التعذيب..

من قاموس الامام الشيرازي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: يعرّف التعذيب كوصف عام لأي عمل يُنزل آلامًا جسدية أو نفسية بإنسان ما وبصورة متعمدة ومنظمة..

وهو يمارس لتحقيق عدة أغراض منها: (استخراج المعلومات - الحصول على اعتراف - التخويف والترهيب - شكل من أشكال العقوبة - السيطرة على مجموعة معينة تشكل خطرا على السلطة المركزية).

ويستعمل في بعض الحالات لأغراض أخرى كفرض مجموعة من القيم والمعتقدات التي تعتبرها الجهة المُعذِبة قيمًا أخلاقية.

ليس كالتعذيب بكافة انواعه منافيا لابسط المباديء العامة لحقوق الانسان، وعلى رأسها كرامته الانسانية وهدرها.

يكثر الجدل  حول استعمال كلمة (تعذيب)، حيث تكثر التعابير الدالة عليه في الاستعمال تبعا للقوانين او السياسة او المدونات الحقوقية المحلية منها والعالمية.

فهو يحمل احيانا تسميات من قبيل (سوء المعاملة) أو (التعسف) أو (التجاوزات) أو (وسائل قريبة من التعذيب) لكن التعذيب مدلول محدد يشير إلى شخص يحاول عبر كل الوسائل (انتزاع المعلومات)، او هو كما ورد في المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب:

(أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسديا كان أو عقليا يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص أو من شخص ثالث على معلومات أو على اعتراف أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث – أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية، ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها).

ويرى البعض أن توفر غرض محدد من إلحاق الأذى، هو الفيصل في التمييز بين التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية، إذ لابد من توفر الغرض المحدد في التعذيب.

في كتابه (ممارسة التغيير لانقاذ المسلمين) بطبعته الاولى الصادرة العام 2009 عن  دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع وفي الفصل الثالث منه  والذي حمل عنوان (معوقات عملية التغيير) يطرح الامام الشيرازي الراحل (قدس سره) رؤيته المتكاملة والمستمدة من القرآن والسنة القولية والفعلية للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) واهل بيته (عليهم السلام) وخصوصا الامام علي في تجربة حكمه القصيرة التي لم تكتمل بسبب اغتياله.

وهو في طرحه لهذه الرؤية لم يغب عن ذهنه ما يمكن ان تبتلى به كل الحركات الداعية للتغييرفي مواجهتها لاعدائها، وهي في موقع العمل المعارض او موقع السلطة والحكم بعد تحقق اهدافها..

انه يضع خطا احمر شديد البروز والوضوح في التنديد بالتعذيب لان (أي تعذيب مهما كان لونه ومهما قيل في مبرره، ممنوع ومحرم قطعاً لم ينزل الله به من سلطان).

وهو (قدس سره) في رسمه لهذا الخط، ووعيه لحجم التحدي الذي يمكن ان يلاقيه اصحاب كل حركة للتغيير من قبل الممانعين والرافضين لها، لايترك امامهم اي خيار لاستعماله وتحت اي ظرف، (فعلى الممارسين للحركة أن يتجنبوه مهما كلف الأمر سواء في داخل الحركة أو خارجها وسواء قبل وصولهم إلى الحكم أو بعد وصولهم إليه، وسواء بالنسبة إلى الأصدقاء أو مع الأعداء).

ممارسة التغيير الذي يؤكد عليه الامام الراحل (قدس سره) ينطلق من معادلة بسيطة جدا، الانسان وكرامته اولا هدفا مطلقا للتغيير المنشود، وأي شيء مما يتعارض وهذا الهدف، ينسف تلك القاعدة، ولا يعد اي شعار او عمل باتجاه التغيير قابلا للتصديق او النجاح.. السبب في ذلك كما يرى ويشرح الامام الراحل (قدس سره):

(إن من يهين كرامة الإنسان لا يتمكن أن يدافع عن كرامته، ومن يمارس التعذيب ولو لمرة واحدة ويقول إني أريد إيصال الإنسان إلى الكرامة لا يكون كلامه إلا هراءاً وسخفاً، فإنه لا يصل إلى الهدف أولاً، ويحاكم محاكمة المجرمين في المحاكم الإلهية ثانياً، وتهدر كرامته في المجتمع الذي يطلع على ممارسته ثالثاً).

في طرحه لرؤيته تلك، فانه (قدس سره) لايتركها هكذا معلقة في فراغ التنظير الفكري المجرد، بل يستدعي لها العشرات من الشواهد التاريخية، للبرهنة على امكانية تحققها في الواقع، واقع خال من تعذيب الخصوم او الاصدقاء.

وهو أيضا (قدس سره) يحاجج الاخرين الذين يرون في التعذيب طريقا مضمونا في الحصول على النتائج التي يمارسون التعذيب لاجلها، ومنها انتزاع الاعترافات من المتهمين او المشتبه بهم..

على حد تعبير الامام الراحل:

(لا شك أنه من الممكن أن يستظهر الإنسان الحق - الذي يريد بعض استظهاره لا بسبب التعذيب - ويتوصل إلى الواقع، بواسطة الأدلة والشواهد وتكثير الأسئلة والأجوبة أو ما أشبه ذلك من القضايا المعروفة في قضاء أمير المؤمنين (عليه السلام).

فلا يقال: إنه إذا لم يمارس التعذيب في حق المجرمين فسوف لا يعترفون بالواقع، وبالتالي يبقى بعض الحق خافياً - كما هو منطق الدكتاتوريين -.

فإنه يقال: -

أولاً: بقاء بعض الحق خافياً أفضل من إهانة الحق بالتعذيب.

وثانياً: في التعذيب أيضاً يبقى بعض الحق خافياً حيث أن بعض المعذبين يعترفون على أنفسهم زوراً وكذباً للتخلص من آلام التعذيب وهو أيضاً تغطية للحق).

ماذا بعد التعذيب كواقع حال يفرض وجوده في الكثير من انظمة الحكم المستبدة والتعسفية؟.

إنه يمتد بعيدا في اعماق النفس، اعماق السجانين والجلادين ورجال الامن الذين امتهنوا التعذيب، ويصبح عاهة او عوقا تصاب به نفوسهم لايمكنهم الشفاء منه، وهي قاعدة نفسية اكد عليها علماء النفس، واطلقوا عليها تسمية (السادية) والتي تعني التلذذ بممارسة تعذيب الاخرين والشعور بالمتعة لالامهم.. يعبر الامام الراحل عن تلك السادية الموصوفة في علم النفس، حيث يستبطن شرحه لها بتحولها الى نوع من الادمان لايمكن الاقلاع عنه، انه يقول: (ولا يتصور الإنسان أنه يتمكن أن يبني كشفه للحقائق على التعذيب ثم يتمكن من الإقلاع عنه لمّا استتب له الأمر، فإن أمثال هذه الأمور حالها حال الشجرة كلما تقدم بها الزمان أخذت في النمو أكثر فأكثر).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 29/كانون الثاني/2014 - 27/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م