مخاطر الفساد الانتخابي

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: النظام الديمقراطي منهج عملي، لبناء الدولة والمجتمع، جربه العراقيون وأخفقوا في السابق، بسبب عدم جدية الحكومات في تطبيقه، فضلا عن الاسباب الاخرى، مثل تدني الوعي السياسي للمجتمع، والضعف او الغياب الكلي لجماعات الضغط، بالاضافة الى الاهداف المبيّتة للحكومات، في السيطرة على مقاليد السلطة بالقوة الغاشمة، وإقصاء التداول السلمي، والسيطرة على الحكم عبر الانقلابات، ثم إدارة شؤون الدولة كافة عبر النظام السياسي الاحادي.

ومنذ عقد من الزمن جرّب العراقيون، سلسلة من عمليات الانتخاب، لنواب البرلمان، ولاعضاء مجالس المحافظات، في محاولة لترسيخ المنهج الديمقراطي، والتأسيس لهذا النظام، درءاً لمخاطر النظام الدكتاتوري، ومحاولة لتحقيق العدالة الاجتماعية، وبناء مؤسسات الدولة المدنية، ونشر ثقافة التداول السلمي للسلطة، وهي محاولات تدخل في رسم المشهد السياسي للعراق ما بعد 2003، وهي اندفاع نحو الديمقراطية التي لا تزال هشة الى الان، لأسباب عديدة، أكثرها خطورة ملامح وحيثيات (الفساد الانتخابي)!.

إننا على أبواب دورة انتخابية برلمانية جديدة، سوف يتم فيها انتخاب أعضاء لمجلس النواب العراقي في دورته الجديدة القادمة، إذ من المقرر أن تجري هذه الانتخابات نهاية شهر نيسان من العام الجاري، وتعد هذه الخطوة الديمقراطية من أهم الخطوات التي تدعم بناء النظام السياسي الديمقراطي في العراق، ولكنها تنطوي على نواقص قد تصل الى درجة المخاطر الجدية على الديمقراطية نفسها، يمكن وصفها بـ تسمية (الفساد الانتخابي)، وتدخل في هذا الباب كل أشكال وأنواع الفساد الذي يتخلل عملية الانتخاب، سواءً كانت صادرة من المرشحين أو من الناخبين أنفسهم.

فقد حدثت بعض التجاوزات في الدورات الانتخابية الماضية، تسبب فيها الطرفان، الناخبون والمرشحون ايضا، وهذه التجاوزات لا تنتمي للاخطاء التي قد ترافق عمليات الانتخاب من دون قصد، وإنما ما نقصده هنا، تلك التجاوزات التي تصل الى درجة عالية من الخطورة، قد تهدد النظام الديمقراطي برمته، لاسيما أننا لا نزال نمر في مراحل بناء تنطوي على الضعف والهشاشة، وقد يتساءل احدهم ما هي هذه المخاطر وهل من سبيل لتجاوزها؟!. أما الإجابة الدقيقة عن هذا التساؤل، فإنها يمكن أن تُرصَد بوضوح أثناء عمليات الانتخاب والاعداد لها، وبعدها ايضا، حيث يتخلل ذلك، تجاوزات يمكن أن نراها في العين، أو ندركها بالبصيرة بسبب حدوثها في الخفاء، بمعنى هناك تجاوزات تطال العملية الانتخابية تجري سرّيا، ضمن صفقات قد لا يراها احد، ومع ذلك فإن الكشف عنها ليس صعبا، بسبب الشبهات التي يمكن استقصاءها خلال وبعد العملية الانتخابية.

من هذه المخاطر بيع الاصوات مقابل فوائد مادية تافهة، وهو ما حصل في دورات سابقة فعليا، وكلنا نتذكر قضية توزيع المدافئ والبطانيات و(رصيد الهاتف الجوال) والاموال المادية مقابل القَسَم لضمان صوت الناخب، واذا كنا نجد أحيانا بعض العذر للناخب بسبب حاجته وقلة وعيه وفهمه لحساسية وأهمية دوره، فإن المرشح الذي يقدم على مثل هذا العمل لا يمكن ان يستحق العذر، بل في الانظمة الديمقراطية الراسخة يتم معاقبة كل مرشح يحاول ان يشتري اصوات الناخبين بأية طريقة كانت، سوى المشروعة منها والتي تتم عبر حملات انتخابية معلنة ضمن ضوابط تحددها المفوضية المستقلة للانتخابات.

ومن حالات الفساد، الاقدام على تزوير الانتخابات، وهي محاولات حدثت في الدورات السابقة، واذا كانت مثل هذه التجاوزات تجري في انظمة ديمقراطية راسخة، فإن حدوثها في التجربة العراقية يشكل خطرا أكبر، لاننا نؤسس ونبني ونريد أن يكون التأسيس سليما ودقيقا، حتى تحصل الاجيال القادمة على تجربة ديمقراطية خالية من الشوائب، أو بأقل النسب الممكنة.

ومن مخاطر الفساد في الانتخابات تلك المحاولات المستميتة التي تقول بها الاحزاب والكتل الكبيرة من اجل الاستحواذ على اصوات الناخبين بشتى الطرق، عبر سنها لقانون الانتخابات الذي يضمن لها اعلى نسبة من الاصوات بصورة ليست عادلة، مقابل اقصاء وتهميش الاحزاب او الجماعات الاصغر، حيث تضعف العدالة الانتخابية في هذا المجال، بسبب سيطرة الكتل الكبيرة، وضعف القانون وتطبيقه، إذ يفرض الكبار سيطرة خفية، أو مكشوفة احيانا على مفوضية الانتخابات من خلال التدخل في عملها!.

وعلى العموم ليس امام العراقيين وخاصة المعنيين منهم بادارة الدورات الانتخابية، سوى متابعة الفساد الانتخابي وتأشيره والتحقق من حدوثه في الخفاء والعلن، ومن ثم وضع الضوابط الحازمة التي تحد منه، كوننا نؤسس اليوم للمنهج الديمقراطي الصحيح، وهذه أمانة نحملها الى الاجيال القادمة، ويجب أن تكون الامانة سليمة وصحيحة وخالية من التشويه، وهذه القضية الجوهرية، تقع على عاتق الجميع بلا استثناء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 2/شباط/2014 - 1/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م