حرية التعبير في المنظور الاسلامي

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: الرأي .. والحراك البشري في هذا المجال، هو الذي ساعد الإنسان على الانتقال من وعي أدنى الى أعلى وأعمق وأكثر فهما للحياة، ومن خلال الرأي، تمكنت الأمم والشعوب أن تتقدم على غيرها في المجالات كافة، لذا فإن المجتمعات التي تقود الآن، الركب العالمي المتقدم، هي نتاج الرأي المتفاعل والمنتج في الوقت نفسه، كذلك من الشروط المهمة التي تجعل الرأي قادرا على تطوير الحياة السياسية والاجتماعية شرط الاختلاف، استنادا الى المقولة المعروفة (إذا اختلفت الآراء صحَّت)، وثمة فرق كبير بين الخلاف والاختلاف، لأن الاول عنصر تهديم وتدمير للرأي البنّاء، فيما يكون الاختلاف عنصر بناء وتطوير لتأثير الرأي وقوته.

لهذا يقول الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، في غرر الحكم ودرر الكلم: (الخلاف يهدّم الآراء). على أننا نقرّ بأن اختلاف الرأي يحتاج الى فضاء كافٍ من الحرية، بمعنى اذا غابت الحرية تم مصادرة الرأي، وسقطت الامة في فخ الرأي الواحد، وهو نتاج أنظمة سياسية تعسفية، ترفض حرية الرأي من اجل حماية مصالحها المادية والسلطوية.

من هنا جاء قول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في هذا المجال، عندما قال: (إن العمل للحياة لا يكون إلا بالحرية). وبهذا ألزمتنا رؤية الامام الشيرازي، أن نربط بين حرية الرأي والتطور السياسي، وأهمية خلق الفضاء الحر الذي لا مناص من وجوده، لكي يتحرك الرأي وينبثق التعبير الفردي والجماعي، بصورة طبيعية جوهرية، لا شكلية، لكي تأتي النتائج كما هو مرتقب ومأمول.

رأي الحرية وحرية الرأي

من المعروف لكل المهتمين، أن الحرية مبدأ جوهري من مبادئ الاسلام، وان الرأي الحر في منظور الاسلام، هو الدعامة الأساسية التي يستند إليها الكفاح الإنساني، لكي يتم التحرر من الاستعباد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لذلك لابد من توافر الشروط الأساسية لرأي الحرية، أي أن الاسلام يدعو ويحث على توفير الفضاء الحر للرأي، من أجل انتاج سليم لرأي الحرية، الذي سيؤدي بالنتيجة الى انتشار حرية الرأي، وهذا هو المطلوب بالضبط.

ولكن لابد أن نعترف - حتى يكون التصحيح ممكنا- بأن المسلمين تخلفوا كثيرا عن الامم الاخرى في مجال حرية الرأي، على الرغم من أن الاسلام ينظر لحرية الرأي والتعبير، نظرة جوهرية قادرة على دعم الحياة، بأسباب التطور والتوازن والازدهار، لذلك رصد الامام الشيرازي واقع المسلمين المريض، وقال عنه في كتابه الموسوم بـ (الشورى في الاسلام): (من المؤكد أن الجسم الذي يعشعش فيـه المرض مدة طويلة، لا يمكن علاجه في مدة قصيرة، أو دواء بسيط، وكذلك جسم المسلمين الذي عشعش فيه الاستبداد قروناً، لا يعالج إلاّ بنشر الوعي العام بكل الوسائل الممكنة الإعلامية وغيرها).

لقد ثبت للجميع عمليا، أهمية حرية الرأي والتعبير في المنظور الإسلامي، وربط ذلك بأهمية الحرية كمنهج حياة، لهذا يؤكد الامام الشيرازي في كتابه الذي يحمل عنوان (لنبدأ من جديد) على أن: (الحرية هي أساس البقاء ثم التقدم، إن الإنسان إذا لم يكن حراً لم يبق حياً، فكيف يمكنه أن يتقدم؟)، ويضيف الامام في الكتاب نفسه قائلا: إن (إعادة الحرية تحتاج إلى ملء النفوس بها والتواصي فيها حتى يطلبها الكل). لهذا فإن ثمة ترابطا في النشأة والتفاعل، يحدث بين مفهومي (رأي الحرية وحرية الرأي)، وكذلك من الناحية العملية ايضا.

التخطيط لنشر الرأي الحر

الاسلام لا يدعونا فقط الى اعتماد الرأي الحر، ولا يدعو فقط الى حرية التعبير، بل يحثنا لتحقيق هذا المنهج ونشره في حياتنا عبر وسائل عملية، فالحديث المجرد عن الاهداف لا يُسهم في تحقيقها، بل الذي يعجّل في تحقيقها، هو السعي إليها عبر التخطيط المنظّم، وهكذا هو الامر بالنسبة لحرية الرأي.

يقول الامام الشيرازي في مجال التخطيط، لدعم الحرية وترسيخ الرأي الحر: يمكن للانسان أن (يقدِّر الهدف المطلوب الذي يريد الوصول إليه، وكمية وكيفية المقدمات الموصلة إلى ذلك الهدف، ويرسم السياسة التي تحكم العمل والعامل لأجلها، ويلاحظ القدر المحتاج إليه من المادة وما يلزمه من البشر وما إلى ذلك، ويرتب الأعمال المطلوبة ترتيباً زمنياً). هذا الامر يلزمنا وفق رؤية الاسلام، أن نسعى لتحقيق مبدأ حرية التعبير، كونه حق من حقوقنا، وأن لا نقف مكتوفي الايدي حيال السلطات التي تحاول سلبنا هذا الحق.

أي أننا لابد أن نسعى ونخطط ونعمل بجدية، وجهود حثيثة لصيانة حرية الرأي والتعبير، على أن تتم مشاركة جماعات الضغط كافة في هذا المجال، ومنها المنظمات المعنية، بالاضافة الى وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وما شابه، فالكل تقع عليه مسؤولية واضحة في المنظور الاسلامي، وليس هناك فردا أو جهة معفية من واجبها، في ترسيخ حرية الرأي والاشتراك في التخطيط النظري، والتنفيذ العملي لتحقيق هذا الهدف، من خلال الدخول في المعترك السياسي، والحث على العمل في السياسة وما شابه، بل من المفضل أن يسعى الافراد الناجحون الى قيادة البلد، من حيث التشريع (البرلمان)، أو التنفيذ (السلطة الحكومية) الى التصدي للمسؤولية، ولا تعني حرية الرأي في الاسلام أن نتعامل بسلبية مع الواقع السياسي، ثم ننكفئ ونعتزل السياسة!.

يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه (الشورى في الاسلام): (لقد أثبتت التجربة إنّ النظام البرلماني فـي بلاد ما، سيكون ثابتاً ومستقراً إذا كانت هناك أحزاب نشطة تتنافس فيما بينها فـي الرأي والعقيدة، وتبحث في القضايا السياسية وتضع آراءها، واتجاهاتها أمام الرأي العام، من أجل التحكيم، وبمثل هذه الطريقة فقط يمكن إشراك الرأي العام، فـي النقاش السياسي العام، وجعله على رغبة واهتمام بالشؤون السياسية في البلاد).

لذلك فإن الاسلام ينظر للرأي الحر كحجر زاوية في تطور المجتمعات، ويحث على خلق الظروف الموضوعية لإشاعة هذا المنهج في مفاصل الحياة، وليست هناك مشكلة في الاختلاف وليس الخلاف، على أن يتحمل الجميع دورهم في صناعة سليمة للرأي، ولأجواء الحرية التي ستحتضن بدورها الآراء الحرة، من اجل بناء مجتمع اسلامي، قوامه الانفتاح المحسوب، في ظل أجواء تشجع على حرية الرأي، من أجل الاشتراك في بناء الحياة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 27/كانون الثاني/2014 - 25/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م