تركيا وإيران، جديد المنطقة وتحولاتها

حسام الدجني

 

في ظل ضعف النظام الإقليمي العربي، وحالة اللااستقرار في مصر وسوريا والعراق على وجه الخصوص نظراً لأهمية تلك المناطق من الناحية الجيوسياسية والحضارية والثقافية ومن ناحية المكانة والدور، شهدت العلاقات بين تركيا وايران تطوراً هاماً يؤسس لمرحلة جديدة قد ترتقي بها العلاقات بين البلدين لتصل إلى درجة التحالفات الاستراتيجية، فكلا البلدين فاعلين رئيسين في الشرق الأوسط، ولهما من عناصر القوة ما يؤهلهما لأن يكونا قطباً فاعلاً في النظام الدولي الجديد، وصولاً إلى تحقيق اتحاد فدرالي تركي إيراني، وربما تأتي الرسالة التي حملها السيد اردوغان من الرئيس التركي عبدالله غول للمرشد الايراني والتي جاء بها بعد الترحيب: " إننا نعتبر إيران بيتنا الثاني" لتدعم ذلك.

زيارة أردوغان لطهران، والزيارة المرتقبة لحسن روحاني لأنقره خلال الاسابيع المقبلة تشكل تحولاً هاماً في السياسة الخارجية لكلا الدولتين، حيث تربط البلدين مصالح سياسية واقتصادية وأمنية، وتأتي بعد التحول في السياسة الخارجية التركية تجاه الأزمة السورية وتفضيل الحل السياسي عن أي حلول أخرى، وسبل انجاح الجهود المبذولة في مؤتمر جنيف2، فكلا البلدين لهما ثقل وتمتلكان مفاتيح الحل في انهاء الصراع الدائر بسوريا، والملف الاقتصادي ليس بعيداً عن الزيارة، فإيران نقلت حساباتها البنكية من تركيا لليابان وسويسرا، وتركيا الدولة الصناعية الواعدة عيونها على سوق الطاقة الايرانية، بالإضافة الى العديد من الملفات التي سيناقشها أردوغان مع المسئولين الايرانيين خلال يومي الزيارة، ومنها انطلاق المجلس الأعلى للتعاون بين البلدين، وكأننا في الطريق نحو الوحدة الفدرالية.

 وهذا الاتحاد يملك من عناصر القوة الاستراتيجية والجيوبوليتيكية والسياسية والاقتصادية والأيديولوجية، والثقافية، والممارسة الديمقراطية، والقوة العسكرية والصناعية الكثير، وبذلك نرى الجهود الصهيوأمريكية لتفتيت المفتت وتجزئة المجزأ، وخلق فتنة طائفية بين السنة والشيعة لتكون عائقاً أمام أي تجربة اتحادية في الشرق الأوسط، وهنا سأحاول أن أستشرف قيام اتحاد فيدرالي إيراني تركي، وسأعمل على تحليل عناصر القوة لدى هذا الاتحاد، ونتمنى أن يصبح الحلم حقيقة...

 يبلغ مساحة الاتحاد الفدرالي الإيراني التركي 2.427.452 كم2، وتعداد سكانه تجاوز إلــ142.5 مليون نسمة، تنتشر على طول حدوده أحد عشر دولة مجموع تعداد سكانها ما يقارب 300 مليون نسمة تقريباً، غالبيتهم مسلمون، ويبلغ طول حدوده البرية 4728 كم2، بينما طول حدوده البحرية 9700 كم2، موزعة على سبع منافذ بحرية، إضافة إلى إشرافه المباشر على مضيق هرمز والبوسفور والدردنيل، مما يجعل منه قوة بحرية، ويعطيه أهمية جيوإستراتيجية.

نعم، هذا الاتحاد لو تحقق سيكون مؤهلاً للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، وسيكون له دور كبير في صياغة النظام العالمي الجديد، وربما يمارس دبلوماسية شعبية من خلال انفتاح الاتحاد على مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والشعوب والتي قد يحقق من خلالها التمدد بسرعة في المنطقة العربية، وقد يساهم في حل الأزمات في المنطقة العربية، لأن اكتمال أضلاع المثلث الاستراتيجي يجب أن ينطلق من قاعدة عربية قد تكون مصر أو سوريا أو العراق.

إن التقارب الإيراني التركي في هذه المرحلة السياسية الحرجة، وطبيعة التحولات السياسية التي شهدتها الساحة التركية، تؤكد أن هناك تحالفاً استراتيجياً آخذ بالتبلور بين إيران وتركيا.

ولكن هذا التحالف أو الاتحاد سيشكل خطراً استراتيجياً على المصالح الغربية في منطقة الشرق الأوسط، وعلى مستقبل الكيان الصهيوني، وكذلك سيكون له ارتدادات قد تمس بعروش الأنظمة الشمولية العربية وعلى وجه الخصوص بعض دول الخليج العربي، لذلك ستواجه الفكرة بقوة من كل الأطراف، ولكن تركيا وإيران لوحدهما كما تحدثت من قبل لديهم من المؤهلات للقيام بمثل هكذا تحالف، وبناء نظام سياسي فدرالي قائم على أساس العدالة والقانون والديمقراطية.

ولكن ينبغي العمل على خلق بيئة سياسية وثقافية مواتية عند شعوب المنطقة لدفعهم نحو القبول للتعايش في هكذا اتحاد، ولعل التجربة الأمريكية في بناء اتحادها الفدرالي عبر ضم واحد وخمسون ولاية، في دولة تجميعية، بها العديد من الديانات والمذاهب والملل والثقافات، ولكنها استطاعت أن تسيطر على العالم، وربما يكون للاتحاد الفدرالي الإسلامي عناصر قوة قد تفوق الولايات المتحدة الأمريكية، كوننا نمتلك حضارة وثقافة وإرث تاريخي يؤهلنا لأن نكون أسياد العالم.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 2/شباط/2014 - 1/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م