حروب الولايات المتحدة.. فضائح تهز أركان الجيش

 

شبكة النبأ: تتوالى الفضائح التي اضرت كثيراً بسمعة أقوى جيوش العالم (حسب التصنيف السنوي العالمي لموقع جلوبال فايرباور)، ويبدوا ان سلسلة الهزائم الأخلاقية والنفسية والإنسانية متواصلة ولن تكون هناك نهاية قريبة لها.

ان الجيش الأمريكي يبني عقيدته العسكرية على أساس الاحترافية والخبرة العالية والنظام الدقيق داخل المؤسسة العسكرية بحسب ما تنشره المواقع الرسمية ووسائل الاعلام المختلفة، لكن هذه العقيد اهتزت بشدة في الآونة الأخيرة، وكثرت المناوشات وتبادل الاتهامات وفصل العديد من القادة البارزين، إضافة الى التحقيق مع المئات من الجنود والمراتب الأخرى في تهم تتعلق بفضائح جنسية واخلاقية وتعاطي المخدرات وغيرها الكثير.

ويبدوا ان الجيش الأمريكي متمثلا بقادة الكبار مشغول جداً في هذه الأيام بإعادة صياغة الكثير من الأنظمة والقوانين وتصحيح مسار الأخرى، من اجل تلافي أكبر قدر من الفضائح التي وصلت الى المستوى النووي.

فقد امر وزير الدفاع الاميركي تشاك هيغل بمراجعة كاملة للجهاز البشري العسكري المكلف السلاح النووي الاميركي بعد سلسلة من الفضائح، كما أعلن المتحدث باسمه، وقال الاميرال جون كيربي للصحافيين ان ما تكشف اخيرا بشأن قضية غش في امتحانات لأهلية الضباط في سلاح الجو الاميركي وحيازة مخدرات من جانب ضباط مكلفين إطلاق صواريخ نووية عابرة للقارات، امور "تطرح مسائل قانونية بالنسبة الى ادارة احدى أكثر مهماتنا اهمية واكثرها حساسية".

ويشمل هذا التدقيق ليس فقط وحدات إطلاق الصواريخ العابرة للقارات بل ايضا مكونات اخرى من القوات النووية الاميركية مثل الغواصات وقطع المدفعية النووية، واضاف كيربي ان هذه المراجعة ستتمحور حول "مسائل تؤثر على الروح المعنوية وعلى حرفية واداء وحس القيادة للأشخاص الذين تتألف منهم القوات النووية".

ومن المقرر ان يلتقي المسؤولون المدنيون والعسكريون في القوات النووية خصوصا رئيس القيادة الاستراتيجية الاميرال سيسيل هاني، وزير الدفاع الاميركي لبحث هذه المسائل، وسيكون امامهم بعد ذلك 60 يوما لوضع "خطة عمل" لتحديد المشاكل التي تواجهها القوات النووية وحلها، في النهاية، امر وزير الدفاع بإنشاء "لجنة مستقلة" مؤلفة من مسؤولين سابقين في مجال الدفاع لبحث الجهود الواجب بذلها من جانب الجيش للرد على المشاكل في القوات النووية، ويتعين على لجنة الخبراء هذه تقديم تقريرها خلال 90 يوما بعد تشكيلها.

وفي العام 2008، قام وزير الدفاع الاميركي آنذاك روبرت غيتس بتسريح رئيس الاركان وقائد سلاح الجو بعد حوادث متكرر داخل القوات النووية، وبحسب جون كيربي فإن مسألة اعادة النظر في الهيكلية العليا للقوات النووية على خلفية الثغرات الحاصلة خلال الاشهر الاخيرة ليست مطروحة حاليا، وقال ان "القادة الذين يجب محاسبتهم سيحاسبون، لكننا لم نصل الى هذه المرحلة بعد".

واعلنت الامينة العامة لسلاح الجو الاميركي ديبورا لي جيمس توقيف 34 ضابطا في احدى القواعد الثلاث لإطلاق الصواريخ العابرة للقارات عن العمل بتهمة الغش في اختبار دوري للأهلية، كما ان اثنين من هؤلاء متهمون بحيازة مخدرات، وفي تشرين الاول/اكتوبر، تم تسريح اربعة ضباط لأنهم استسلموا للنعاس في مركز عملهم تاركين الابواب المصفحة لمنصة الاطلاق مفتوحة.

من جهته سلط تقرير صدر عن المفتش العام لسلاح الجو الأمريكي الضوء على أسباب إقالة الجنرال مايكل كيري، وهو قائد عسكري سابق، كان مسؤولا عن ثلاثة أجنحة نووية بسلاح الطيران"، منها تصرفات "غير لائقة ومحرجة" وهو تحت تأثير الكحول، أثناء مهمة رسمية له في موسكو، أثار فيها حفيظة الجانب الروسي، إلا أن التقرير أكد بانه لم يجر أي تهاون بشأن سرية عمليات الأسلحة النووية الحساسة.

وكان البنتاغون قد أعلن في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إعفاء الجنرال مايكل كاري، قائد القوة 20 بسلاح الطيران، جراء "فقدان الثقة في قيادته" دون أبداء تفاصيل، وكشف تقرير المفتش العام، ونقلا عن شهود عيان، بأن كاري أسرف في احتساء الكحول، أثناء زيارة رسمية لموسكو، كما أنه "تبجح" بصوت عال بمرتبته العسكرية كقائد قوة نوية بالقول "أنا يوميا أنقذ العالم من الحرب"، ولقائه بـ"نساء اجنبيات مثيرات" في موسكو، عشية اجتماع رسمي مع الجانب الروسي، ما أدى إلى تأخره بنحو 45 دقيقة عن الانضمام للوفد الأمريكي، مبررا ذلك بالجهد الناجم عن اختلاف الوقت.

كما نقل التقرير عن الشهود، الذين لم يكشف عن هوياتهم، بأن المسؤول العسكري السابق، قام وهو تحت تأثير الكحول أثناء حفل عشاء أقيم على شرف الوفد، بمناقشة الأزمة السورية، والموظف السابق بوكالة الأمن القومي الأمريكي، إدوارد سنودن، وهي تصريحات لم تلق ترحيبا من الجانب الروسي، خاصة وأن الحكومة الروسية من أبرز حلفاء النظام السوري، كما انها منحت سنودن اللجوء السياسي بعد فراره من أمريكا، كما أنه قاطع كلمة أحد المتحدثين في الحفل مرارا بكلمة "رفع نخب". بحسب سي ان ان.

كما استشهد التقرير بعدد من الحوادث منها واقعة محاولته، وهو مخمور، الانضمام إلى فرقة موسيقية بإحدى المطاعم، رفضت مشاركته بالغناء معها، قبل أن يفترق عن الوفد لينضم إلى اثنين من النساء "المثيرات"، وخلص التقرير إلى أن سلوكيات كاري كضابط أصبحت "غير لائقة"، لافتا إلى أن المفتش العام لسلاح الجو بدأ تحقيقاته بعد تعدد التقارير بشأن "سوء تصرفات" الضابط الرفيع، التي لم تعرض، وعلى أي نحو، العمليات النووية للخطر.

وفي أكتوبر/تشرين الأول، أعلن الجيش الأمريكي عن إعفاء مسؤول الصواريخ النووية، من منصبه، ليصبح ثاني مسؤول كبير في قيادة الترسانة النووية الأمريكية، تتم إقالته، وأكد البيان أن "خلفيات القرار ليس لها علاقة بجاهزية القوات الصاروخية، أو بنتائج أي تفتيش" على جناح القوة الجوية الـ20، التي كان الجنرال كاري يتولى قيادتها.

اتهامات متبادلة

من جهة أخرى كتب وزير الدفاع الامريكي الاسبق روبرت جيتس في مذكرات ان الرئيس باراك أوباما كان لا يثق في سياسة حكومته إزاء الحرب في أفغانستان حتى أنه كان متشككا في نجاحها، وينتقد جيتس قيادة أوباما في العديد من القضايا المتعلقة بالدفاع وخاصة أفغانستان حسبما ورد في تقديم للمذكرات التي تحمل عنوان "الواجب: مذكرات وزير في الحرب" نشرته صحيفة واشنطن بوست.

ووفقا للصحيفة قال جيتس انه خلص بحلول أوائل 2010 الى ان أوباما الذي أمر بإرسال مزيد من القوات الى أفغانستان مثلما فعل بوش في حرب العراق "لا يثق في استراتيجيته ولا يعتبر ان الحرب حربه، الأمر كله بالنسبة له يتعلق بالخروج"، ونقلت الصحيفة عنه قوله إن أوباما كان "متشككا -ان لم يكن مقتنعا تماما- بأن (استراتيجية ادارته) ستفشل"، وتابع جيتس "لم أشك أبدا في دعم أوباما للقوات وانما في تأييده لمهمتهم".

وبعد انتخاب اوباما في عام 2008 لخلافة بوش وافق جيتس على طلب الرئيس الجديد بأن يبقى وزيرا للدفاع ليصبح أول من يتولى هذا المنصب في عهد رئيسين ينتميان لحزبين مختلفين، ويصف جيتس الرئيس أوباما بأنه "رجل يتمتع بالصدق مع النفس"، ويقول في وقت لاحق في مذكراته ان "أوباما كان على صواب" في قراراته فيما يتعلق بأفغانستان.

وكتب جيتس ان أوباما لم يكن يشعر بالراحة ازاء حربي العراق وأفغانستان اللتين ورثهما من ادارة بوش ولم يكن يثق في الجيش الذي كان يطرح عليه الخيارات، ووفقا لرواية صحيفة واشنطن بوست تمخض اختلاف وجهات نظر اوباما وجيتس في القضايا العالمية "عن خلاف أصبح بالنسبة لجيتس على الاقل مصدر جرح شخصي من المستحيل مداواته".

وانتقد كتاب جيتس أيضا مساعدي اوباما بمن فيهم نائبه جو بايدن الذي قال جيتس انه كان "يسمم الاجواء" ضد قيادة الجيش الأمريكي، ونقلت الصحيفة عن جيتس قوله في المذكرات ان الثقة كانت مفقودة في تعاملاته مع أوباما وفريقه، وقال جيتس وهو يصف "حدثين مهمين لانعدام الثقة" ان اوباما أبلغه انه سيعلن الغاء سياسة "لا تسأل، لا تقل" التي كانت تمنع خدمة الأشخاص الذين يعرف عنهم أنهم مثليون في الجيش وذلك قبل يوم واحد فقط من إعلان القرار.

وكان جيتس يؤيد الالغاء لكنه قال انه "أخذ على عين غرة" فيما يتعلق بالإجراء الذي خضع للمناقشة على مدى أشهر، وكتب يقول انه "غضب بشدة" من اوباما في جدل بشأن نفقات الدفاع. وقال "شعرت انه فقد الثقة في شخصي، فيما يتعلق بأرقام الميزانية"، وأضاف "لماذا كنت أشعر بأنني في حرب دائما مع الجميع مثلما ذكرت بالتفصيل في هذه الصفحات؟" وقال "لماذا كنت في أغلب الاحوال غاضبا؟ لماذا لم أكن أحب العودة الى الحكومة وواشنطن".

ومضى قائلا "الخلل الوظيفي العام في واشنطن أجهز على وخاصة وانا احاول المحافظة على صورة عامة تتسم بالهدوء غير الحزبي والعقلانية والتوافق"، وأشار جيتس في مذكراته التي أرسلها بالبريد الالكتروني لصديق وفقا للصحيفة "لم أستمتع بكوني وزيرا للدفاع، الناس لا تعرف كم أمقت هذا المنصب".

فيما رفض الرئيس الأمريكي باراك أوباما النقد الذي وجهه له وزير الدفاع الأسبق روبرت جيتس الذي شكك في ثقة الرئيس نفسه في سياسة ادارته تجاه أفغانستان، وقال أوباما -في اجابته على اسئلة اثناء جلسة في المكتب البيضاوي- إن جيتس كان وزير دفاع رائعا وإنه بفضل الاستراتيجية التي وضعتها حكومة أوباما سيتاح للولايات المتحدة إنهاء عملياتها العسكرية في أفغانستان بنهاية هذا العام، وقال أوباما "اعتقد ان ما يهم هو اننا اتبعنا السياسة الصحيحة لكن هذا صعب وكان كذلك دائما".

وقال أوباما "مثلما استمرت ثقتي في مهمتنا فان الاكثر أهمية هو انني كان لدي ثقة لا تتزعزع في جنودنا وفي ادائهم في بعض من أصعب المواقف"، وقال ان الولايات المتحدة وشركاءها في التحالف مازال لديهم قوات تواجه وضعا خطيرا "ونحتاج لان نرى هذه المهمة حتى نهايتها"، وبعد انتخاب أوباما في عام 2008 لخلافة الرئيس الجمهوري جورج بوش وافق جيتس على طلب أوباما بأن يبقى وزيرا للدفاع وان يصبح أول وزير يخدم في ادارتين لرئيسين ينتميان لحزبين مختلفين.

احراق جثث متمردين

بدوره فتح الجيش الاميركي تحقيقا بعد نشر صور تظهر جنودا من مشاة البحرية يحرقون جثثا قال موقع تي ام زي انها تعود لمتمردين عراقيين في الفلوجة في 2004 بحسب ما اعلن متحدث باسم المارينز، والموقع المتخصص عادة بأخبار المشاهير نشر ثماني صور ظهر في احداها جندي من المارينز يسكب البنزين على جثث قبل ان يقوم بإحراقها وفي اخرى جندي اخر يلتقط صورة امام جمجمة.

وصرح الكابتن تايلر بالزر المتحدث باسم وحدة النخبة في الجيش الاميركي لفرانس برس "نجري تحقيقا. وفي هذه المرحلة علينا التحقق من صحة هذه الصور والظروف التي التقطت فيها وهل تم تحديد هوية الجنود المتورطين"، وبحسب الموقع الذي أكد انه سلم البنتاغون 41 صورة، التقطت هذه المشاهد في 2004 في الفلوجة معقل المتمردين العراقيين حيث دارت معارك عنيفة مع الجيش الاميركي.

ونشر هذه الصور يأتي في وقت تتصدر مدينة الفلوجة مجددا واجهة الاحداث بعد استيلاء مقاتلي القاعدة عليها في نهاية كانون الاول/ديسمبر، وفي نيسان/ابريل ثم في تشرين الثاني/نوفمبر 2004 شنت القوات الاميركية هجوما واسعا لاستعادة الفلوجة من ايدي المتمردين. وقتل 95 اميركيا واصيب أكثر من 600 بجروح.

وتعرض جنود المارينز لانتقادات شديدة على هذه العمليات خصوصا تلك التي نفذت في نيسان/ابريل واتهموا بارتكاب جرائم حرب لقتل عدد من المدنيين واستخدام ذخائر بالفوسفور الابيض، الامر الذي تحظره معاهدة جنيف، وصرح الكولونيل ستيفن وورن المتحدث باسم البنتاغون بان الصور التي نشرها موقع تي ام زي لا تشكل جريمة حرب بحسب الحقوقيين في البنتاغون، واوضح ان "احراق جثث مسموح في بعض الظروف خصوصا لأسباب تتعلق بالصحة العامة".

لكن يمكن ملاحقة العسكريين المتورطين لانتهاكهم القواعد العسكرية التي تفرض احترام الجثث وتحظر التقاط مثل هذه الصور، واكد وورن انه حتى وان عادوا اليوم الى الحياة المدنية يمكن استدعاء الاشخاص الذين التقطوا هذه الصور لمحاسبتهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 2/شباط/2014 - 1/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م