المسرح الجيدة ما زالت تعرض في عدد من جامعات البلاد. ويأمل منظمو مهرجان لاغوس ان يساهم تغيير طريقة التفكير في ما يتعلق باماكن العرض المسرحي، الى تغيير واقع المسرح في البلاد. ويذكر ايفانز ان عددا من الفرق المسرحية الكبيرة "بدأت في غرف نوم، ولم تكن تملك قرشا واحدا".

بين الإهمال والاكتشاف

في السياق ذاته تحول مسرح سرفانتس، التحفة المعمارية الإسبانية التي احتضنت عروض كبار الفنانين والمسرحين العالميين، الى بناية مهملة آيلة للسقوط ومهددة بالاندثار، بعد مائة سنة على بنائه في مدينة طنجة شمال المغرب. وعلى مسافة قصيرة من مرفأ طنجة القديم الذي سيتحول الى ميناء ترفيهي لجذب السياح، تقف معالم مسرح سرفانتيس المعمارية، شاهدة على تاريخ هذه المدينة العريقة في التجارة الدولية والحركة الثقافية، وسط تساؤلات حول إمكانية صمود هذه المعالم أمام عوامل الزمن في ظل الإهمال.

ويقول برنابي لوبيز غارسيا، المختص في تاريخ العلاقات المغربية الإسبانية مذكرا بماضي "مدينة البوغاز"، "نحن في حاجة الى استعادة تاريخ طنجة عندما كانت مدينة للتعايش، فإحصائيات تعود الى 1919 توضح ان تعدادها سكانها وصل الى 40 ألفا بينهم 26 ألف مسلم و5 آلاف يهودي وما بين 6 و7 آلاف إسباني". وفي شهر كانون الاول/ديسمبر الماضي تولى هذا المؤرخ إقامة معرض تم تكريسه لمئوية مسرح سرفانتس، في محاولة لنفض غبار النسيان الذي يغطيه بسبب موقعه في نهاية شارع ضيق في منطقة شعبية من مدينة طنجة العتيقة، حيث صار شبه حطام يثير تذمر العارفين بتاريخه.

ويبدو السيراميك الأصفر والأزرق الذي يزين واجهة هذا المسرح متهالكا، فيما الرسوم والنقوش على السطح فقدت ملامحها، وداخل المسرح يعلو الغبار ما تبقى من كراس قديمة. وتقول سيسيليا فرنانديز سوزور، مديرة المعهد الثقافي الإسباني "سرفانتس" في مدينة طنجة "إن حالة المسرح اليوم (المملوك للدولة الإسبانية) تبعث على الشفقة".

ويصف الكاتب رشيد التفرسيتي ورئيس جمعية البوغاز لصيانة تراث طنجة، حالة هذا المسرح بحزن، قائلا "لقد صار شبحا بدون ملامح (...) فقد أحضرتموني الى هنا لأتحدث عن حالته، لكن كل مرة أعود الى هذا المكان أحس بألم يعتصرني". ويضيف التفرسيتي متنهدا "إنه لمن المحزن أن تؤول معلمة مثل هذه كانت رمزا للتعدد الثقافي الى ما آلت إليه اليوم".

واكتمل بناء مسرح سرفانتس، الذي سمي أيضا مسرح سرفانتس الكبير، سنة 1913 وهي سنة افتتاحه أيضا، حيث عاش عصره الذهبي في فترة الخمسينات من القرن العشرين لما وصل تعداد الجالية الإسبانية حينها الى 30 ألف شخص، وظل لفترة طويلة أكبر مسارح شمال أفريقيا وأشهرها. وكان المسرح يتسع ل1400 شخص، وهو جذب فنانين كبارا في تلك الحقبة التي كانت فيها مدينة طنجة تحت الإدارة الدولية.

ويروي المؤرخ لوبيز أنه "خلال الحرب العالمية الثانية، حاولت قوات فرانكو العسكرية التي كانت تحتل شمال المغرب وحاضرة في مدينة طنجة، محو الطابع الحداثي للمسرح وتحويله الى مسرح إمبراطوري عبر إضفاء طراز فاشي نيوكلاسيكي عليه، لكن لحسن الحظ فشلت بسبب عدم توفر المال لفعل ذلك". واكتسب هذا المسرح شهرة كبيرة مع تحول مدينة طنجة الى منطقة دولية بموجب اتفاق بين فرنسا وإسبانيا وبريطانيا في 1925، وتشكلت هيئة لادارة المدينة ضمت 18 نائبا أجنبيا وستة مغاربة مسلمين وثلاثة من اليهود المغاربة.

ومن بين المشاهير الذين تناوبوا على خشبة مسرح سرفانتس، المغني أنطونيو كاروزو، والمغنية باتي أدلين إضافة الى فرق موسيقى الفلامنكو الإسبانية الشهيرة بداية القرن الماضي، والمجموعات الموسيقية العربية والمغربية، كما يشرح رشيد التفرسيتي. ويروي التفرسيتي أن والده أدى ادوارا عدة على خشبة هذا المسرح، ويذكر ايضا ان فرقة محلية كانت تسمى "الهلال" قدمت في العام 1929 مسرحية عطيل الشهيرة لشكسبير.

لكن بعد الحرب العالمية الأولى بدأت الأحوال الاقتصادية لعائلة بينيا المشرفة على المسرح تتدهور، ولم تعد قادرة على تحمل النفقات، ورغم الاقتراح بتحويل المسرح إلى كازينو، إلا أن العائلة رفضت بسبب حبها وتعلقها بالفن والثقافة، لتضطر في آخر الأمر الى التنازل عن المسرح وتسليمه للدولة الإسبانية.

وحتى اليوم لم تتوصل السلطات المغربية والاسبانية الى اتفاق لترميمه. وتقدر ميزانية ترميم مسرح سرفانتس بما بين 4 و5 ملايين يورو، لكن موقفه في حي شعبي مهمل في المدينة العتيقة يشكل نقطة ضعف لإقناع المسؤولين باتخاذ القرار لصرف هذه الميزانية، ولا سيما في ظل الازمة الاقتصادية التي تعصف باسبانيا.

من جانب اخر اكتشف علماء آثار في العاصمة البريطانية لندن آثار مسرح عرضت عليه مسرحية "هنري الخامس" لوليام شكسبير للمرة الأولى في أواخر القرن السادس عشر، بحسب ما أعلنت متحدثة باسم متحف لندن. وقد اكتشفت آثار مسرح "كورتن" وهي عبارة عن جدران وباحة على عمق ثلاثة أمتار تحت الأرض في موقع ورشة بناء في حي شورديتش شرق لندن. وافتتح مسرح "كورتن" سنة 1577 وكان تابعا لفرقة "لورد تشيمبرلينز من" التي عمل شكسبير معها في بداية مسيرته. وكان أيضا المسرح الرئيسي الذي عرضت عليه أعمال شكسبير من سنة 1597 حتى افتتاح مسرح "غلوب ثياتر" في لندن سنة 1599.

وقالت متحدثة باسم متحف لندن إن "كورتن" "في حال جيدة جدا وأفضل حالا من مسارح شكسبير الأخرى". ونظرا إلى أهمية هذا الاكتشاف، سيفعل المروجون العقاريون ما في وسعهم لإبقاء المسرح في مكانه. وبعد انتقال فرقة "لورد شيمبرلينز من" إلى مسرح "غلوب ثياتر"، استمرت فرق أخرى في عرض أعمالها على مسرح "كورتن". ومع أن النص المكتوب الأخير الذي يشير إلى وجود المسرح يعود إلى العام 1622، إلا أن المؤرخين يقدرون أنه بقي يستعمل طوال السنوات العشرين التالية. بحسب فرانس برس.

وتعتزم شركة "بلاو يارد ديفيلبمنت" التي تملك الموقع إعادة تصميم مشروعها العقاري كي يكون المسرح في وسطه. وقال متحدث باسم الشركة "كنا نعلم أن المسرح موجود في هذا الحي لكننا لم نكن نعرف موقعه بالتحديد". وأضاف أن "نوعية الآثار مذهلة ونتوق للعمل" مع متحف لندن والمتخصصين في أعمال شكسبير على مشروع "يتيح للعامة النفاذ إلى آثار المسرح".

السخرية من القمع

على صعيد متصل وبعد نحو عشرين عاما من وقوفه على المسرح في مسرحياته الشهيرة عاد الفنان اللبناني زياد الرحباني الى المسرح لتجسيد دور طبيب السلطة القمعية في مسرحية (مجنون يحكي) للمخرجة لينا خوري. وعلى مسرح المدينة في شارع الحمرا الشهير في بيروت تعالج خوري مسألة قمع الانظمة وحرية الفكر بطريقة ساخرة في المسرحية الكوميدية السوداء المقتبسة عن نص بريطاني مكتوب في سبعينيات القرن الماضي لتوم ستوبارد.

وتدور المسرحية حول شخصية ناهدة نون التي تنشر مقالا عن قمع النظام للحريات. تسجن وتعذب ويصر سجانوها إنها ليست إمرأة بل رجلا مجنونا. تودع في مستشفى المجانين في غرفة مشتركة مع نزيل آخر مصاب فعلا بالجنون وشديد القناعة بأنه يملك أوركسترا ويديرها. وفي المصحة النفسية يعالجها الطبيب ليقنعها بأنها فعلا مجنونة وأنها رجل بالتأكيد وانه بالامكان إخلاء سبيلها في حال إعترفت بذلك.

ويجسد الممثل والمخرج غبريال يمين دور المجنون بكثير من التقنية فيما كان حضور الممثلة ندى ابو فرحات قويا في دور ناهدة وهي التي إرتضت أن تحلق شعرها بالكامل لكي يتناسب شكلها مع شخصية المعتقلة التي تصارع لإثبات انها أنثى بينما تسعى السلطة من خلال الطبيب النفسي لإقناعها بأنها ذكر.

ورغم متانة العرض المسرحي وقدرة الممثلين الخمسة أندريه ناكوزي وألين سلوم وايلي كمال بالاضافة الى غبريال وندى على إداء شخصياتهم إلا ان معظم من قصد مسرح المدينة كان يعد نفسه لمشاهدة الرحباني كممثل على المسرح وهو الذي طبعت مسرحياته في اذهان اللبنانيين ابان الحرب الاهلية وخصوصا مسرحية (فيلم امريكي طويل) الشبيهة بعرض (مجنون يحكي). والحضور كانوا يضحكون مع كل حركة أو كلمة أو حتى همسة ينطقها الرحباني وخصوصا عندما حاول إقناع المعتقلة ناهدة بأنها مجنونة بالفعل وانها ذكر وليست أنثى قبل وصول هيئة التفتيش العليا إلى المستشفى.

وتطغى الحالة الانسانية وهي تصف للمعالج النفسي معاناتها في المعتقل قائلة "لم اتخيل في حياتي أن السجون الاسرائيلية أحسن بمليون مرة من السجون العربية هل تعرف لماذا؟ لأن في السجن الاسرائيلي تسير وراسك مرفوعا من التحدي اما السجن العربي تمشي ورأسك بالارض مكسورا من الذل." ويقول لها الطبيب وهو يقرأ تقريرا أمامه كتب فيه ان المعتقلة رجل وتحاول هي اقناعه بالعكس وبانها امرأة فيجيب "مش ممكن. هذا التقرير لا يمكن تكذيبه" فتسأله هل "صدري وهمي" فيرد "انت زلمة (رجل) حتى ولو طلعلك صدر ويوجد الكثير هكذا".

والرحباني (58 عاما) هو فنان لبناني اشتهر بموسيقاه الحديثة ومسرحياته السياسية الناقدة التي تبالغ في الواقع اللبناني الحزين بفكاهة عالية الدقة. وتميز أسلوبه بالسخرية والعمق في معالجة الموضوع وهو صاحب مدرسة في الموسيقى العربية والمسرح العربي. وتدور احداث المسرحية على ايقاع فرقة موسيقية حية مؤلفة من 16 عازفا تعزف انغاما للفنان اللبناني أسامة الخطيب هي أقرب إلى الموسيقى التصويرية. حتى أن أعضاء الفرقة بدوا كأنهم مجانين يعزفون إيقاعات مفاجئة ويرتدون ثيابا موحدة حمراء وسوداء بعضهم كممت أفواههم بإشارات سوداء وبعضهم عصبت أعينهم وبعضهم الاخر طليت انفوفهم بعلامات سوداء.

وفي سياق النص الكوميدي الموسيقي يصرخ احد الموسيقيين عاليا "أنا أفكر اذا أنا موجود في السجن" لتعقبه صرخات بقية الموسيقيين. وتقول المخرجة خوري ان الموسيقى ما هي الا جزء اساسي من المسرحية وهي "صورة عن المجتمع المنتظم بقوانين ومعايير معينة ويقوده شخص واحد هو الطبيب الذي يرمز إلى السلطة."

وخوري الاستاذة في قسم المسرح في الجامعة اللبنانية الامريكية في بيروت لها اكثر من سبعة اعمال مسرحية بين لبنان والولايات المتحدة من اشهرها (حكي نسوان) التي عرضت في بيروت من عام 2006 حتى عام 2008 وتقوم خوري بترجمتها الان تمهيدا لعرضها في نيويورك.

وتستحضر السجون والمصحات النفسية على المسرح على شكل سلاسل حديدية تدلت في وسط المسرح على خلفية سوداء فارغة الا من الموسيقيين. وتشير المخرجة الى ان "المصح ليس بالضرورة ان يكون المستشفى وانما قد يدل على كل مكان في المجتمع تسعى السلطات فيه الى ترويض الناس."

وتقول في كلمة مكتوبة عن المسرحية "المكان هو العالم العربي والزمان في القرن الواحد والعشرين أو الحادي عشر أو الواحد والثلاثين". وترى ان مسرحيتها "تبحث في حرية الفرد ومأساته عبر إعتماد الاسلوب العبثي في مقاربة بعض جوانب القصة المسرحية". بحسب رويترز.

لكن رغم ثورتها المسرحية على الانظمة القائمة الا ان خوري تعتبر ان "مجتمعات الربيع العربي تسير من سيء الى اسوأ بحيث ان انظمة بديلة اخرى تحاصر الشعوب العربية من جديد. "وما زالت التبعية القبلية التعصب الطائفية الدين والمجتمع تتملك عقل الانسان وتسجن فكره. تعودنا على فكرة القمع والعيب والتقاليد حتى خلقنا سجنا فرديا داخلنا واقمنا جلادا على افكارنا. ان لم يكن بمقدورنا العيش بحرية والتفكير بحرية والتغيير بحرية فما قيمة وجودنا"

المسرح التونسي

من جانب اخر تخوض مسرحية "ليلى اند بن" التونسية في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي والفساد الذي طبعه، مع بعض الايماءات الى السلطات الحالية ذات التوجه الاسلامي التي يتهمها خصومها بمحاولة الاستئثار بالقرار في البلاد. وقدم المخرج لطفي عاشور العرض الاول من مسرحيته في تونس، وهي المسرحية الاولى التي تتناول الاعوام الثلاثين المنصرمة التي سبقت ثورة كانون الثاني/يناير 2011.

ويتزامن بدء عرض المسرحية مع مرور البلاد في ازمة سياسية هي الاكبر منذ سقوط نظام بن علي الذي حكم تونس على مدى 23 عاما. ويحاول عاشور في هذه المسرحية المقتبسة عن "ماكبث" لشكسبير باللهجة التونسية المحكية، "فهم الاسباب" التي سمحت للديكتاتور بالبقاء طويلا على رأس السلطة.

ويقول المخرج انه يريد التطرق الى موضوع "ما زال يعد من المحرمات"، وهو "مسؤولية الشعب التونسي" الذي ارتضى الاستبداد على مدى عقود، بدءا بزمن الحبيب بورقيبة ومن ثم خلفه زين العابدين الذي اطاح به في العام 1987 في انقلاب ابيض. ويمزج هذا العمل بين المسرح والموسيقى والوثائقي، ويصور التونسيين على انهم سلبيون او غير مبالين تجاه النظام الذي يحكمهم، وفي بعض الاحيان راضين عن حالهم.

وتقول الممثلة انيسة داوود وهي مساعدة المخرج ايضا "اردنا ان نقول بعد الثورة ان الشعب التونسي هو شعب رائع، لكنه يتحمل جزءا من المسؤولية". وجرى استبدال شخصيات رواية ماكبث المتعطشة للسلطة، بشخصيات تعبر عن القصة التونسية، من "ماك زين" الذي يمثل زين العابدين بن علي، وزوجته ليلى الطرابلسي. ويبدو الزوجان في المسرحية قاسيين ومثيرين للسخرية ومتمسكين بالسلطة حتى اقصى الحدود وايديهما ملطخة بالدماء.

وتنطوي المسرحية، ذات الديكور القاتم، على مشاهد تراجيدية كتلك التي تصور التعذيب والقتل، وكلك على مشاهد فكاهية كالذي يصور حاشية الزوجين المستبدين المستعدة لفعل اي شيء لخدمتهما. ويتفاعل الجمهور التونسي مع هذه المسرحية بالضحك والتصفيق عندما يتعرف على شخصيتي بن علي المستبد وزوجته التي استولت وعائلتها على ثروات البلاد. ولا تغيب الاحداث السياسية في العامين المنصرمين عن العمل المسرحي. بحسب فرانس برس.

وعندما يسأل الراوي في المسرحية الجمهور "ماذا تغير في تونس" بعد الثورة، يجب الجمهور "لا شيء" في اشارة الى اتهام المعارضة التونسية الحالية لحركة النهضة الحاكمة بمحاولة مواصلة النهج الاستبدادي للعهد السابق. وتشير المسرحية الى تعاظم دور التيارات الاسلامية المتشددة التي عانت القمع الشديد في عهد بن علي، قبل ان تستفيد من التغير السياسي الذي طرأ على المشهد التونسي لتخرج بافكارها الى العلن. واشتدت الازمة السياسية في تونس بعد اغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد، احد المعارضين لنظام بن علي وكذلك لحكومة النهضة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 5/شباط/2014 - 4/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م